وسط أنباء أوردتها الجزيرة على موقعها في 14/11/2019م، حول اقتراب مصر من اتفاق مع صندوق النقد الدولي على قرض جديد ربما كانت التقارير التي نشرت في الفترة الماضية حول انخفاض التضخم والنمو الاقتصادي، رسالة موجهة للدول المانحة رغم ما فيها من كذب معلوم، وما صرح به وزير المالية المصري لمجلة "يورومني" الاقتصادية البريطانية نهاية تشرين الأول/أكتوبر الماضي من إن بلاده بدأت محادثات جديدة مع صندوق النقد الدولي للحصول على حزمة تمويلية جديدة، على أمل التوصل إلى اتفاق في آذار/مارس المقبل، تأتي هذه المباحثات في ظل مخاوف لدى المصريين من أن شروط القرض الجديد قد تأتي على حساب مجانية التعليم والصحة، وفق ما نقلته وسائل إعلام مؤخرا عن مصادر برلمانية، وصفتها بالمطلعة، وحسب المصدر ذاته، فإن إلغاء مجانية التعليم بمراحله المختلفة سيكون بصورة تدريجية خلال السنوات المقبلة، بدعوى "عدم قدرة الدولة على تمويل مشروعات تطوير التعليم". من جهته، لم يستبعد الصحفي المصري عمرو خليفة إقدام النظام المصري الحالي على مثل هذه الخطوة، موضحا في حديثه للجزيرة نت أن مخصصات الإنفاق على الصحة والتعليم انخفضت بالفعل في الموازنة الحالية 2019/2020؛ لتبلغ 3.3% من حجم الناتج المحلي الإجمالي البالغ 6.2 تريليونات جنيه، وذلك بالمخالفة للنسب التي نص عليها دستور 2014 المعمول به حاليا.
لا نكاد نسمع عن اتفاقات للنظام في مصر مع صندوق النقد الدولي للحصول على قروض جديدة أو حتى ما أشير إليه أخيرا عن الاتفاق غير المالي، حتى ندرك ما يعانيه أهل مصر في ظل نظام يعرضهم في سوق نخاسة الغرب بلا ثمن، ويمكن الغرب ومؤسساته وشركاته الرأسمالية من امتلاك رقابهم ونهب ثرواتهم في ظل حمايته ورعايته وما يسنه ويستحدثه من قوانين وتشريعات توجب على أهل مصر منح ثروتهم للغرب، وتسلبهم كل حقوقهم في المطالبة بها مستقبلا، في دولة لا تمنحهم أي نوع من الرعاية، فالدولة التي تجمع الضرائب وتستولي على ثروات الناس ومدخراتهم لا تكاد تنفق أصلا على التعليم والصحة وغيرها إلا بالكاد وتتغنى بإنجازات لا يرى الناس منها شيئا، كالتغني بعاصمة الأشباح الجديدة ذات الأسوار والتي يعدّها النظام ليحتمي بها من غضبة الناس التي يتوقعها مع قراراته الكارثية المستمرة وتنفيذه لروشتات البنك الدولي التي لا تجلب إلا الخراب لمصر وأهلها، وربما مع القادم يتوقف بالكلية على الإنفاق على التعليم والصحة بدعاوى التطوير، رغم أنه في الحقيقة ينفذ قرارات السادة في البنك الدولي حتى يحصل على مزيد من القروض لاستكمال مشاريعه الوهمية، فهل يحتاج أهل مصر لتلك القروض وهل يمكن لتلك التوصيات والقرارات التي يفرضها أن تعالج مشكلات مصر حقا؟ وما هو العلاج الحقيقي لمشكلات مصر وأزماتها؟
إن دولة كمصر تملك من الخيرات والثروات وفيها من الطاقات ما يجعلها تستغني عن كل ما يمنحه لها الغرب من مساعدات وقروض بل يؤهلها لكي تكون دولة عظمى إن لم تكن الدولة الأولى في العالم، نتحدث عن مصر داخل إطار سايكس بيكو الضيق فقط دون باقي الأمة، فهي بموقعها وواقعها وواقع أهلها تستطيع أن تنتج وتكتفي وتجود على غيرها بالغذاء والدواء والسلاح والطاقة، بخلاف ما فيها من ذهب ومعادن وثروات دفينة وظاهرة، ناهيك عن مساحة الأراضي الصالحة للزراعة فعلا وغير المستغلة فعلا، وما يمكنها فعله بمساحة واسعة من المسطحات المائية على البحرين الأحمر والأبيض ونهر النيل وما تملكه من بحيرات بما في تلك المسطحات المائية من ثروة سمكية وغير ذلك، وما يمكنها بها فعلا من إيجاد زراعات وصناعات متنوعة، تمكنها وحدها من الكفاية وحيازة الثروة، فيمكننا القول إن موردا واحدا مما تملكه مصر من موارد حقيقية لا يمكنها من الاكتفاء الذاتي فقط بل يمكنها من المنافسة على مكانة الدولة الأولى الفاعلة في المسرح الدولي، إلا أن استغلال تلك الموارد والثروات لخير مصر وأهلها مستحيل في ظل نظام فاقد للإرادة عميل للغرب يرعى مصالحه ويمكنه من نهب ثروات مصر ويمنع أهلها من حيازتها والانتفاع بها.
أما تلك القروض وما يصاحبها من قرارات وتوصيات فما هي إلا وبال على مصر وأهلها ومزيد من التكبيل والارتهان لقراراتها وربطها بطوق التبعية بحيث لا تملك منه فكاكا حتى لو تغير النظام أو خرجت الأمور من قبضتهم، أو هكذا يتوهمون، فما الذي جنته مصر من تعويم عملتها بينما تستورد ما يقارب الـ90% من حجم ما تستهلكه؟ ولا يخدم القرار إلا الغرب الذي يستطيع بحفنة دولارات لا قيمة لها أن يشتري الشركات المنتجة التي يجبر النظام على بيعها في إطار قرارات الخصخصة التي تأتي ضمن روشتة العلاج المطروحة من البنك الدولي فتفقد البلاد قوتها الإنتاجية بثمن بخس بينما يقوم النظام بإنفاق ما يُعطى من قروض على البنى التحتية التي تهيئ البلاد للمستثمرين والمشترين الجدد فيربحون بغير عناء ولا نفقة، فتلك القروض والمنح والمساعدات لا تمنح إلا بشروط معينة تبين كيف تنفق، وتحدد الشركات التي تقوم بالمشاريع التي تنفق فيها، وربما تقوم الدول المانحة هي بنفسها بالإشراف على تلك المشاريع ومنح الأموال للشركات بنفسها، وكلها كما أسلفنا مشاريع لا تخدم الفقراء ولا تصب إلا في صالح الأغنياء والرأسماليين، وهذا ما أشار إليه جون بركنز في كتابه "الاغتيال الاقتصادي" وقد كان واحدا ممن أسماهم قتلة اقتصاديين والمكلفين بمنح القروض للدول الفقيرة، ومما أشار إليه أيضا أن الصندوق لا يسعى أصلا لاسترداد ما يمنحه للدول من قروض بل يسعى لزيادتها، والحاكم الذي يرفضها ربما يتعرض هو نفسه للاغتيال أو الإقالة لأن مجرد رفضها هو رفض للعمالة ومحاولة للانعتاق من التبعية للغرب، فالقروض وما يصاحبها من توصيات هي عمالة واضحة للغرب وجعل البلاد منبعا للمواد الخام التي ينهبها الغرب وفتحها سوقا رائجة لمنتجاته، فهي في حقيقتها ليست علاجا لمشكلات بلادنا، بل هي مما يزيد تفاقمها أصلا.
والعلاج الحقيقي لمشكلات مصر وأزماتها يبدأ من تمكنها من حيازة ما تملكه من ثروات وإعادة توزيعها على الناس بشكل صحيح وعادل ومنح الناس منها ما يكفيهم ويغنيهم، وتمكينهم من الانتفاع بها وحثهم على تنمية هذه الثروة، ولا أقل من حثهم على إحياء الموات بالزرع والإعمار لقوله e «مَنْ أَحْيَا أَرْضاً مَيْتَةً فَهِيَ لَهُ»، وما يتبع هذا من زرع ورعي وما يلزمه من صناعات تطعم الناس وتقضي على البطالة التي تعاني مصر منها، هذا ناهيك عن النفط والغاز والذهب وباقي الثروات التي لو توقف نهبها فقط وقامت الدولة باستخراجها وتوزيعها على الناس عينا أو نقدا أو في صورة خدمات حقيقية لما رأينا في أرض مصر فقيرا واحدا، فما تملكه حقيقة يجعل فقراءها أغنياء.
إلا أن هذا كله مستحيل في ظل هذا النظام لأن إرادته مرهونة بيد السادة في البيت الأبيض فلا يملك قرارا لا يقررونه ولا يرعى غير مصالحهم، ولهذا فلن ترى مصر خيرا في ظل وجوده هو وأدواته من القادة والنخب الخونة العملاء والمضبوعين بثقافة الغرب، والضمانة الوحيدة لخير مصر هي في اقتلاع هذا النظام بكل أدواته ورموزه والانعتاق من التبعية للغرب الكافر بكل أشكالها وصورها وتطهير بلادنا من ثقافته التي تنتج المضبوعين والخونة وإقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة المشروع الحضاري الذي يطبق الإسلام كاملا شاملا وخاصة شقه الاقتصادي فيصلح حال الناس ويرعى شؤونهم ويمكنهم من حيازة ثروتهم والانتفاع بها. ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾.
بقلم: الأستاذ سعيد فضل
عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية مصر
رأيك في الموضوع