لا شك أن أمريكا هي الدولة الأولى المتربعة على عرش الدول منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وحتى يومنا هذا، لذلك فإن لها رؤيتها الخاصة وتدخلاتها في كل القضايا الدولية. ولا شك أيضا أن مصالحها غير مصالح الدول الأخرى، فكانت سياستها ومخططاتها تسير تبعا لمصالحها وحدها دون أي اعتبار لمصالح الآخرين أو لميزان الربح والخسارة عند غيرها.
هذه النظرة البسيطة لسياسة أمريكا بصفتها الدولة الأولى في العالم تنقض فكرة عشعشت في عقول الكثير من الناس خاصة في بلادنا الإسلامية وهي أن مصالح أمريكا وكيان يهود واحدة وأن اليهود ودولتهم هم من يتحكمون في السياسة الأمريكية! إن هذه النظرة والفكرة هي وَهْمٌ في القول والرأي وتدلل على خطأ في فهم السياسة ومصالح الدول. صحيح أن كيان يهود المحتل له من "الدلال" أكثر من غيره عند أمريكا لاعتبارات معينة، لكن هذا لا يعني أن مصالح الطرفين واحدة ولا يعني أن اليهود يتحكمون في سياسة أمريكا ويوجهونها.
إن الحرب التي يقوم بها كيان يهود على قطاع غزة والتي ظهرت فيها الوحشية والبربرية في أوضح صورها أوجدت تناقضا عند أمريكا وسياسييها بين الرؤية والمخططات السياسية وبين الأهداف والرؤى الاستراتيجية لأمريكا. فهذه الحرب تدق المسمار الأخير في نعش فكرة حل الدولتين الذي تريده أمريكا وتتبناه بالنسبة للصراع في فلسطين. والسؤال الطبيعي ما دامت هذه الحرب وأهداف كيان يهود تقضي على فكرة حل الدولتين الأمريكي فلماذا لا تتدخل أمريكا (وهي تملك أوراق ضغط كثيرة ومتعددة) لتجبر الكيان على وقف الحرب والإقلاع عن مخططاته بالنسبة لغزة وأهلها والتي تُفشل حل الدولتين؟!
صحيح، هذه رؤية أمريكا السياسية بالنسبة للصراع المتعلق بالقضية الفلسطينية؛ إيجاد (دولتين لشعبين)، وهي تعمل على تحقيق هذه الرؤية عملياً على أرض الواقع ودائما يعمل اليهود على إفشال هذه النظرة والرؤية، لكن في المقابل لا ننسى أن لأمريكا أهدافاً ورؤى استراتيجية في المنطقة من أبرزها عدم نجاح أي اتجاه يحمل صبغة إسلامية في تحقيق أي نصر أو تقدم ولو كان جزئيا وبسيطا لِما يؤدي هذا النصر إلى رفع معنويات الأمة وبث روح التحدي عند أبنائها قاطبة ومن ثم التحرك على مستوى بلاد المسلمين قاطبة للتحرر والخلاص من حكامهم، وهذا يؤدي إلى تحرر الأمة واستقلالها ومن ثم انعتاق المنطقة بأكملها من التبعية للغرب، وهذا يمثل حياة أو موتاً بالنسبة لأمريكا، فلذلك تريد أن تطفئ أي شعلة تظهر في الأمة قادرة على تحقيق ولو توازن جزئي مع كيان يهود. من هنا كانت المعادلة أن أمريكا لا تضغط على كيان يهود لوقف حربه ومخططه الإجرامي في غزة قبل تحقيق أهدافها لِما في ذلك من مظاهر الهزيمة للكيان، ونصر وثبات لفئة من الأمة، لذلك تقبل أمريكا باستمرار هذه الحرب ولو كان في ذلك ضرب لرؤيتها السياسية المتمثلة في حل الدولتين، أي بلغة بسيطة الدول المستقلة والواعية على الأحداث والأمور تُضحي بأمور سياسية مقابل المحافظة على هدف استراتيجي، فميزان الربح والخسارة هو الحكم والفيصل في سياسة الدول الرأسمالية.
تبقى الحقيقة المدركة أمام الجميع وهي أن بلادنا ستبقى مسرحاً وملعباً لكافة الدول ما دامت الأمة فاقدة لقرارها. لذلك كان التحرر الحقيقي لنا والذي يحمي دماءنا ويصون أعراضنا ويحفظ ثرواتنا وأرضنا ويقطع يد العبث والتلاعب في بلادنا يكمن في العمل بجد لإقامة دولة الخلافة التي هي الحصن المنيع لحماية الأمة من كل خطر، لذلك وجب على الجميع العمل مع العاملين لإعادتها لتخلص البشرية من ظلم وظلمات ووحشية الدول الرأسمالية الاستعمارية وتنير الأرض نورا وعدلا بعد أن ملئت ظلما وجورا وفسادا.
بقلم: الأستاذ عطية الجبارين – الأرض المباركة (فلسطين)
رأيك في الموضوع