روى عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: كنّا عند رسول الله ﷺ فقال: «كَيْفَ أَنْتُمْ إذَا وَقَعَ فِيكُمْ خَمْسٌ؟ وَأَعُوذُ بِاَللَّهِ أَنْ تَكُونَ فِيكُمْ أَوْ تُدْرِكُوهُمْ: مَا ظَهَرَتْ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ يُعْمَلُ بِهَا فِيهِمْ عَلَانِيَةً إلَّا ظَهَرَ فِيهِمُ الطَّاعُونُ وَالْأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ فِي أَسْلَافِهِمْ، وَمَا مَنَعَ قَوْمٌ الزَّكَاةَ إلَّا مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنَ السَّمَاءِ وَلَوْلَا الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا، وَمَا بَخَسَ قَوْمٌ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إلَّا أُخِذُوا بِالسِّنِينَ وَشِدَّةِ الْمُؤْنَةِ وَجَوْرِ السُّلْطَانِ، وَلَا حَكَمَ أُمَرَاؤُهُمْ بِغَيْرِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى إلَّا سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ عَدُوَّهُمْ فَاسْتَنْفَذُوا بَعْضَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ، وَمَا عَطَّلُوا كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّةَ نَبِيِّهِ ﷺ إلَّا جَعَلَ اللَّهُ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ» أخرجه ابن ماجه والطبراني.
هذه أحوال خمسة استشرفها رسولنا ﷺ، فاستعاذ منها، وحذّرنا من مظنة الوقوع فيها لما يترتب عليها من آثار مُدمّرة تطال بُنية المجتمع وأساساته.
أمّا الأولى فتتعلق بالنظام الاجتماعي، وأمّا الثانية والثالثة فتتعلقان بالنظام الاقتصادي، وأمّا الرابعة والخامسة فتتعلقان بنظام الحكم.
الأولى: «مَا ظَهَرَتْ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ يُعْمَلُ بِهَا فِيهِمْ عَلَانِيَةً إلَّا ظَهَرَ فِيهِمُ الطَّاعُونُ وَالْأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ فِي أَسْلَافِهِمْ».
فظهور الفاحشة والإعلان عنها والتفاخر بها بات طاغيا في دول الغرب وليس في بلادنا، وإن كانت أبواق الإعلام في بلادنا تُروّج للفاحشة لكن ظهورها عندنا لم يتقبله المسلمون ورفضوه، ولم يستجيبوا للإعلام الحكومي الساقط، لذلك نجد تفشي الأمراض والأوجاع المتجدّدة في دول الغرب التي تُعلن الفاحشة وتعتبرها حرية رأي لا تنقطع، فكانت الأمراض بالفعل تتجدّد في كل جيل كالزهري والسيلان والتيفوئيد والإيدز وأخيراً جدري القرود، وكلها كانت ناشئة عن تلك الحرية البهيمية المزعومة.
وهذه الآفة الاجتماعية القاتلة، عافى الله سبحانه المسلمين منها، بالرغم من حملات الغرب الشرسة لإفساد المرأة المسلمة وترويج القيم الإباحية المنحلة في بلاد المسلمين عن طريق الأنظمة الفاسدة في دولهم، غير أنّ المسلمين كجماعات وأفراد لم يتأثروا بحملات الغرب الإباحية إلا قليلاً، فعافاهم الله من شرورها بفضل تجذر القيم الاجتماعية الإسلامية في نفوس أبناء المسلمين، وبقيت الأسرة المسلمة متعافية من تأثيرات الحملات الإعلامية التي تقودها سيداو لتخريب المجتمعات في البلاد الإسلامية ولإفساد المرأة المسلمة وتدمير الأسرة كما دمّروا أسرهم، وبقيت الأسرة المسلمة هي الحصن الأخير الصامد أمام حملات الغرب العاتية المروّجة لقيم الحرية الجنسية الحيوانية.
الثانية: «وَمَا مَنَعَ قَوْمٌ الزَّكَاةَ إلَّا مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنَ السَّمَاءِ وَلَوْلَا الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا».
الزكاة من أهم أركان الإسلام، فهي عبادة مالية مهمة، وهي العمود الفقري للاقتصاد الإسلامي، ومصارفها الثمانية هي من أهم أسس الحياة الاقتصادية في الإسلام، وتعطيلها أو منعها فوق كونه تعطيلاً لركن مهم من أركان الإسلام، وهدماً صريحاً لبنيان الإسلام الاقتصادي، فهو أيضاً حرمان لقطاعات عريضة من المسلمين من الوصول إلى حقوقها المالية، فبالزكاة يتم تمويل الجهاد في سبيل الله الذي يأتي بمردودات مالية ضخمة لبيت المال كالجزية والخراج والغنائم والأنفال والعشور، ومنع الزكاة وعدم فرضها وتحصيلها فإنه بالإضافة إلى كونه خروجاً عن الإسلام فهو أيضاً يتسبّب في فقدان مصادر مالية ضخمة لبيت المال.
والنتيجة أنّ منع الزكاة يمنع القطر من السماء حقيقة، وما نراه من غيث ينزل على الناس إنّما هو ببركة البهائم، وهذا من أشد أنواع الذم والسخط الذي يلحق بمانعي الزكاة، الذين تعلّق رزقهم برزق البهائم!
الثالثة: «وَمَا بَخَسَ قَوْمٌ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إلَّا أُخِذُوا بِالسِّنِينَ وَشِدَّةِ الْمُؤْنَةِ وَجَوْرِ السُّلْطَانِ».
بخس المكيال والميزان يأخذ أشكالاً كثيرة منها البخس المعروف وهو التطفيف في الكيل والميزان الذي يقوم به بعض التجار الأفراد، ومنها بخس الدولة لجهود العمال والفلاحين والموظفين. وبخس الدولة أعظم ضرراً من بخس الأفراد، فنجد الكثير من أبناء المسلمين يعملون ويجهدون ويكدّون في إنتاج السلع والخدمات المتنوّعة فتبخسهم الدولة والشركات التابعة لها، فتأخذ منتجاتهم بأثمان بخسة، وتفرض عليهم الضرائب الباهظة، وتضارب عليهم بالبضائع المستوردة الرخيصة، فيظلون في حكم الفقراء بالرغم من بذلهم الجهود الجبّارة في الإنتاج والعمل، فيجور عليهم الحكام الظلمة، ويصاب المجتمع بسبب ذلك بالقحط والجدب والفساد.
الرابعة: «وَلَا حَكَمَ أُمَرَاؤُهُمْ بِغَيْرِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى إلَّا سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ عَدُوَّهُمْ فَاسْتَنْفَذُوا بَعْضَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ».
وهذه المسألة تظهر جليّاً لدى ثلاثة أصناف تحديداً وهم: 1- المتأولون، 2- الذين يداهنون الكفار من ضعاف المسلمين، 3- والمنافقون؛ فالمتأولون يروجون للحكم بغير ما أنزل الله بادعاءات زائفة بالديمقراطية زاعمين أنها من الإسلام، والذين يداهنون الحكام يبررون لهم تطبيق أحكام الكفر بحجج واهية لنيل مرضاتهم، والمنافقون يزعمون أنّ أحكام الكفر هي من الإسلام، وهؤلاء الأصناف الثلاثة يعملون تحت مظلة أن الدستور ينص على أن دين الدولة هو الإسلام، وأنّ الناس مسلمون، ويزعمون أنّه لا ضير من تغير الأحكام مع تغير الأزمان.
والنتيجة لهذا الحكم بغير ما أنزل الله تسلط الكفار الأعداء على المسلمين وانتزاع الكثير من بلدانهم من أيديهم كفلسطين وكشمير والشيشان وتركستان الشرقية وميانمار وقبرص... وغيرها، ونهب الكثير من ثرواتهم بحيث تصبح بلاد المسلمين في حكم البلاد المستعمرة.
الخامسة: «وَمَا عَطَّلُوا كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّةَ نَبِيِّهِ ﷺ إلَّا جَعَلَ اللَّهُ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُم».
تعطيل كتاب الله وسنة نبيه ﷺ مسألة تختلف عن الحكم بغير ما أنزل الله، فالتعطيل هو إلغاء صريح لأحكام الشريعة وتطبيق واضح لأحكام الكفر الوضعية، بينما الحكم بغير ما أنزل الله فيه تأوّل وتأويل وزعم بأنّ من فعل ذلك لم يخالف الحكم بما أنزل الله، عبر بحجج واهية، منها أنّ الدستور ينص على أنّ دين الدولة الإسلام، وأنّ الإسلام أحد مرجعيات القوانين في الدولة.
فالتعطيل تبديل وتغيير مباشر للإسلام، ورفض تحكيمه في الحياة علانية وبشكل رسمي، بينما الحكم بغير ما أنزل الله فيه اعتراف ولو شكلي بدور للإسلام في التشريع.
ونتيجة التعطيل الطبيعية تكون بنشوب الحروب الأهلية، واندلاع الاقتتال لأتفه الأسباب، ومن ثمّ تحوّل جيوش البلاد الإسلامية إلى مليشيات وعصابات تتناحر فيما بينها!
رأيك في الموضوع