كانت الثورة الشامية المباركة في بدايتها ثورة خالصة لله تعالى لا تشوبها أي شائبة تعكر صفوها، وكانت خطواتها ثابتة مستقرة متصاعدة متسلحة بشعارات "هي لله هي لله" و"لن نركع إلا لله" و"قائدنا للأبد سيدنا محمد"، خارجة من أبرز مكان يعبر عن وجهة ثورتهم؛ مساجد الله سبحانه وتعالى، وتطورت الثورة وتطور ثوارها وارتقوا بمطالبهم فدفعت الحاضنة الشعبية برأي عام ضاغط على أبنائها أن ينشقوا من المؤسسة العسكرية التي لطالما كبتت التزامهم وقمعت دينهم وشتتت أفكارهم، وبالفعل بدأت حركة الانشقاقات من المؤسسة الكفرية باتجاه الثورة وحاضنتها، وتسلح المنشقون في بداية انشقاقهم بمفاهيم واضحة أن النصر من عند الله وأنهم إن نصروا الله فسينصرهم، وتلمسوا حقيقة هذا المفهوم، فرأوا بأم أعينهم أين أصبحت ثورتهم؛ فقد انضم ما يزيد عن 70% من سوريا الشام إلى الثورة، وبدأت ألوان الثورة تتوسع وألوان النظام تتقلص، وتلمس المجتمع الدولي خطورة ما حدث وبدأ يستقرئ أين ستكون نهاية الطريق، فبدأ يخطط كيف ينهي هذا الحراك ويعيده لما قبل انطلاقته؛ فكان أول نشاطاته ضرب العلاقة بين الثوار وبين خالقهم وإيجاد شرخ في هذه العلاقة ومن ثم يقومون بملء هذا الشرخ بمفاهيمهم وأفكارهم التي تمكنهم من إنهاء هذه الثورة، فعمدوا إلى تركيز فكرة العتاد وضخامته وأنه لازم للمعارك، وكذلك تضخيم هالة الفصائل كي يرتبط مفهوم النصر لديها بوجودها ضمن العمل من عدمه، في محاولة جادة لصرف أعين الناس تجاه الأسباب المادية؛ فقد كانت من نتائجه أن أوجدت أفكاراً ما كانت في بداية الثورة - فعبارة أن النصر حليفنا لأن الفصيل الفلاني مشارك أصبحت رائجة وبقوة، وأننا سننتصر لأننا قمنا بتجهيز عدد من المفخخات ومن الانغماسيين، وغيرها من عبارات... أعددنا ما يكفي من سلاح ثقيل وجمعنا منه ما سيحقق لنا النصر - وبالفعل تحقق المقصود بأن تم طمس المفاهيم الحقيقية للنصر بمفاهيم زائفة خداعة مصطنعة أصبحت فيما بعد باباً من أبواب إنهاء الثورة، وبعد ما تم من تحوير للمفاهيم عند القاعدة الثورية، وبعد أن ثبت أن الناس فعلياً أصبحوا يرون كل ما ذكر أسباباً رئيسية للنصر، بل وأصبحوا يتحدثون ويدافعون عنها، حانت لحظة ضرب هذه المفاهيم لقتل أي روح عند الناس فبدأت حالات السقوط المنظم للمناطق، وحصر لبقع النفوذ، وأصبحت كل المعارك التي تُفتح نتائجها عدد كبير من القتلى بالإضافة لكمية الدمار التي تحل بالمناطق بعد كل عمل من قصف مرعب وتهجير ممنهج؛ كل ذلك ساعد في إيجاد مفهوم جديد عند الناس ألا وهو مفهوم الشعور باليأس والذي كان سببه ما حصل من إيهام عمدت على صناعته غرف التآمر على الثورة وسعت لتعزيزه، فأصبحت الحاضنة بعد ذلك جامدة تنتظر مصيرها ومستعدة للقبول بأي حل قد يُطرح عليها.
وللبحث في كيفية معالجة هذا الشعور لا بد من طرح جملة من الأفكار الصحيحة القوية لتُسقط الأفكار الخاطئة؛ أولها يتعلق بأن ترجع الثورة كما كانت في بدايتها؛ مفاهيمها من صلب عقيدتها، فتصبح الثورة الشامية المباركة مرتبطة ارتباطا حتميا بمفاهيم العقيدة، وبالتالي تصبح عصية على الاختراق والتحريف. فأفكار أن النصر من عند الله وحده، وأن نصرة الله هي أساس النصر، والحديث بحتمية الصراع بين حق وباطل، وأن كل ما حدث لنا وما قد يحدث لم يكن لولا أن ابتعدنا عن الله سبحانه وتعالى وأصبحنا ندور في فلك دائرة غيره، وكذلك أن لا نجاة إلا برضا الله ولا سعادة إلا في ظل حكم الله، وأن أي حل يكون خارج أمر الله إنما هو ضنك وإن كان فسيحاً... كل هذه الأفكار يجب أن تتحول لمفاهيم يتم تلبسها في السلوك عن قناعة تامة يعبر عنها فكر أن قوة الله حقيقة وملموسة، وقد خبرناها في كثير من المواضع والأماكن والأحداث في الثورة وغيرها، ويزيد عن ذلك لتصحيح ما تم تحريفه أن الثورة ليست كما يدعون قد ضعفت وانتهت بل هي قوية وثابتة كما الجبال الرواسي، فليس التسليم والخيانة إلا دليل على قوتها، فلو كانت ضعيفة لما تم اللجوء لهذا الأمر، وأيضاً لولا قوتها لما تدخلت تركيا لتنفذ ما تم الاتفاق عليه في المؤتمرات القذرة ولتركت أمر التنفيذ للفصائل التي رعتها وأطلقت يدها في المحرر، ويضاف لكل ذلك أن النظام ضعيف بل ومتهلهل وليس ما يظهر من صراع بين أركانه بين الحين والآخر إلا دليل على هذا التصدع الموجود.
إن على أهل الثورة أن يدركوا أن لا خلاص لثورتهم إلا بتصحيح مسارها، وأن ذلك لن يكون إلا بتبني أفكار صحيحة من صلب عقيدتهم تكون لهم ذخراً في حال فترت العزيمة ووقوداً لمزيد من البذل؛ لأن الهدف يحدد حجم التضحية؛ فكلما كان الهدف راقياً وعالياً زاد حجم التضحية للوصول إليه، فعلى أهل الشام أن يدركوا أن ما يمارس عليهم من ضغط لإشعارهم باليأس ليس إلا لأن ثورتهم خطرة على العالم أجمع، وأنها قد أعيتهم وأربكتهم فلجأوا كعادتهم لأساليبهم الملتوية حتى يحققوا مقصدهم... فكونوا على يقين أنكم منتصرون إن نصرتم الله وغالبون إن توكلتم على الله والله معكم ولن يتركم أعمالكم.
رأيك في الموضوع