قال مدير المناهج السودانية: لا يعقل أن يكون تلميذ الصف الأول أساس مقرر له حفظ ٢٣ سورة من القرآن إضافة إلى الأحاديث والفقه، وأشار إلى أنه لا يوجد أمر رباني بكثرة قراءة القرآن، وقال القراي إن الله قال للنبي وصحابته ﴿فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ﴾.
وقال أيضاً خلال مخاطبته منبر "سونا" الأحد الماضي، إن جرعة الفقه في المناهج غير مناسبة لأعمار التلاميذ، ونوه إلى أن تعليم الفقه في الدين ليس إجباريا على العامة، واعتبر أن وجود الآيات والأحاديث في المناهج العلمية غير صحيح، لجهة أن هناك طلاباً غير مسلمين، إضافة إلى أن الآيات في المناهج تضعف الدليل العلمي بحسب وجهة نظره.
وقال القراي إنه حريص على الدين أكثر من الإنقاذ ألف مرة، وأضاف "حريصون على الدين أكثر من تجار الدين"، وأكد أن هجوم علماء الدين على ما يقومون به من تغييرات لن يثنيهم أو يخيفهم. وأشار إلى ضرورة إدخال الفنون والموسيقى والمسرح بالمناهج...
من المسلمات أن المناهج وثيقة الصلة بهوية الأمة، وتشكل عاملا مهما في إعدادها وتربيتها، ومن ثم فالتعامل معها لا يخضع لتصريحات طائشة ومواقف مندفعة، وإنما تحتاج إلى أن يتعامل معها في ظل أوضاع هادئة بعيدا عن التشنج والانفعال وبعيدا عن الاستجابة لأي جهة.
إن ما تفوه به مدير المناهج هو كلام غير منهجي ولا يمت للمنهجية بصلة، فهو وأمثاله قد رضوا أن يتولوا بأنفسهم ما يعجز الأعداء عن مباشرته من إبعاد الإسلام عن المناهج، وهم يتحملون ما يترتب على ذلك من إضلال للمسلمين عن الصراط المستقيم وتحريف لعقيدتهم.
هذا التغيير حتى لو تجرد عن الارتجال والعبثية هو دليل على قصور نظر القائمين عليه، حيث إن العملية التربوية هي عملية معقدة الموضوعات مركبة العناصر، لا يكفي لتطويرها حذف مفردات من المقررات، فهي تشمل ثقافة المعلم، والبيئة التربوية والمجتمعية المحيطة، ومنهج التفكير، والأهداف التربوية، ودرجة الانتماء، وتأثيره في المرحلة التي تمر بها الأمة.
على مدير المناهج أن ينتهج نهجا عمليا صادقا وأن يستقي العبر من الأممالتي وصلت إلى قمة التعليم اليوم كيف غيرت مناهجها بطرق احترافية مهنية، مثل أمريكا في تطوير محتوى وطرق وأساليب تدريس كل من العلوم والرياضيات منذ أن فوجئت في العام 1957م بإطلاق الاتحاد السوفيتي القمر الاصطناعي سبوتنيك. ومنذ ذلك العهد خضعت مناهج الرياضيات في أمريكا لعدد من التغيرات والاجتهادات بغرض التطوير ورفع أداء الطلاب في هذه المادة. ويمكن تقسيم فترات التغيير إلى فترات الستينات ثم السبعينات ثم الثمانينات التي ظهرت الدعوة فيها قوية للتطوير، ففي هذه الفترة ظهر تقرير "أمة في خطر" (a nation at risk) عام 1983، أهم وثيقة عن التعليم في أمريكا خلال العقود الماضية، وهو الذي يؤكد أن مشكلات الأمة الأمريكية في التعليم ترجع بالدرجة الأولى إلى انخفاض المستويات الأكاديمية للطلاب، وإلى تدني نوعية التعليم، وأشار أيضا بأصابع الاتهام للمعلم نفسه. وواكبه عدد من التقارير في مجال الرياضيات مثل Agenda for Action، تلاها تقرير (Everybody Counts)، ثم وثيقة معايير منهج وتقويم الرياضيات المدرسية، وهذه الوثيقة الأخيرة كان لها الأثر البالغ على تطوير تدريس الرياضيات في مدارس التعليم العام في أمريكا. وظلت اللجنة التي أصدرت تقرير "أمة في خطر" منعقدة حتى نهاية القرن العشرين، ذلك التقرير مهد أيضا لظهور الخطوة التي رسمها الرئيس بوش عام 1990 بعنوان أمريكا عام 2000 استراتيجية للتعليم المتضمنة الكثير من اتجاهات الإصلاح التي نادى بها تقرير 1983.
لا يعقل أن يكون تفريغ مناهج التعليم من الإسلام هو المشكلة الوحيدة التي تستوجب الحديث المتكرر عنها بعيداً عن المشاكل الأخرى الجوهرية في العملية التعليمية، وإنما هو استجابةٌ مباشرةٌ لمطالب خارجية، ومن ذلك توصية مجلس الأمن القومي الأمريكي التي نصّت على فرض تغيير مناهج التعليم في البلاد الإسلامية، ومنع وصول المتدينين إلى المناصب العليا في وزارات التربية والتعليم وغيرها من الوزارات ذات التأثير في توجيه الأمة.
إنإبعادالإسلام عن مناهج التعليم في البلاد الإسلامية مخطط قديم حديث تولى كبره دول البغي الرأسمالية، وبذلت كل سبيل لطمس حقائقه وتجهيل الجيل الناشئ بمعالمه، لا سيما ما يتعلق منه ببيان عداوتهم لأهل الإسلام، وفضحِ كيدهم ومكرهم، وبيان فضل هذه الأمة وتميُّزِها عنهم في عقيدتها ونظام حياتها.
لقد جاهرت أمريكا على لسان مجامعها ووزرائها وإعلامها بالمطالبة بتغيير مناهج التعليم في البلادالإسلامية، وإبطال أي مقرر يتحدث عن الجهاد والولاء والبراء وإلغاء الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في بلاد الحرمين. واستجاب لهم أولياؤهم فطالبوا بذلك كتابةً ومقالاً ورسما وتمثيلا في كل وسائل الإعلام المتاحة... والآن نرى بأمأعيننا ما يحدث في السعودية نتيجة ذلك.
لماذا يقحم موضوع تغيير المناهج ويفرض نفسه بقوة مع الأزمات الاقتصادية التي تلاحق السودان، فمن أين تسد نفقات تغيير المناهج؟ أحد العاملين بإحدى مطابع الكتاب قال خلال مداخلته بالمؤتمر الصحفي للمناهج: إن أمر تغيير المناهج مستحيل، وأنه إلى اليوم لم تتمكن وزارة التربية من إيفاء التزاماتها بتكملة طباعة كتب الصف الخامس لهذا العام، مؤكداً على أن ذلك الأمر يتطلب أموالاً ضخمة لإنجازه بصورته التي تحدث عنها مدير المناهج، مشيراً إلى أن تكلفة أقل كتاب لا تقل عن 250 جنيهاً، وقال إن الوزارة لا تستطيع عمل شيء وإنما الأمر يتطلب دعماً عالمياً.
نعم إنه الدعم العالمي الذي يفرض أجندته بقوة، ولا يخفى إصرار أمريكا على تغيير مناهج التعليم في بلاد المسلمين، وإنفاقها مئات الملايين من الدولارات من أجل إنجاح مهمتها، ما يدل على أهمية هذا الفعل من أجل ضمان نشأة جيل مسلم لا يعلم من الإسلام شيئاً، يعيش على عادات وقيم المجتمع الغربي، ويؤمن بأن التحضر هو اتباع خطا الغرب في كل شيء وأن الدعوة إلى عودةالإسلام في المجتمع والدولة هي دعوة للرجعية والتخلف، ويؤمن بفكرة "الغاية تبرر الوسيلة"، ولا معرفة لديه بمعاني إنقاذ البشرية من الظلمات إلى النور.
فهل بعد هذه الأدلة من كلام عن الأهداف المرجوة من وراء تعديل مناهج التدريس؟!
هذا التغيير والتحريف الذي يتبنى إبعادالآياتوالأحاديث وتضمين الغناء والموسيقى والمسرح في مناهج التعليم هو حرب على الإسلام، وتنفيذ لأجندة خارجية للاعتداء على سيادة الأمّة واستقلالها وانتمائها وخصوصيتها، فالاستجابة له استسلام لا تقل خطورته عن الاستسلام للعدو في المعركة إن لم يكن أخطر، وتمكينٌ له من التحكّم في أخصّ الخصوصيات.
إن التشويش والتشكيك الذي يمارسه مدير المناهج في السودان من أول يوم وصل فيه إلى منصبه يجب عدم السكوت عليه وإلا لحقنا بباقي بلاد المسلمين التي استجابت لدعوات تغيير المناهج ذاتالأجندةالأمريكية ظاهرة العداوة لدين الله رغم أننا نعلم أن المنهج الموجود هو أيضاً لا يوجِد الغاية من تدريس أبناء المسلمين رغم وجود الآيات والأحاديث فيه، فهو لا يوجد الشخصية الإسلامية التي هي الغاية من التعليم في ظل دولة الخلافة الغائبة.
إن هذا التنازل الخطير لن يجعل الأعداء يرضون بالوقوف عنده، فقد قال الله تعالى: ﴿وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ﴾.
رأيك في الموضوع