تعتبر المرحلة التي تمر بها ثورة الشام الآن من المراحل المفصلية فيها، فهي إما أن يتجاوزها أهل الشام بسلام أو أن تتوقف فيها عجلة ثورتهم. فإما تغيير شامل سعوا إليه أو إلى مجرد ترقيع؛ وحقيقة المشهد تقول إن ما توصل المتآمرون له كان الأساس فيه هو مسودة مشروع قدمته أمريكا في عام 2015 صوت عليه مجلس الأمن ليطرح للتنفيذ مباشرة ورد فيه: "ونص القرار على دعوة الأمين العام للأمم المتحدة ممثلي النظام والمعارضة السورييْن للمشاركة "على وجه السرعة" في مفاوضات رسمية بشأن مسار الانتقال السياسي"، على أن تبدأ تلك المفاوضات مطلع كانون الثاني/يناير 2016 "بهدف التوصل إلى تسوية سياسية دائمة للأزمة".
كانت رقعة السيطرة في عام 2015 راجحة لصالح الثورة، رغم الخلافات الحاصلة والتي عمدت أمريكا إلى إيجادها من خلال ما اصطنعته من داعمين؛ فقد كانت المساحة المسيطر عليها تتجاوز الـ75% تتوزع السيطرة ما بين الجيش الحر والفصائل الإسلامية، بمثل هكذا مشهد لم يكن ليتم تنفيذ أي مشروع وبخاصة أن القاعدة الشعبية كانت بعدة رؤوس ومن الصعب الوصول معها لنتيجة وهنا كانت البداية تم بدأ العمل لتنفيذ المخطط المتفق عليه المتمثل بتشكيل مناطق تحت مسمى مناطق خفض التصعيد وذلك في أيار 2017 حيث وقعت كل من روسيا وتركيا وإيران اتفاقاً نص على "توصلت الدول الراعية لمفاوضات "أستانة 4" (تركيا وروسيا وإيران) يوم 4 أيار/مايو 2017 إلى اتفاق "خفض التصعيد" القاضي بإقامة أربع مناطق آمنة في سوريا لمدة ستة أشهر قابلة للتمديد".
وقد كان من أبرز بنود الاتفاق وأخطره على الإطلاق ما نص على أن مناطق الحدّ من التصعيد ينبغي أن يتم إنشاؤها بهدف إنهاء العنف بشكل عاجل، وتحسين الوضع الإنساني، وخلق ظروف ملائمة لدفع التسوية السياسية للصراع في سوريا.
وبذلك تكون قد بدأت المرحلة الأولى من الحد من عدد الرؤوس كي يتسنى تحقيق الاتفاق المبرم عام 2015 المتضمن إنهاء الثورة.
كانت بدايات الحملة المخطط لها على الغوطة في شهر شباط 2018 ليتلوها وبعد شهرين حملة إنهاء مظاهر الثورة في ريف حمص الشمالي لتكون المرحلة الأخيرة في شهر تموز/يوليو 2018 وإنهاء المظهر الثوري في مسقط رأسه درعا، وعليه فقد نفذ البند المتمثل بإنهاء العنف وبشكل عاجل وهذا ما باركته روسيا في مؤتمر طهران الذي عقد أواخر 2018.
وبذلك تصبح الاتفاقية جاهزة للتنفيذ بعد أن قلصت الرؤوس وبعد أن حصرت المناطق كلها في منطقة واحدة، لتأتي بعدها مرحلة وضع خطة تهيئة الأجواء في آخر معاقل الثورة في الشمال السوري إدلب.
صرحت أمريكا وبناء على خطتها في إنهاء الثورة أن ملف إدلب حسمه لن يكون إلا سياسياً ووفق ما رسمته هي من بنود، في حين إن روسيا التي تورطت في سوريا رغبت وبقوة لإنهائه عسكرياً، فبعد مؤتمر طهران قامت بحملة بربرية تجاه الريف الجنوبي الشرقي لإدلب سرعان ما احتوتها أمريكا في مؤتمر سوتشي الذي عقد بعد فترة وجيزة جداً من مؤتمر طهران ليتم وضع روسيا ضمن الخط الجديد الموضوع لمنطقة إدلب.
بدأت المرحلة الأخيرة من السيناريو الأمريكي الذي وضعته عام 2015 وذلك باعتماد الإنهاء التدريجي للملف كي تمنع حدوث صدمة عند الحاضنة تدفعها لقلب السحر على الساحر؛ فأول ما قامت به هو إنهاء تعدد الرؤوس في المحرر حيث نالت هيئة تحرير الشام هذه الميزة، حيث أطلقت تركيا يدها؛ فابتلعت جميع الفصائل في الشمال وبالتالي أصبح قرار تنفيذ المخطط على الأرض مملوكاً لجهة واحدة متنفذة قوية تمارس إلى جانب الدول دوراً في تدجين الحاضنة الشعبية وتهيئتها للقبول بالمخطط المعد لها، وهذه تعتبر المرحلة الثانية في طريق تنفيذ المتفق عليه في سوتشي.
فكان حال المحرر خلال ما مضى من وقت حالة من الضغط الأمني سمته القبضة الحديدية لهيئة تحرير الشام يترافق معه قصف مركز وتهجير للناس من مناطقهم وفوق كل ذلك حالة من ضنك العيش لا يعلمها إلا الله وحده يعيشها كثير من أهل الشمال مقيمهم ومهجرهم، كل ذلك لأجل هدف واحد ألا وهو استنزاف الحاضنة بشكل كبير لدفعها للقبول بما اتفق عليه.
والسؤال الذي يجول في أذهان كثير من أهل المحرر: ما هي حقيقة مقررات سوتشي الهادف لتنفيذ المخطط الأمريكي؟
والجواب بعيداً عن قضية فتح الطرق الدولية التي تم تنفيذ البند المتعلق بها بالسيطرة على الـM5 وتسيير الدوريات على الـM4، وبعيداً عن تقسيم المحرر لثلاث مناطق، نقول إن الدول استطاعت بمكرها تقزيم مطالب الناس وجعلها مرحلية، فالبند المتعلق بالمحافظة على سيادة الدولة السورية التي وقع عليها الضامنون لهو أكثر خطورة مما تم تنفيذه حتى الساعة فهو يشير إشارة صارخة إلى أن ملف الثورة مصيره واحد ألا وهو حضن النظام بغض النظر عما إذا كان أسد على رأسه أم لم يكن، وبالتالي إنهاء لكل التضحيات.
الآن وبعد تهيئة الواقع تماماً ليكون على مقاس ما تم تفصيله في جنيف تُطرح الرتوش الأخيرة المتمثلة بمقترحات اللجنة الدستورية وكذلك هيئة الحكم الانتقالي ومن بعد ذلك الانتخابات المبكرة، ولا يهم هنا الترتيب؛ فكل ذلك ليس إلا مكرا كبارا ليس في صالح أهل الشام وثورتهم.
وبعد كل ما تمت الإضاءة عليه ليكون تحت أنظار أهل الشام لمعرفة حقيقة موقفهم وأن جل ما كان يحدث لهم ليس إلا وفق مخطط كان قد رسمه وخطط له المتآمرون عليهم عن سبق إصرار وترصد وليعلموا أن كل صاحب شعار نادى لنصرة أهل الشام سواء أكان داعماً أو منظومة فصائلية ليس إلا أصحاب دور غير بريء في هذا المخطط، وعليه فإن باب العودة بالثورة لمسارها الصحيح لا يزال مشرعاً؛ فإما أن نعلنها كما كانت شعبية انقلابية ومسقطة لكل مرتبط ومجرم وعميل، مسلحة بوعي ومشروع وبوصلة نجاة، وإما أن نرجع للدائرة الأولى حظيرة العلمانية المجرمة القذرة مع فارق أن الجسد مثقل بالجراح ومنهك حتى لا يقدر على النهوض وساعتها ولات حين مندم.
بقلم: الأستاذ عبدو الدلي (أبو المنذر)
رأيك في الموضوع