أثارت مزاحمة وزارة الإسكان المصرية عبر الإدارة الهندسية التابعة للقوات المسلحة (المسؤولة عن التنفيذ) في مشروعات الإسكان الفاخر، قلق قطاعات كبيرة من المطورين العقاريين، واعتبر هؤلاء أن استفحال النشاط الاقتصادي للجيش أثّر عليهم سلبا، وذلك لانعدام تكافؤ الفرص بين الطرفين لما تمتلكه المؤسسة العسكرية من مميزات تفقد القطاع الخاص القدرة على الوقوف أمامها، فضلا عن الركود الذي يشهده السوق المحلي منذ قرار "تعويم الجنيه". موقع الجزيرة 29/8/2019م.
لم يترك الجيش في مصر مشروعا ولا نشاطا اقتصاديا إلا وتدخل فيه وتربح منه؛ من لبن الأطفال إلى العقارات والأدوية، حتى الطرق، بخلاف السلع الغذائية والأجهزة وغيرها، مستغلا قدرته على استخدام المجنّدين كأيدٍ عاملة رخيصة، كما أن أرباحه معفاة من الضرائب ومتطلّبات الترخيص التجاري وفقاً للمادة 47 من قانون ضريبة الدخل لعام 2005، وتنصّ المادة الأولى من قانون الإعفاءات الجمركية لعام 1986 على إعفاء واردات وزارة الدفاع ووزارة الدولة للإنتاج الحربي من أي ضريبة. كل هذه العوامل تعطي مزايا كبيرة للجيش في أنشطته التجارية، وتجعل من الصعب على الشركات المملوكة للدولة والقطاع الخاص منافسته، وفي تقرير أعدته وكالة رويترز على مدى عام أن التقديرات تتباين بشأن حصة الجيش في الاقتصاد المصري، ففي حين قال السيسي في كانون الأول/ديسمبر 2016 إنها لا تتعدى 2%، يقول البعض إنها ربما تبلغ 50%. فقد تحولت كل مصانع الجيش وإداراته تقريبا إلى مشروعات للخدمة الوطنية، فالوطنية للدواجن ومثيلاتها للطرق وأخرى للمنتجات الغذائية التي أصبحت منافذها في كل الميادين تقريبا حتى تلك التي أزالوا منها الباعة عنوة، يميزهم عن غيرهم في واقع المنافسة التجارية أنها بلا تكاليف فعلية فكما أسلفنا عمالة رخيصة وإعفاء ضريبي وجمركي ناهيك عن استخدام الأماكن العامة بمرافقها وخدماتها بلا مقابل يذكر.
واقع الأمر أن النظام يمكّن بقراراته المؤسسات العسكرية من التغلغل والتحكم في الاقتصاد المصري والتربح بشكل كبير على سبيل الرشوة ليشغلهم بتلك المشاريع وأرباحها وليضمن ولاءهم ودعمهم أمام أي حراك محتمل قد تنتجه قراراته الكارثية، فشركات الجيش الآن والتي صار يترأسها جنرالات حاليون أو متقاعدون، صارت منتشرة في كل القطاعات الاقتصادية لا يكاد يخلو منها قطاع، الأمر الذي أصبح يهدد الناس في أرزاقهم وأقواتهم فليس هناك من يملك القدرة على منافستهم حقا أمام ما يحصلون عليه من امتيازات هي في واقعها حقوق لكل من يمارس العمل التجاري في بلاد الإسلام وفي ظل أحكامه، بل وحتى ما يقام من مصانع لصناعة ما يحتاجه الناس حقا في الدولة يجب أن يكون على أساس حربي بحيث يتحول إلى الإنتاج الحربي فورا متى احتاجت الدولة ذلك كما هو حال مصانع الدهانات مثلا فيجب أن تكون مؤهلة لتتحول لتصنيع القنابل والفتائل وما تحتاجه الحرب من كيماويات متى تطلب الأمر ذلك، وكذا الحال في مصانع السيارات والأجهزة وأواني الطهي وغيرها يجب أن تكون جميعها مؤهلة للتصنيع على أساس حربي وفورا، هذا ما يجب أن يشترط في أي مصنع يقام في الدولة سواء أكان ملكا للدولة أم ملكا لفرد من رعاياها ويجب أن تدعمه الدولة ليتم الأمر على تلك الكيفية، لا أن تحتكر هي التصنيع وتمنعه من حق المنافسة، إلا أن هذا غير ممكن في ظل الرأسمالية الحاكمة التي تشجع الجنرالات على الدخول في خضم الاستثمارات على سبيل رشوتهم حتى يغمضوا أعينهم عن أخطاء وخطايا النظام، رغم أن ما يحصلونه من خلال تلك الأعمال وما يهبه لهم النظام من رشاوى لا تعادل أبدا ما لهم من حقوق يسلبها النظام وسادته في الغرب الكافر من ثروات بلادنا والتي لهم قطعا نصيب منها كما لباقي رعايا الدولة، ناهيك عما ينالهم من غضب الله وسخطه جراء دعمهم للنظام ورأسه الممعن في الخيانة والعمالة.
يا أبناء جيش الكنانة! إنكم في غنى عن كل تلك المشاريع التي يلهيكم بها النظام ويلقمكم إياها على سبيل رشوتكم ليقمع بكم من يطالب بحقه من الناس، وهي لا تعادل مظلمة واحدة تقفون لها أمام الله يوما ولا دفقة من دم امرئ مسلم يراق تثبيتاً لعرش نخر فيه السوس يجلس فوقه دمية تحركها يد الغرب العابث في بلادنا، إن القرار بيدكم والخيار خياركم والأمة بحاجتكم ولا ينقصها غير انحيازكم لها وحملكم مع إخوانكم في حزب التحرير مشروعها المنبثق عن عقيدتها وإيصاله للحكم في دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة التي بها وحدها تعود الحقوق وتنعتق البلاد وتتحرر رقاب العباد من ربقة التبعية للغرب الكافر وتنتهي عقود نهبه لثرواتنا وخيراتنا، هذا وحده ما ينجيكم من غضب الله وعقابه ويجبّ ما كان من دعم لعميل الغرب القابع فوق عرش الكنانة، وحينها نبشركم برضا الله عز وجل وفوقه فضل عظيم بركات من السماء والأرض، وأرضنا تغمرها الخيرات حقا ولا ينقصها إلا قيادة مخلصة تقودها بالإسلام وتحسن توزيع هذه الثروات والخيرات حتى تصل لكل الناس ولا تكون دولة بين الأغنياء وأصحاب رؤوس الأموال كما هو واقع الرأسمالية التي تحكم بلادنا.
أيها المخلصون في جيش الكنانة! إن عملكم ليس هو البناء والهدم والتجارة والزرع، ولا حتى حماية عروش حكام دويلات سايكس بيكو العملاء، بل عملكم هو حراسة الدين والدنيا وتأمين البلاد والعباد وإعادة أرض الإسلام من مغتصبيها، والله محاسبكم على هذا وسائلكم عنه على رؤوس الأشهاد يوم القيامة فبماذا أنتم مجيبونه؟ وإن الخلاص الوحيد أمامكم هو ما يحمله لكم وللأمة حزبُ التحرير والذي لا ينقصه سوى نصرة صادقة مخلصة منكم تقيم الدولة التي تحرس دين الناس ودنياهم وتطبق الإسلام بعدله وكماله عليهم، وتحمله للعالم رسالة هدى ورحمة للعالمين، فيا فوز من كتب الله له نصرتها وقيامها على يديه. اللهم عجل بها واجعل جيش مصر أهل نصرتها واجعلنا من جنودها وشهودها.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾
بقلم: الأستاذ سعيد فضل
عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية مصر
رأيك في الموضوع