قال الرئيس الأمريكي جو بايدن الجمعة 31/5/2024 إن (إسرائيل) عرضت مقترحا شاملا بشأن وقف إطلاق النـار في قطاع غزة وإطلاق سراح جميع المحتجزين، مكونا من ثلاث مراحل، وأتى في خطابه على ذكر تفاصيلها. واعتبر بايدن أن المقترحات (الإسرائيلية) هي خارطة طريق لوقف إطلاق النـار والإفراج عن الرهائن وتم نقلها من قطر إلى حماس. وبحسب بايدن فإن الاتفاق سيسمح (لإسرائيل) بالاندماج في المنطقة والتوصل لاتفاق تطبيع تاريخي مع السعودية، واعتبر أن هناك مخاطر من أن تزيد عزلة (إسرائيل) على مستوى العالم، وأن أمريكا ستساعد في صياغة حل للوضع على الحدود اللبنانية.
ظاهر من تصريحات بايدن أنه يسعى لفرض اتفاق وقف إطلاق النار على كيان يهود، فهو قد سحب الذرائع من قادة الكيان عندما وصف المقترح بأنه مقترح (إسرائيلي)، رغم أن المعارض الحقيقي له هو نتنياهو، وهو قد ذكر تفاصيله خشية تهرب قادة يهود منه بحجة التغيير والتبديل في محتواه، وهو قد تجنب ذكر حل الدولتين لكيلا يصطدم برفض قادة الكيان الذين يجمعون - على اختلافهم - على رفضه، وهو قد طالب يهود باغتنام هذه الفرصة معدِّداً مواقفه تجاههم ومظهراً حرصه عليهم بقوله: "بصفتي شخصا كان له التزام طويل تجاه (إسرائيل)، وبصفتي الرئيس الأمريكي الوحيد الذي زار (إسرائيل) في وقت حرب، وبصفتي شخصا أرسل القوات الأمريكية للدفاع المباشر عن (إسرائيل) حينما هاجمتها إيران، أطلب منكم التروي والتفكير فيما سيحدث إذا ضاعت هذه اللحظة.. لا يمكننا تضييع هذه اللحظة".
وأمريكا من خلال طرحها هذا تسعى إلى قطف الثمار السياسية للأحداث وليس مجرد وقف إطلاق النار، فهي تركت الحرب تستعر طوال ٨ شهور دون أن تتدخل تدخلاً جدياً لوقفها، ودون أن تكترث لشلال الدم الذي يراق صباح مساء ولا لحجم المعاناة التي تنوء بحملها الجبال، ولا للمجاعة التي باتت وصمة عار في جبين الإنسانية بأسرها.
فأمريكا آخر ما يهمها أن تحقن دماء المسلمين أو توقف العدوان عنهم، بل هي شريكة مباشرة في كل ما يحصل ولها اليد الطولى في القتل والدمار الذي عصف بغزة الحبيبة وأهلها، وحديثها عن المساعدات والمعونات هو حديث للاستهلاك الإعلامي ولتبييض وجهها الكالح أمام العالم.
فأمريكا أمدت الكيان الغاصب منذ اليوم الأول بشتى أنواع الأسلحة الفتاكة، وكل القيود التي وضعتها لاستخدام هذه الأسلحة ليست سوى حبر على ورق، ولا أدل على ذلك مما أوردته قناة سي إن إن الأمريكية التي أكدت أن كيان يهود استخدم أسلحة أمريكية في المجزرة التي ارتكبها بحق النازحين في رفح! "توصل تحليل لشبكة CNN لفيديو من المكان الذي وقعت فيه الغارة (الإسرائيلية) القاتلة، التي شنت الأحد على مخيم للنازحين الفلسطينيين في رفح، وكذلك مراجعة أجراها خبراء أسلحة إلى أن ذخائر أمريكية الصنع استُخدمت في الغارة". ومع ذلك تستمر في تزويده بالأسلحة والادعاء بأن العملية في رفح لم تتخط الخطوط الحمراء!
إن أمريكا اليوم وهي تتذرع بالدعوة لوقف إطلاق النار إنما ترمي للتسويق لمخططها الشرير للمنطقة، فهي تستغل تطلع الشعوب لوقف هذه الإبادة الوحشية لتمرر مشاريعها، ولو كانت مشاريعها تتطلب بقاء الحرب واستعارها لصبت الوقود فوق النار دون أن تبالي بأحد، وبالرغم من عدم إفصاحها عن ماهية هذه المشاريع لكنها أشارت إلى ملامحها في خطاب بايدن المشؤوم.
فبايدن يرى أن وقف إطلاق النار سيؤدي إلى دمج كيان يهود في المنطقة عبر اتفاق تطبيع تاريخي مع النظام السعودي، وهو تطبيع سيحفظ أمن الكيان وسيمهد لدمجه في المنطقة وجعله محطة تجارية مهمة في طريق بايدن الاقتصادي "الممر الكبير".
ومن مقتضيات ذلك إخراج كيان يهود من حالة العزلة العالمية التي دخلها جراء حربه الوحشية على غزة، حيث بات العالم يرى هذا الكيان كياناً عدوانياً منبوذاً لا يقيم وزناً لأية قيم أو أعراف أو أخلاق أو قوانين دولية!
إن من الحقائق التي لم تعد تخطئها العين أن أمريكا عدوة للإسلام والمسلمين وشريكة مباشرة لكيان يهود في كل جرائمه والمجازر التي يرتكبها بحق أهل فلسطين، ولا يحركها سوى مصالحها ومشاريعها الجهنمية، وما دموعها التي تذرفها على ضحايا غزة إلا دموع التماسيح، وكل استبعاد لهذه الحقيقة يقود إلى الوقوع في مكائدها ومخططاتها الشريرة.
إن على الأمة جمعاء أن تقف بالمرصاد لكل المشاريع الأمريكية الاستعمارية وأن تسعى لإفشالها، لا سيما في الأرض المباركة فلسطين، ومنها حل الدولتين والتطبيع المشين وممرها الاقتصادي، ففي مشاريعها الشر المستطير والكيد بالإسلام والمسلمين، وعلى الأمة أن تدرك إدراكاً يقينياً أن وقف شلال الدم ونصرة أهل غزة نصرة حقيقية لن يكون عبر مبادرات أمريكا ولا مخططاتها بل يكون باقتلاع أدوات أمريكا في بلادنا من الحكام الخائنين المتخاذلين، وعبر تحرك جيوش المسلمين، التي ستنتقم لدماء المسلمين وأعراضهم ومقدساتهم، وتقتلع كيان يهود وتشرد به من خلفه من قوى استعمارية، وتحرر غزة والأقصى وكل فلسطين، وبغير ذلك سيبقى القتل مستحرّاً بأهل فلسطين، وكلما هدأت موجة دامية تلتها موجة أخرى.
* عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في الأرض المباركة (فلسطين)
رأيك في الموضوع