لم نعُد نتفاجأ ونحن نُطالع وسائل الإعلام، إذ نسمع أو نشاهد خروج مظاهرات في بلاد المسلمين. مظاهرات تهتف ضد ظلم الأنظمة وقاداتها تنادي بالكرامة، بالعدالة، بالأمان، بالحقوق، بلقمة العيش، تشكو الظلم وغلاء المعيشة والبطالة...إلخ؛ ومع تجَّبر قيادات الأنظمة، ومع طول صبر الشعوب على أذاهم، خابت الآمال عند الناس في لحظة كسرت ثوراتهم مودة الإبقاء على قادة الأنظمة الحاكمة لتناديهم إمَّا بالرحيل أو بالتغيير الذي ينشدونه.
لكن هُناك أموراً كان لا بد لهذه الثورات من إعادة النظر فيها وتفسيرها قبل الانطلاق نحو العمل للتغيير، لأن الانطلاق من نقطة الإحساس بالظلم إلى نقطة العمل للتغيير مباشرة دون أن يكون بين النقطتين نقطة فكر مستنير يقف عند تفسير المشكلة المحسوسة وبيان الحل الصحيح لمعالجتها، فالنتيجة الحتمية هي تخبط الثائرين عند السير في طريق التغيير؛ نظراً للاختلافات العفوية في وجهات النظر بين الثائرين جرَّاء نظرتهم السطحية الأولى التي لم تقف إلا عند مجرد الإحساس بالمشكلة والانطلاق المباشر نحو التغيير، وبالتالي يسهل لسراق الثورات سرقتها وركوب موجتها.
إن هذا الطريق حتماً محفوف بالمخاطر والتقلبات فكان ينبغي مع انطلاقة هذه الثورات من النظرة العميقة في حقيقة دساتير وقوانين الأنظمة القائمة، والأفكار التي استمدت منها منهجها؛ لمعرفة واقعها من حيث نظرتها للإنسان، ثم كذلك إعادة النظر في تفسير فلسفة الشعارات التي لطالما هتف بها الثائرون للتغيير؛ من حيث معرفة كونها صالحة لمعالجة مشاكل كل إنسان على اختلاف المكان أو الزمان؛ حتى لا يبقى بعدها على ثورة الثائرين من خطر ثائرٍ يأتي ولو بعد حين، ويسخط على ثورةٍ لم تجعل لمشاكل عَصرِه نصيباً من الحل.
ويا عجباً! فهل يملك الإنسان الإحاطة بمشاكل الحياة وحلولها حتى يبت في حل مشاكل الإنسان وأجياله المتعاقبة، إلا أن يكون على عِلم يقين بالحل الصحيح لمشكلة الإنسان الأولى أو عقدته الأولى التي على أساس حلها يستطيع أن يتوصل إلى تفسير وحل كل مشكلة طارئة تواجهه في الحياة؟ وعقدته هذه هي الإجابة على تساؤلاته الفطرية العميقة التي يعجز عقل كل عاقل الإجابة عنها وحلها حلاً صحيحاً، فقد كان ينبغي لكل إنسان أن يعرف حقيقة وجوده، وأن يتوصل إلى هذه الحقيقة بقناعة راسخة وإيمان قطعي يقنع عقله وفطرته، قناعة تملأ قلبه إيماناً بالغاية من وجوده في هذه الحياة، ومصيره بعد الموت وعلاقته بخالق الوجود كله.
ولن يجيب على هذا السؤال إلا خالق الإنسان والحياة والكون، وهو سبحانه وتعالى لا تدركه الأبصار، منزه عن الشبه والمثل؛ والعقل لا يملك أن يدرك خالق الأكوان أو أن يتصور ذات الله تعالى، أو أن يُحِط به عِلما إلا أن يُرسل الخالق رسلاً من البشر يؤيدهم بمعجزات خارقة تثبت صدق ما جاءوا به وحياً من عند ربهم.
فهل تتغابى شعوب المسلمين أن تتدبر معجزة القرآن الكريم الذي بَين أيديهم؛ ليدركوا رسالته وبيانه لحل مشاكل الناس في هذه الأرض؟
نعم؛ تعددت المشاكل في بلاد المسلمين في شتى مجالات الحياة في الاقتصاد، والسياسة...إلخ وعلى إثرها تعددت الثورات، وقد كان وراء سبب كل مشكلة من المشاكل فكرة مغلوطة، وضعها إمَّا مُفكِّر أو فيلسوف تحت تأثير نظرة سطحية وقفت عند حدود هواه الذي لم يحط بظروف الحياة وتقلباتها عِلما.
ليس هُراء ولا مبالغة إنْ قُلنا إنّ شقاء اقتصادنا تكمن وراءه فكرة خاطئة قَدَّست صنماً كمناة الأولى وهي فكرة الحريات التي دعت إلى حرية التملك التي خَوَّلت لأصحاب القوة والنفوذ أن تطال أيديهم الملكيات العامة والثروات التي أودعها الله للناس لينعموا بخيراتها وفق ما أمر به من نظام جاء يعلن فكرة عبودية الإنسان لله وحده لا شريك له نظام نسير به نحو السعادة في الدنيا قبل الآخرة، ولكن مع فكرة الحريات أصبحت الأموال العامة والثروات يتملكها الطامعون ويتصارعون عليها فأصبحت الثروات دُولة بين الأغنياء ذوي رؤوس الأموال وما على عامة الناس من سبيل للعيش إلا الفقر والحرمان والفاقة والبطالة.
عجباً.. أَيَعيَا مَن يشهدون لله بالوحدانية ولمحمد e بالرسالة أن يجدوا الحل لمشاكلهم في أعظم كتاب وأعظم دين أنزله الله رحمة للعالمين؟! وهل كان دواء العيّ إلا السؤال؟ فأين أهل الذكر الذين يعلمون الفلسفة الحقيقية لنظام الحكم في الإسلام، وما يتضمنه من الأفكار الربانية المتعلقة بأنظمة المعاملات كالنظام الاقتصادي والنظام الاجتماعي، وأنظمة العقوبات...إلخ
فهذا حزب التحرير يضع بين أيديكم مشروعاً إسلاميا مبنياً على الأدلة والبراهين، فانظروا فيه فإن كان حقاً فاقتفوا أثره وإن كان غير ذلك فالحُجة والبرهان هما سيدا الموقف.
وإن كان من مقام لي هُنا أن أشرح النظرة الصحيحة لنقطة الفكر الصحيح لانطلاقة ثورة تهتف لأجل النهضة الصحيحة، فلن تكون خطوة الحل إلا العمل لإقامة دولة الخلافة.
إن هذا التغيير الذي جسدته سيرة نبينا الكريم e، ينبغي أن نتذكر أنها إنما قامت به ثلة استطاعوا أن يقلبوا موازين القُوى بثباتهم على الطريقة الشرعية التي أوصلت الإسلام إلى سلطان الحُكم بالكفاح السياسي والصراع الفكري وطلب النصرة من أهل القوة والمنعة لاستلام الحُكم؛ فكان الواجب علينا اليوم أن نقف نِداً لنِد أمام قادة الأنظمة الظالمة مع الأخذ بعين الاعتبار طلب النصرة ممن نأنس بهم الخير للقبول بالحق الذي نحمله إليهم، فعسى مِن قائد دولة أو جيش في بلاد المسلمين أن يفوز بهذه المكانة ليكون سيد أنصار هذا الزمان؟
فيا أصحاب النياشين! هل من ينال منكم شرف سعد بن معاذ وأُسيد بن حضير، اللذين كان لهما فضل في قيام دولة الإسلام الأولى؛ فحازوا لواء الشرف والمكانة عند ربهم؛ الأول اهتز لموته عرش الرحمن، والآخر كاد أن يرى الملائكة قبيلا، هكذا نقل الأثر قصتهم من كلام النبوة ولسان الرسالة محمد e، سنظل بإذن الله على هذه الطريقة الشرعية ثابتين، وبالله التوفيق والهداية إلى سبيل الرشاد.
بقلم: الأستاذ رمزي راجح – اليمن
رأيك في الموضوع