أعلن وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو يوم الاثنين الموافق ١٨/١١/٢٠١٩م أن الولايات المتحدة لم تعد تعتبر مستوطنات يهود في الضفة الغربية المحتلة مخالفة للقانون الدولي. من جانبها، نددت السلطة الفلسطينية بموقف واشنطن، واعتبرته باطلا ومرفوضا ومدانا ويتعارض كليا مع القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية الرافضة للاستيطان. في حين قال وزير الخارجية وشؤون المغتربين الأردني إن المستوطنات في فلسطين المحتلة خرق للقانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية، وإجراء يقتل حل الدولتين ويقوض فرص تحقيق السلام الشامل.
وإزاء هذا الإعلان يهمنا أن نسلط الضوء على الخطوط العريضة التالية:
أولاً: إن أمريكا كانت ولا زالت خصماً في هذه القضية وعدواً مبارزاً لأهل فلسطين وللأمة الإسلامية بأسرها، ومن التضليل وصفها بالوسيط سواء أكان منحازا أم غير ذلك، فأمريكا هي وريثة الاستعمار البريطاني في بلاد المسلمين، وهي من رعت كيان يهود وأمدته بالمال والسلاح وسخرت له قطيعاً من الحكام الذين يسهرون على حمايته، فهي أس الداء وسبب البلاء، وكيان يهود الغاصب لا يعدو كونه وكيلا عن القوى الاستعمارية في المنطقة وقاعدة متقدمة لها أو "حاملة طائرات"، وخنجرا مسموما طعنت به خاصرة الأمة لتحول دون وحدتها وعودتها دولة أولى ترسم الموقف الدولي وتعيد صياغة العالم.
ثانياً: أمريكا لا تقدم الهدايا المجانية ولا تتخذ المواقف جزافا، ولا تقدم شيئا على حساب مصالحها ومخططاتها، لذا فمن السذاجة والسطحية فهم تصريح بومبيو خارج إطار هذه السياسة.
ثالثاً: إن هذه الخطوة تنسجم مع رؤية أمريكا للحل، وهي خطوة ضمن سلسلة إجراءات اتخذتها بهدف تصفية قضية فلسطين، بدءا من اعترافها بالقدس عاصمة لكيان يهود، ومرورا بوقف دعمها لوكالة اللاجئين واعترافها بسيادة كيان يهود على الجولان، وهي إجراءات اتخذتها أمريكا للتوطئة لصفقة القرن التي تبنتها الإدارة الأمريكية.
رابعاً: أما توقيت هذا الإعلان فهو في سياق تحرك الإدارة الأمريكية لجذب الإنجيليين الأمريكيين المؤيدين لكيان يهود، والذين يمثلون قاعدة انتخابية مهمة لترامب، فتوقيت الإعلان موجه نحو الداخل الأمريكي، وليس كما يظن البعض أنها خدمة لنتنياهو، لا سيما وأن العلاقة بين الإدارة الأمريكية ونتنياهو ليست في أحسن أحوالها بسبب مراوغة الأخير وهروبه من مستحقات صفقة ترامب وتسببه بحالة جمود سياسي. ومما يؤشر على ذلك عدم اتصال ترامب بنتنياهو عقب الانتخابات اليهودية، وتصريح الإدارة الأمريكية بأنها ستتعامل مع أية حكومة لكيان يهود منتخبة، بل تعدى الأمر ذلك إلى تصريح ترامب بشكل علني عن شعوره "بخيبة أمل كبيرة" من نتنياهو، وتحدث ترامب عن الأزمة السياسية لدى كيان يهود ساخراً "ما هو نوع النظام الموجود هناك، مع بيبي و…؟ كلهم يتشاجرون ويتشاجرون. لدينا أنواع مختلفة من المعارك. على الأقل نحن نعرف من هو الرئيس. إنهم يستمرون في إجراء الانتخابات ولم يتم انتخاب أحد!".
خامساً: صحيح أن صفقة القرن تراوح مكانها وأن الإدارة الأمريكية جمدت هذا الملف بسبب تعثر تشكيل حكومة لدى كيان يهود، وبسبب اقتراب الإدارة الأمريكية من عام الانتخابات، وللمشاكل الداخلية التي يعاني منها ترامب، ولكن هذه الإدارة لم تتخل عن صفقة القرن، واعتراف بومبيو بشرعية المستوطنات يخدم هذه الصفقة، لذا فمن المتوقع أن تعود هذه الصفقة للظهور على السطح في حال فوز ترامب بولاية ثانية، أما إذا فشل الجمهوريون في البقاء في سدة الحكم فربما تتغير الأجندة وتختلف المخططات.
سادساً: إن ردة فعل السلطة والأنظمة الحاكمة في بلاد المسلمين تجاه تصريحات بومبيو هي استمرار في الخيانة والتخاذل، وإعلان هذه الأنظمة تمسكها بحل الدولتين وقرارات الأمم المتحدة التي شرعت الاحتلال وأعطته أكثر من ٧٨٪ من أرض فلسطين وجعلت ما تبقى محل تفاوض، هو استمرار في التآمر على فلسطين وأهلها ومقدساتها، فاعتبار الأمم المتحدة هي المرجع والحَكَم وصاحبة تقرير الحق من عدمه في الأرض المباركة، مسرى رسول الله، هو خيانة للأمانة وتحكيم للعدو في أخص خصوصيات المسلمين بل في مقدساتهم، ثم هو انتحار سياسي بكل ما تحمله الكلمة من معنى.
سابعاً: إن اعتراف أمريكا بشرعية المستوطنات هو صفعة في وجه المفرطين واللاهثين خلف السلام المزعوم والذين اتخذوا من قرارات الأمم المتحدة سلما للوصول لدولة هزيلة فخابوا وفشلوا، بينما هذا الاعتراف لا يقدم ولا يؤخر شيئا في واقع قضية فلسطين في نظر المسلمين الذين يعتبرون أحقيتهم في الأرض المباركة مستمدة من الوحي ومن الحكم الشرعي، ففلسطين من بحرها إلى نهرها هي أرض إسلامية محتلة، ولا تملك أمريكا ولا القوى الاستعمارية ولا مجلس الأمن ولا قوى الأرض مجتمعة أن تنزع هذه الصفة عنها ولا أن تغير في هذه الحقيقة شيئا.
ثامناً: آن للأمة الإسلامية وهي ترى تآمر القوى الاستعمارية عليها وعلى مقدساتها وأرضها المباركة، وتشاهد مدى تآمر الحكام الخونة وتخاذلهم وتواطؤهم وما أوصلوا قضية فلسطين له من هوان وضياع، آن لها أن تدرك أن لا حل لقضية فلسطين إلا بتحريرها، وأن تحريرها ملقى على كاهل جيوشها وقواها الفاعلة، وأنها قادرة على تحقيق ذلك إذا ما انعتقت من قيود الحكام العملاء وأخلصت لدينها وأمتها، وحينها لن يلبث يهود في الأرض المباركة إلا يسيراً، وسيدخل المسلمون المسجد الأقصى أعزاء كما دخله الفاروق وصحبه أول مرة.
﴿وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَن يَكُونَ قَرِيباً﴾
عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في الأرض المباركة فلسطين
رأيك في الموضوع