الدولة هي كيان تنفيذي لمجموعة المفاهيم والمقاييس والقناعات، أي كيان تنفيذي لثقافة المجتمع الذي يرعى فيه شؤون الناس، فكان لا بد للأنظمة التي تطبقها الدولة أن تعبر عن وجهة النظر للمجتمع. والقول إن الدولة لا هوية لها أو هي محايدة، فكرة وهمية ليس لها وجود في الواقع.
ومن هنا كانت أهمية المادة الأولى في مشروع دستور دولة الخلافة، الذي وضعه حزب التحرير بين أيدي المسلمين: "العقيدة الإسلامية هي أساس الدولة، بحيث لا يتأتى وجود شيء في كيانها أو جهازها أو محاسبتها أو كل ما يتعلق بها، إلا بجعل العقيدة الإسلامية أساساً له. وهي في الوقت نفسه أساس الدستور والقوانين الشرعية بحيث لا يسمح بوجود شيء مما له علاقة بأي منهما إلا إذا كان منبثقاً عن العقيدة الإسلامية" (مشروع دستور دولة الخلافة صفحة 3).
هذه المادة بينت الأساس الذي ستقوم عليه دولة الخلافة الراشدة الثانية، وهو العقيدة الإسلامية؛ فكل ما يطبق في الدولة إما منبثق عن العقيدة الإسلامية أو مبني عليها، مع نفيها أن تقوم دولة الخلافة على الانتماء للأرض أو العرق أو الجغرافيا أو القومية أو الوطنية. فتكون بحق دولة الأمة الإسلامية مهما تعددت ألوانها وأعراقها ولغاتها وبعدت المسافات بين ولاياتها، وهذا لا ينفي أن الدولة الإسلامية يكون من رعاياها غير المسلمين - ترعى شؤونهم وتطبق عليهم نظام الإسلام - مع تركهم على خصوصياتهم الدينية، قال تعالى: ﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ [البقرة: ٢٥٦].
أما لماذا لم يكتفِ في المادة بأن يقول: "دين الدولة الإسلام"، كما هو مدون في دساتير الدويلات القائمة في البلاد الإسلامية؟ فلأن "دين الدولة الإسلام" مصطلح خطير يراد به فصل الدين عن الحياة وعن الدولة، لذا وُضع في دساتير الدول العلمانية التي تحكم البلاد الإسلامية، وهو نص يضرب كل محاولة لتطبيق الإسلام كما حصل في مصر أثناء حكم محمد مرسي غفر الله له.
"دين الدولة الإسلام" يعني أن ما يتعلق بالدين من شعائر وأعياد في الدولة يكون من الإسلام، ولكن فيما لا يتعلق بالدين حسب المفهوم الغربي - الشعائر والأعياد والأحوال الشخصية - لا يؤخذ من الإسلام، وهذا منبثق عن عقيدة الغرب؛ فصل الدين الحياة، فهذه الدول التي نصت دساتيرها على أن "دين الدولة الإسلام!" لا تطبق أحكام فصل الخصومات في القضاء وأحكام الاقتصاد والتعليم والسياسة الخارجية والحكم، حسب أحكام الإسلام. أما في الدولة الإسلامية فلا خيار إلا بتطبيق الإسلام كاملا، وكل حكم يجب أن يكون فيها منبثقا عن العقيدة الإسلامية، قال الله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ﴾. [الأحزاب: 36]ر
بقلم: الأستاذ محمد صالح
رأيك في الموضوع