تستمر احتجاجات العراق ضد فساد الطغمة الحاكمة بكل مستوياتها، وتشتد وتيرة التظاهر كما ونوعا لتبلغ أسبوعها الرابع، إذ يرفدها كل يوم المئات والآلاف من شرائح المجتمع على اختلاف مواقع التجمهر في بغداد أو محافظات الوسط والجنوب، وتنوع في الناقمين على كل من ساهم في تردي أوضاع العراق ليصبح من أوائل البلدان الفاشلة رغم توافر ثرواته الجمة، ولقد بينت منظمة الشفافية الدولية أن العراق من بين أكثر دول العالم فسادا على مدى السنوات الماضية. ولا يزال سكانه يشكون من نقص الخدمات العامة، رغم عشرات مليارات الدولارات التي يتلقاها العراق سنويا من بيع النفط، الأمر الذي يذكي زخم الاحتجاج على سوء الأوضاع المعيشية. (الحرة مباشر).
لذا نرى المتظاهرين يزدادون عزما وتصميما على مواصلة الرفض لكل أشكال الترقيع والتسويف التي تتعمدها الطبقة الحاكمة، أو الرهان على عامل الزمن الذي ربما حمل المنتفضين - حسب ظن السلطة - على الانسحاب ليخلو الجو لهم. وهكذا نرى الشباب كل حين يرفعون من سقف مطالبهم، مؤكدين أنهم لن يبرحوا ساحات الاحتجاج حتى تحقيق كامل أهدافهم، بالرغم من وسائل القمع المستخدمة ضدهم. وقد بلغت أعداد القتلى من الشباب الغاضب 350 - 400 بحسب المصادر، أما الجرحى والمعاقون جراء قنابل الدخان المسيل للدموع، والقنابل الصوتية، فقد فاقت أعدادهم الألوف.
ولا يزال الآلاف من أهل العراق في ساحات التظاهر ترتفع أعدادهم بالاحتجاج تارة، أو الدعوة للعصيان المدني تارة أخرى حتى بلوغ كامل أهدافهم المشروعة التي لم تعد مقصورة على توفير الخدمات وتشغيل العاطلين، بل أصبحت تصر على مطلب واحد في أغلب اللافتات المرفوعة في ساحة التحرير ببغداد وبابل والنجف والناصرية وذي قار والقادسية وميسان والبصرة، وهو المطالبة باستقالة حكومة عادل عبد المهدي، وإجراء انتخابات مبكرة، وتشكيل محكمة خاصة بجرائم الفساد، وقبل كل ذلك إصرار الجماهير في مواقع الاحتجاج على إنهاء حالة تقاسم النفوذ طائفيا في العراق ونظام المحاصصة، الذي أنهك اقتصاد البلد، وأضر بشعبه منذ عام 2003.
ولاحظ ناشطون ومتظاهرون مرحلة جديدة من القمع والترهيب، مع ارتفاع أعداد المحتجين، فقد شهدت الجمعة الماضية تفجيرات دامية في ساحتي التحرير ببغداد، والحبوبي في الناصرية مركز محافظة ذي قار، وراح ضحيتها حتى يوم السبت 3 قتلى من المتظاهرين، وإصابة أكثر من 30 آخرين بجروح متفاوتة، ما حمل المعتصمين على الدعوة لتشكيل لجان بينهم لمراقبة ورصد الساحات لتفادي أي خطر متوقع من جهة أحزاب ومليشيات معروفة تسعى للقيام بها. وفي غضون ذلك، اغتال مسلحون مجهولون عدنان رستم، أحد الناشطين وعضو التيار المدني ممن يدعمون التظاهرات، بعد خروجه من ساحة التحرير إلى منزله في حي الحرية وسط بغداد، رميا بالرصاص، ثم لاذوا بالفرار، وفق شهود عيان بوقوع الجريمة على مقربة من حاجز تفتيش لقوات الأمن.
وأكد محتجون في الناصرية جنوبي البلاد، أن التظاهرات مستمرة، مع كامل إدراكهم أن "القمع الذي تمارسه السلطات سيستمر هو الآخر، ولكن الانسحاب والعودة للمنازل والسير خلف سراب إجراءات الحكومة وانتظار الوعود المزعومة، لم يعد ممكنا، ذلك أنها جرعات تخدير كشفها الشباب المصر على التغيير".
ومع اعتماد القسوة المفرطة ضد المطالبين بالحياة الكريمة، تستمر الحكومة باتباع الكذب وسيلة لطمس الحقائق. ولنضرب لذلك مثلا: وزير الدفاع يصرح في معرض تعليقه على مقتل أكثر من 320 وجرح الآلاف خلال التظاهرات التي تعم مدن العراق منذ تشرين أول/أكتوبر الماضي، مؤكدا "أن طرفا ثالثا هو من يقتل المتظاهرين"، ومشددا على أن الإصابات التي وقعت في صفوف الأمن والمتظاهرين مصدرها "الطرف الثالث". أليس هذا هو المضحك المبكي؟! وزير دفاع برتبة لواء هذا منطقه؟! أي أن حكومة عبد المهدي بأجهزتها الأمنية لا علم لها بأطراف تستورد السلاح دون علم منها، فحق للشعب أن يسقطها.
وتجاه ما يجري من مآس ونكبات، وإصرار المحتجين على إسقاط العملية السياسية برمتها، نرى الحكومة ممثلة بمجلس وزرائها، ونوابها تعمل بعيدا عن هموم الشعب وتطلعاته، فقد أعلن محمد الحلبوسي رئيس البرلمان عن حزمة قوانين يتم التحضير لإقرارها خلال الشهر الجاري، منها قانون "من أين لك هذا"، و"المحكمة الاتحادية"، و"التأمين الصحي" وقانون "التقاعد". وإذا أخذنا بعين الاعتبار رفض الشارع المنتفض للحلول الترقيعية، يتبين لنا أمران، الأول: إصرار رموز الحكم على الاستمرار في التشبث بالمقاعد والمناصب، والثاني: خداع الشعب بقوانين لا تمس كبد الحقيقة، الأمر الذي سيقودنا إلى استشراف نقطة الضوء في آخر النفق المظلم للخروج من الأزمة. ومع إصرار الفريقين كل على موقفه، يبدو أن الحل سيكون أمنيا بامتياز، أي ضرب الجماهير المحتشدة وإنهاء مظاهرها لا قدر الله تعالى، لأن كلا من إيران وأمريكا لا يعرفان غير البطش والظلم ما دام الأمر يخص المسلمين.
نسأل الله العلي القدير أن يجعل لنا وللمسلمين مخرجا وفرجا يرضاه، فلا خلاص ولا عز لنا إلا بتحكيم شرعه في دولة خلافة راشدة ثانية على منهاج النبوة، وعدنا الله بها، وبشرنا رسوله الكريم عليه أزكى صلاة وأتم تسليم.
بقلم: الأستاذ عبد الرحمن الواثق
رأيك في الموضوع