لا يخفى على المتتبعين للأخبار السياسية عبر المنابر الإعلامية في بلاد المسلمين أو في بلاد الغرب وهي تنقل للعالم خبر عقد مفاوضات ومؤتمرات الأمم المتحدة بخصوص مناقشة الأوضاع المترتبة على ثورات الربيع العربي منذ عام 2011م حتى يومنا هذا وما ترتب على هذه المفاوضات والمؤتمرات في أروقة الأمم المتحدة من قرارات وتعيين المبعوث تلو الآخر بخصوص الأوضاع في سوريا أو اليمن أو ليبيا أو السودان... وحتى الصحراء الغربية من قبل.
ولكن الذي يكاد أن يخفى أو لم تألفه أسماع المتتبعين السياسيين للمنابر الإعلامية خبر عقد مفاوضة أو مؤتمر أو حتى جلسة واحدة للأمم المتحدة تناقش فيها أوضاع ثورة أصحاب السترات الصفراء في فرنسا أو قرار تعيين مبعوث أممي خاص بمعالجة الأوضاع المضطربة فيها!
ونحن هنا من أقرب مثال نبدأ المقال؛ حتى تتضح الصورة للقارئ.
لم يمض على ثورة السودان سوى أيام معدودة حتى سارعت الأمم المتحدة في التدخل في ثورة السودان.. وقد تباينت ردات فعل الدول الفاعلة في هيئة الأمم ما بين مؤيد للثورة وأخريات متواطئة مع المنظومة العسكرية الحاكمة في السودان وهكذا حالهم في التعامل مع أي قضية تحدث في بلاد المسلمين. وحقيقة اختلاف وجهات النظر عند دول مجلس الأمم المتحدة في هذا المضمار ما هو إلا اختلاف يسير حسب طبيعة مصالحها في بلاد المسلمين وليس غير؛ فأمريكا مثلاً التي يخنع لها رموز المؤسسة العسكرية السودانية بالولاء والعمالة لا ترى في ثورة السودان إلا زعزعة للاستقرار والأمن العام؛ بينما بريطانيا فهي كعادتها في التعامل مع البلاد التي يحكمها عملاء أمريكا تساير أمريكا في الظاهر وتضع الفخاخ أمامها وتشجع أتباعها من العملاء على التحرك ضد عملاء أمريكا من تحت الستار، والغرض من هذا أقل القليل وهو الحصول على نصيب الثعلب مما يُخَلِّفه الأسد من بقايا فريسته، فهي لا ترى في ثورة السودان إلا "إرادة شعب وتقرير المصير للتغيير"، على أمل أن تسنح لها الفرصة في حصول عملائها على مناصب وحصص لتحقيق مصالحها تحت غطاء الحريات والدولة المدنية و... أو غيرها من الأفكار أو البذور الخبيثة والتي تمثل نبتاً من ترائب أفكار مبدئها الرأسمالي الذي أقلق حياة البشرية وحولها إلى جحيم.
وهكذا حسب اختلاف وجهات نظر المصالح تبدأ التصريحات الدبلوماسية والتراشقات الإعلامية الظاهرة والخفية بين الدول المتصارعة على خيرات بلاد المسلمين؛ فتنعقد في سبيل مصالحهم الرأسمالية المؤتمرات، والجلسات المخصصة للأوضاع التي تجري في بلاد المسلمين. وهكذا ينطلق المبعوث تلو الآخر والمؤتمر والذي بقبة مؤتمر تحت رعاية هذه الدول المتصارعة، فيما يحضر الممثلون من بلاد المسلمين شهود زور وعبيداً أنجاساً ينفذون ما يملى عليهم من أسيادهم الكفار حكام الدول المتصارعة، ولكن المؤلم والمحزن في هذا المشهد البئيس أن ترى البسطاء والمغفلين الذين لا يهمهم إلا إشباع غرائزهم من أبناء جلدتنا أن بارقة الأمل فيما تصنعه المؤتمرات بقيادة المبعوثين الدوليين!
فيا ليت شعري..!!
ألا يلتفت هؤلاء للأخبار السياسية من أبناء أمتنا الإسلامية إلى ثورة الثائرين في فرنسا؟! فينظروا..!!
هل هُناك أيما دولة في مجلس الأمم المتحدة تجَرَّأت للتدخل في شأنها الداخلي وسيادتها كدولة وشعب؟!
وهل هناك أيما جلسات مطولة للنقاش حول الأوضاع في فرنسا أو تم إرسال مبعوث دولي؟!
وهل يرى هؤلاء أيما دولة تدخلت بالوكالة كما تتدخل السعودية والإمارات بضوء أخضر غربي في قضية اليمن؟!
أَم يَحسَبُونها شفقة من الأمم المتحدة الكافرة تنزَّلت رحمتها في بلاد المسلمين أكثر مما يؤثرها شفقتها على بلد من بلاد الكفر اضطربت فيها أوضاعها مثل "فرنسا"؟!
كلَّا، كلَّا... قال تعالى: ﴿قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ﴾.
فيا معشر السياسيين في بلاد المسلمين! أما آن الأوان أن تستثير نخوتكم عزةُ الإسلام العظيم فتعرفوا أن خير الحلول لمعالجة شؤون حياتكم هو ذلك الحل الذي جاء به خير مبعوث للعالمين محمد e، وقد أخبركم أن الحل فيكم حين تضطرب الأمور ويتسلط عليكم حكم الجبر والجور... لا يكون إلا ما كما قال e: «عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ مِنْ بَعْدِي...» وهذا لن يكون إلا في ظل حكم الإسلام، في ظل الخلافة الراشدة القائمة قريبا بإذن الله... روى حذيفة بن اليمان عن رسول الله e: «...ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ» في الحديث الصحيح الذي أخرجه أحمد في مسنده.
فيا معشر المسلمين! أنتم خير الساسة إن اقتديتم برسول الله واهتديتم بهديه، فلا تكونوا كالدُمى تتلاعب بها زمرة الكفر في مجلس الأمم المتحدة.
إن أجدادنا بسياستهم قهروا القياصرة والأكاسرة بمُلكِهم الممتد؛ ذلك لأنهم عرفوا عدوهم فما ابتغوا منهم شفقة ولا ارتجوا منهم رحمة مهما كان حالهم.
أتدرون؟! هل كانت دولة كافرة كأمريكا أو غيرها لتتجرأ أن تأتي من أقصى الأرض لتفرض عليكم عنجهيتها وحلولها الوضعية الخبيثة وأنتم تحكمون وتحتكمون إلى أعظم كتاب عرفه تاريخ البشرية.. "القرآن العظيم"؟!
وهل أنساكم غُبار الأيام وعيَكم؛ حتى تحتكموا لِمَن هدموا دولة الخلافة التي هي فرض ربكم وبشرى رسولكم وطريق عزكم وعزتكم؟!
فهذا حزب التحرير يُناديكم بنداء الإيمان على مدى سنوات؛ فاسمعوا واعقلوا ما يقول ولا تستغشوا ثيابكم وتَصُمُّوا عنه آذانكم فإن كان الحق فالحق أحق أن نتَّبعه، وإن كان غير الذي ترونه فأخبرونا أي دولة ونظام غير دولة الخلافة ونظام الإسلام تبتغون؟!
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾
اللهم هل على الدُعاة إلا البلاغ المبين... اللهم فاشهد
بقلم: الأستاذ رمزي راجح – اليمن
رأيك في الموضوع