قبل الحديث عن سياسة الضغوطات والاغتيالات، والمؤامرة على غزة هاشم وأهلها، نقول: بأن نظرة وتطلعات أهل غزة لأرض غزة، ولمستقبلها السياسي؛ هي نظرة باقي أهل فلسطين في الضفة الغربية، وداخل ما يسمى بالخط الأخضر والشتات، وهي النظرة نفسها عند باقي المسلمين في العالم. وهذه النظرة هي من صلب عقيدة الأمة الإسلامية؛ سواء ما يخص الأرض المباركة ووجوب تحريرها كاملة، وعدم اللقاء والتفاوض، أو الصلح، أو الاعتراف بكيان يهود، أو ما يخص حالة العداء المستمر ليهود المغتصبين لأرضها.
فنظرة أهل فلسطين والمسلمين جميعا؛ هي نظرة نابعةٌ من شريعتهم الغراء؛ التي ترفض التفاوض، أو التنازل عن ذرة من ترابها، وترفض أي لقاء مع يهود المغتصبين إلا في ميدان الحرب.
لقد تآمر العالم أجمع ومعهم عملاؤهم من حكام المسلمين؛ لكسر هذه النظرة، ولإجبار أهل فلسطين على التفاوض مع يهود، ثم الاعتراف بهم والتطبيع مع كيانهم. وقد بدأت فصول هذه المؤامرة؛ مع بداية تنفيذ (وعد بلفور)، ومخططات (سايكس بيكو) منذ سنة 1917م ثم المؤامرة الكبرى بالسماح ليهود بالهجرة إلى فلسطين، ثم مسرحية الهزيمة مع الجيوش العربية سنة 48، وسنة 56، ثم الهزيمة بعدها سنة 67، ثم المؤامرة التي حصلت بإخراج منظمة التحرير من لبنان، وتشتيت مقاتليها هنا وهناك؛ كمقدمة للتفاوض المباشر، والجلوس معهم عبر بوابة الممثلين لأهل فلسطين، باسم توجهات وتوجيهات الجامعة العربية. ثم كان ما كان بعدها؛ ابتداء من مؤتمر مدريد، مرورا بأوسلو، ووادي عربة واعتراف الجامعة العربية بكيان يهود؛ صراحة وعلانية سنة 2002 في مؤتمر القمة العربية.
فهل انتهت فصول المؤامرة على فلسطين وشعبها عند هذا الحد؟ الحقيقة أن فصول المؤامرة هي أكبر مما سبق من خيانات ومؤامرات تجاه فلسطين وشعبها. فالمؤامرة تقضي بتركيع شعب فلسطين؛ ليقبل بما هو قادم؛ من باقي فصول المؤامرة؛ حسبما رسمته أمريكا وحكام المسلمين؛ من صفقة القرن التصفوية التآمرية، ولجعل يهود أسياداً للمنطقة كلها؛ سواء في المنظومات السياسية الإقليمية، أو المنظومات والمؤسسات العسكرية... وإيجاد سياسة التطبيع الكامل مع كافة الدول في المنطقة مع هذا الكيان المغتصب؛ بحيث يصبح جزءاً مقبولا وواقعيا عند الجميع!
إن هذه النظرة المستقبلية للمنطقة عموما، ولفلسطين خصوصا؛ لا تمرّر هكذا دون ممارسة ضغوطات إضافية، وممارسة اغتيالات ضد المخلصين من المقاتلين خاصة في غزة، وممارسة اعتقالات سياسية في داخل فلسطين وخارجها؛ من العلماء، ومن الرافضين لسياسات الأنظمة في البلاد الإسلامية.
لقد مورست ضغوطات كثيرة، وما زالت تمارس ضد أهل فلسطين؛ خاصة في قطاع غزة.. وكانت بوابة الضغوطات تتفرع من اتجاهين، وليس من اتجاه واحد؛ الاتجاه الأول: ما يمارسه يهود من إغلاقات، وضغوطات، وتضييقات اقتصادية، وحرب ظاهرة وباطنة، وتصفيات عسكرية واغتيالات... وغيرها، والاتجاه الثاني: هو ما مارسته وتمارسه الحكومة المصرية من تنكيل واعتقالٍ، ومن إغلاقات للمعابر بين مصر وغزة، وما تمارسه كذلك من إغلاق للأنفاق، وغير ذلك من مؤامرة كبرى على غزة وأهلها.
لقد أوكل أمر التطويع السياسي بخصوص غزة إلى مصر، وخاصة عبر جهاز المخابرات المصرية الذي مارس كل أنواع الحرب القذرة، ويتآمر مع يهود في سياسة الاغتيالات والتصفيات للمخلصين من القادة السياسيين والعسكريين...
هذا ما يُراد من سياسات الضغط والتجويع والاغتيالات السياسية، وقطع الرواتب، والتضييق على أهل فلسطين؛ القبول بتوابع مؤامرة وعد بلفور وسايكس بيكو التي رسمت منذ حوالي مئة عام، وما زالت تمرّر ذيولها وقراراتها حتى يومنا هذا. فهل سينجح الاستعمار وعملاؤه حكام المسلمين في إكمال هذه المؤامرة الكبرى على الأرض المباركة؟
إن الحقيقة التي بات يدركها الغرب وعملاؤه جيدا، وخاصة بعد مرحلة الثورات هي أن الشعوب الإسلامية لم تعد تطيق وجودهم ولا سماع أصواتهم، وتتمنى أن تستيقظ في صبيحة اليوم التالي فلا تجد منهم أحدا. فقد غيرت الثورات النظرة، حتى عند يهود، عن طبيعة الشعوب ونظرتها لهم، ولمستقبل المنطقة في البلاد الإسلامية. ويهود يدركون أكثر من غيرهم نظرة الشعوب لفلسطين وقدسيتها ومكانتها في عقيدتهم، ويدركون تطلع الشعوب لتحرير فلسطين، وخلع كيانهم منها، وأن هذا الأمر قادم ولا مفر منه، ويدركون كذلك أن السلام الذي يسعون له؛ لا يعدو كونه حبرا على ورق، ومعاهدات تنفذ بقوة الدول العميلة في المنطقة، وليس بإرادة الشعوب ولا رغبتها، ويدركون كذلك أن الغالبية العظمى من أهل فلسطين لا يمثلهم السياسيون؛ على الأقل في مسألة الصلح، والتفاوض والتطبيع مع كيانهم.
وقبل أن نختم نقول: بأن أرض فلسطين قد حررت عدة مرات بعد اغتصابها من الكفار، وكانت في كل مرة يحررها القادة الأبرار؛ فقد جاءها صلاح الدين وجاءها الظاهر بيبرس وقطز...
وسوف تبوء كل هذه المؤامرات من الكفار وعملائهم الحكام بالفشل الذريع، وتتحطم على صخرة إرادة الشعوب المسلمة داخل فلسطين وخارجها؛ ممن يتطلعون لتحريرها، وإنقاذها من براثن يهود.
وفي الختام نقول: إن مستقبل هذه الدول العميلة في البلاد الإسلامية هو الزوال، ومستقبل كيان يهود هو التدمير الكامل، وخلعه من جذوره... وإن هذه الأرض ستعود كما كانت وكما أراد لها الله عز وجل؛ قاعدة الأمة ومركزها وعقر دارها، وقاعدة انطلاق جيوشها نحو فتح أوروبا؛ لتصدق فيها بشارة المصطفى عليه الصلاة والسلام فيما أخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق حيث قال عليه الصلاة والسلام: «هَذَا الأَمْرُ - يعني الخلافة - كَائِنٌ بَعْدِي بِالْمَدِينَةِ، ثُمَّ بِالشَّامِ، ثُمَّ بِالْجَزِيرَةِ، ثُمَّ بِالْعِرَاقِ، ثُمَّ بِالْمَدِينَةِ، ثُمَّ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَإِذَا كَانَ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ فَثَمَّ عُقْرُ دَارِها، وَلَنْ يُخْرِجَهَا قَوْمٌ فَتَعُودَ إِلَيْهِمْ أَبَداً»، وقال عليه الصلاة والسلام كذلك: «يَا ابْنَ حَوَالَةَ إِذَا رَأَيْتَ الْخِلَافَةَ قَدْ نَزَلَتْ أَرْضَ الْمُقَدَّسَةِ فَقَدْ دَنَتْ الزَّلَازِلُ وَالْبَلَابِلُ وَالْأُمُورُ الْعِظَامُ، وَالسَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْ النَّاسِ مِنْ يَدِي هَذِهِ مِنْ رَأْسِكَ» أخرجه أبو داوود وصححه.
رأيك في الموضوع