لقد شاء الله أن يكون الحكم في لبنان أمثولة يصعب على الأمة الإسلامية أن تتجاهلها، أمثولة صارخة على شر هذا الطراز من الحكم بغير ما أنزل الله. فلقد نزع الله التوفيق من الحكام الرويبضات العملاء في لبنان، حتى جرى بهم الإخفاق مجرى الغرائب والعجائب، فأوردوا الناس خلال العام المنصرم سلسلة من المهالك المتوالية التي وصلت حد القضاء على البلد وأهله، وليس آخرها كارثة انفجار بيروت الآثم. فلقد تغاضى هؤلاء المجرمون عن وجود آلاف الأطنان من المواد المتفجرة على ثغر من ثغور العاصمة وبقرب مركز الحكم الذي يقطنون هم فيه! فلما انفجرت "شبه القنبلة النووية" صعقت المدينة بفاجعة من الموت والدمار لم تر مثلها من قبل.
قتل المئات وجرح الآلاف، ودمرت أحياء بكاملها، ودخل الخراب أكثر بيوت المدينة، وكان من حصيلة ما أوقعته الفاجعة، أن دخل دمارها إلى قبة مجلس النواب، وخلَّع عصفها أبواب القصر الحكومي، فكاد حكام السوء أن يقتلوا حتى أنفسهم بفسادهم.
لقد شاء الله أن تكون صاعقة بيروت على رؤوس الأشهاد، فسبق دخانها دمارها، مما جعل الناس يتلقون صدمتها وهم إليها ينظرون، فوثقتها كاميرات الشهود حتى يشهدها معهم العالم كله وفي مقدمته الأمة الإسلامية.
وبيروت بالنسبة للأمة الإسلامية هي حاضرة من حواضرها منذ ما يقارب 1400 عام. فبقدر ما تلفت هذه المدينة أنظار العالم أصبحت أيضا اليوم وجهاً من وجوه الأمة الإسلامية وحالة من حالات المرض التي تعتريها، لذلك كانت صاعقة بيروت صفعة على الوجه، وهزة لنخوة هذا الجيل من المسلمين.
فإلى متى سيترك أمر المسلمين هكذا بلا رعاية؟ فساد لبنان فاق جميع المقاييس؛ لم يترك الحكام الرويبضات والعملاء شيئا من أمور الناس إلا وأفسدوه، فحرم الله بأيديهم أهل لبنان كل ما ظنوا أنه ينفعهم:
فمن ظن أن الحكم الجماعي هو خير من حكم خليفة واحد، فانظروا حال لبنان أيام الخلافة واليوم بعد هدم الخلافة!
ومن ظن أن الربا خير من التجارة والصناعة والزراعة، فانظروا اليوم ماذا فعلت البنوك بأموال أهل لبنان!
ومن ظن أن اغتصاب أراضي الناس ومساكنهم ثم إعمارها سيجلب على المدينة الازدهار، فانظروا كيف أصبح وسط بيروت!
ومن ظن أن الطائفية خير من الحكم بالإسلام، فانظروا كيف أن النعرات الطائفية تهدد السلم الأهلي في كل حين!
ومن ظن أن العلاقة الزبائنية حالة حتمية بين الزعيم والشعب فانظروا كيف أصبح البلد يديره المخفقون والفاشلون!
ومن ظن أن سلطة الأمن المطلقة، حتى وإن ظلمت، أمر لا بد منه، فانظروا إلى كم من شباب هذا البلد ظلم أو قتل تحت التعذيب!
ومن ظن أن الغرب الكافر أرقّ قلباً على أهل لبنان من الخلافة، فانظروا كيف يتمزق البلد بنزاع النفوذ الدولي في كل حين!
ومن ظن أن دخول نفوذ الغرب الكافر المستعمر إلى بلاد المسلمين يعصمها من الأخطار، فانظروا كيف أن هذا البلد لا سيادة له!
ومن ظن أن دفع الرشوة الصغيرة أمر لا ضرر فيه، فانظروا كيف يعطل المرتشون مصالح الناس في هذا البلد!
ومن ظن أن حرية الفواحش خير من عفة الإسلام، فانظروا إلى الفواحش كيف تكاد تعيدنا إلى عهد قوم لوط عليه السلام!
ومن ظن أن التشريع الديقراطي خير من التشريع الرباني، فانظروا كيف تُفصَّل القوانين على مقاس مصالح الحكام وشركائهم...!
أيها المسلمون:
ألا يكفي 100 عام منذ هدم الخلافة ونحن نرى البركة تنزع من بلادنا ومن معيشتنا، حتى ندرك أن غضب الله ما زال ينزل فينا؟ قال تعالى: ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾.
ألا تكفيكم "صاعقة انفجار بيروت"، لتذكركم بأن حياتكم خارج نظام الإسلام وتحت رعاية الرويبضات ستجلب عليكم الويلات؟ وأن الله قادر على أن يذهب بكل ما عرشتم كأنه هباء منثور؟ قال تعالى: ﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ﴾.
يا خير أمة أخرجت للناس:
قال سيدنا أبو بكر رضي الله عنه في أول خطبة له بعد توليه الخلافة: "...لا يدع قوم الجهاد في سبيل الله إلا ضربهم الله بالذل، ولا تشيع الفاحشة في قوم إلا عمهم الله بالبلاء".
وعليه لا بد لكم أن تتوقفوا وتتفكروا فيما حصل في بيروت؛ فبالرغم من أنه قد أصابكم ما هو أكبر منه في الشام واليمن والعراق وفلسطين وغيرها، إلا أن ما حصل في بيروت يذكرنا بما جاء في سورة فصلت إذ قال تعالى: ﴿كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِّقَوْمٍ يَعْلَمُون * بَشِيراً وَنَذِيراً فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ * وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِن بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ﴾، وقال سبحانه: ﴿فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِّثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ * إِذْ جَاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ اللَّه﴾.
بقلم: المهندس صلاح الدين عضاضة
مدير المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
رأيك في الموضوع