أبرزت وسائل الإعلام والصحف المصرية والعربية تقرير الأسوشيتد برس ووكالة بلومبيرج حول انخفاض معدل التضخم في مصر، فذكرت وكالة بلومبيرج أن حجم التضخم في مصر وصل إلى أدنى مستوى له منذ 9 أعوام، ما يعتبر أكبر إنجازات برنامج إصلاح اقتصادي تطبقه الحكومة والبنك المركزي المصري،وأوضحت الوكالة أن "تراجع التضخم لمستويات منخفضة قياسيا يعكس انخفاضا كبيرا في أسعار السلع الغذائية والمشروبات، التي تشكل العنصر الأكبر تأثيرا على مؤشر أسعار المستهلك".وأضافت، أن "تراجع التضخم يمنح البنك حافزا جديدا من أجل طرح مزيد من الخفض في سعر الفائدة (الربا) خلال اجتماعه المقرر الأسبوع المقبل ومن ثم إنعاش بيئة الأعمال مع مراعاة تأثير ذلك الخفض المحتمل على مصالح المستثمرين"، هذا وقد أعلن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء المصري، عن تراجع معدل التضخم على أساس سنوي خلال شهر تشرين الأول/أكتوبر الماضي، ليصل إلى 2.4 بالمئة مقارنة مع الفترة ذاتها من 2018، والذي سجل فيه 17.5 بالمئة.
التضخم هو ارتفاع تدريجي للأسعار يظهر نتيجة التوسع في العرض أو زيادة الطلب والتكاليف، أو هو تراجع القيمة الشرائية للعملة المحلية مقابل غيرها من العملات أو مقابل السلع والخدمات.
وهو نتيجة تلقائية للاستعمار الذي جزأ الأمة وقسم خيراتها ونظامه الرأسمالي الذي يحكم به الأمة جبرا واعتماده النقود الورقية التي لا قيمة لها ومنعه للناس من حيازة أو الانتفاع بالثروات والملكيات العامة ومنحها لأصحاب رؤوس الأموال وأعطاهم حق تملكها واحتكارها، كما أنه يمكنهم من احتكار السلع بغرض رفع أسعارها ويوجد السوق السوداء التي تنتج من تسعير السلع والخدمات، إضافة إلى سياسات الإقراض الجبرية المفروضة على بلادنا لتبقيها في ربقة التبعية وما يترتب عليها من سياسات وتوصيات اقتصادية تصب في مصلحة المستعمر وتمكنه من نهب ثروات البلاد وتجعل منها سوقا مفتوحة لسلعه ومنتجاته، فمن مصلحة المستعمر صاحب السيادة أن تكون عملة البلاد منخفضة أمام عملته حتى يتمكن من نهب ثروات البلاد بأقل كلفة وحتى يبيعنا سلعه ومنتجاته بربح أعلى.
ومن الخطأ القول بأن أسباب التضخم هي زيادة الطلب وانخفاض العرض الكلي (الناتج عن انخفاض الإنتاج أو زيادة الاستهلاك) وارتفاع تكاليف الإنتاج والاعتماد على السلع والخامات والخدمات المستوردة والحروب والكوارث الطبيعية وربا البنوك، فكلها ليست أسبابا في حد ذاتها بل هي نتيجة لتطبيق النظام الرأسمالي وغياب دور الدولة في رعاية شؤون الناس، فالنظام الرأسمالي لا يستطيع وصف الواقع وصفا صحيحا من خلال وجهة نظره في الحياة وبالتالي فهو يوجد الأزمة ويرعاها ولا يعالجها وسنبين خطأ معالجاته لاحقا.
ويعتبر معدل التضخم هو ناتج قسمة مستوى الأسعار العامة في عام معين مطروحا منه مستوى الأسعار العامة في العام السابق له مقسوما على مستوى الأسعار العامة في العام السابق مضروبا في 100%.
وعليه فما قيل أو يقال عن انخفاض معدل التضخم هو قياس غير حقيقي، فمستوى الأسعار وإن حصل فيه ثبات أو انخفاض في بعض السلع كالأرز إلا أنه انخفاض مؤقت يرتبط بموعد الحصاد، أما اللحوم مثلا فيؤثر في انخفاض أسعارها وجود منافذ بيع يمتلكها الجيش تبيع لحوما تستورد دون جمارك ولا أعباء حقيقية تمكن المنافس من البيع بنفس أسعارهم، بخلاف زيادة المعروض من رؤوس الماشية بسبب ارتفاع تكلفة التسمين لزيادة أسعار الأعلاف التي لم يتطرق لأسعارها من يبحث في تقرير التضخم، هذا بخلاف أن أسعار الكهرباء والوقود والغاز لم يطرأ عليها انخفاض بل طرأت عليها زيادة عن العام السابق، فزادت الكهرباء مثلا عن العام الماضي بمعدل 14.9%، والغاز مرتين بما يقترب من الضعف، والبنزين أيضا بمتوسط 20% في الزيادة الأخيرة، قبل أن يقرر الرئيس المصري تخفيض سعره بقيمة 25 قرشاً بعد دعوات محمد علي، ما أوجد موجة من السخرية من قراره على مواقع التواصل، ومعلوم تأثير المحروقات والكهرباء على باقي أسعار السلع والخدمات وما يصحب أي زيادة فيها من ارتفاع لتعريفة وسائل النقل والمواصلات التي يتم تحميلها تلقائيا للسلع فتزيد أسعارها، هذا بخلاف أن بحثهم تطرق إلى أسعار السلع دون النظر لجودتها، فارتفاع الأسعار ألجأ الناس لاختيار الأردأ والأرخص لمحاولة كفاية أنفسهم وسد جوعتهم، أما موجات الغلاء والضرائب التي يستحدثها النظام فتلتهم دخولهم.
ولهذا فالقول بانخفاض التضخم هو وهم يبيعه النظام للناس أو يظهره للمؤسسات الغربية المانحة لمحاولة الحصول على قروض جديدة يستكمل بها قصوره وعاصمته الجديدة ذات الأسوار، أو هو محاولة لتسول إنجاز يضعه بين يدي سادته في الغرب الذين يقلقهم ما قد تؤدي إليه ثورة محتملة لأهل مصر جراء قراراته الكارثية التي تضع الناس أمام طريق مسدود غير مأمون العواقب وقد يأتي بما يخشاه الغرب، فالناس تئن حقيقة تحت وطأة الغلاء والفقر والجهل، وما حدث في مصر في السنوات الأخيرة وما يعانيه أهلها يفوق الخيال والوصف، ولا حلول لدى النظام غير القمع وتكميم أفواه كل المعارضين وحتى المنافسين في العمالة.
وأي إصلاح يتحدث عنه الغرب ومؤسساته الداعمة أو تلك القريبة من صناع القرار حتما لا يصب في صالح مصر وأهلها بل هو السير وفق قرارات وتوصيات البنك الدولي التي تمكن الغرب وشركاته الرأسمالية من ثروات البلاد وجهود أهلها بثمن بخس إن لم تكن هبة بلا ثمن بينما تسلبهم المؤسسات المانحة ما تبقى لهم خدمة لديون لم يروا منها شيئا غير أعباء سدادها ورباها!
ويستحيل قطعا أن ينخفض التضخم أو تعالج أي أزمة من أزمات مصر في ظل هذا النظام فوجوده أصلا هو الداء العضال بما يتفرع عنه من قوانين وسياسات توجد تربة خصبة للفساد والأزمات المتلاحقة التي تقع كلها على رؤوس أهل مصر، فالحلول التي تطرحها الرأسمالية والمبنية على أساس وجهة نظرها في الحياة لا تخرج عن تقليل نفقات الحكومة وزيادة الضرائب على السلع وخاصة الكمالية ورفع الدعم أي تقليل السيولة لدى الناس، بمعنى أدق هي زيادة الأسعار وتقليل ما لدى الناس من أموال تمكنهم من شراء السلع، وهو حل خاطئ يمكن الأغنياء من حيازة السلع بينما يجوع الضعيف والفقير الذي لا يملك الثمن.
والعلاج الصحيح الناجع لمشكلة التضخم يقتضي أولا إزالة النظام الرأسمالي من جذوره بكل أدواته ورموزه وتطبيق الاقتصاد الإسلامي، الذي يقضي على كل مسببات التضخم من جذورها فيضع قاعدة الذهب والفضة في النقد فلا تسرق ثروة الناس وجهدهم مقابل ورق بلا قيمة، وتغلق البنوك الربوية ويمنع التعامل بالربا ولا يكون إلا مصرف الدولة لتسهيل المعاملات المالية وإقراضهم بغير ربا، كما يُمَكّن الأفراد من حيازة الثروة والانتفاع من الملكية العامة وإحياء الأرض الموات بالزرع والإعمار بلا ثمن، ويمنع كنز المال ويُمنع تداوله بين الأغنياء دون الناس وتعطي الدولة من أموالها وأرضها للفقراء والمحتاجين لكفايتهم سد حاجاتهم بشكل مستمر، ويمنع الاحتكار الذي يؤدي لزيادة أسعار السلع الحيوية حال قلّتها ويمنع التسعير فيقضي على السوق السوداء التي تتربح منها على حساب البسطاء والمحتاجين، إلا أن هذا كله يحتاج إلى الحاضنة السياسية الطبيعية لهذا النظام.
أيها المخلصون في جيش الكنانة، إن ما يحيق بأهلكم في مصر جد خطير، وما ينتظرهم أخطر وأنتم وحدكم من بيده تغيير المعادلة، وتمكين الناس مما هو حق لهم وهو تطبيق الإسلام ونظامه الذي يصلح حالهم، فبرهنوا على ولائكم وحبكم لمصر وأهلها الذين يقتطعون من أقواتهم ثمن أرزاقكم وسلاحكم، وكفاكم خذلانا لهم ولثوراتهم، ولتكن منكم نصرة لهذا المشروع الذي يضعه بين أيديكم حزب التحرير لعلاج مشكلات مصر كلها على أساس الإسلام وعقيدته التي تؤمنون بها، عسى الله أن يكتب بكم الفتح والنصر فيكون عز الدنيا وكرامة الآخرة والفوز الذي ليس بعده فوز وتكون بكم الخلافة الراشدة على منهاج النبوة.
بقلم: الأستاذ سعيد فضل
عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية مصر
رأيك في الموضوع