احتشد الآلاف في مناطق عدة من البلاد الإسلامية في اليمن وإيران وفلسطين وغيرها في ذكرى يوم القدس الذي ابتدعه الخميني في آخر جمعة من شهر رمضان عام 1399هـ الموافق آب/أغسطس 1979م وذلك إبان انتصار الثورة الخمينية (الأمريكية) على الشاه محمد رضا بهلوي عميل بريطانيا بهدف كسب شعبية الأمة واستعطافها بشعارات كاذبة هي (يوم القدس، أمريكا الشيطان الأكبر) وغيرها من الشعارات التي لا تعكس الحالة المصيرية التي كان من الواجب اتخاذها حيال كيان يهود الغاشم من تحرير القدس وكل فلسطين وليس يوم القدس.
والسؤال المطروح هل تحتاج القدس إلى يوم أم إلى تحرير؟ لقد سئمت الأمة من الشعارات الكاذبة فارغة المضمون والتي لا تعبر عن واقع بل عن جعجعة بلا دقيق، فقد كان تحرير القدس بل فلسطين على مر العصور لم يحتج إلى ذكرى وأيام، ولا إلى تبرعات وشجب ودموع تماسيح، طالما أن هناك دولة هي دولة الإسلام والتي كانت دوما لا تتبنى فقط تحرير المغتصبات بل نشر الإسلام رسالة للعالم، فدولة الإسلام فتحت فلسطين في معركة أجنادين من أيدي البيزنطيين وحررتها من الفرنجة على يد صلاح الدين الأيوبي وكذلك أخرجت الصليبيين من فلسطين على أيدي المماليك الذين هزموا المغول ثم حافظت عليها في عهد السلطان عبد الحميد الثاني، ثم بعد هدم الخلافة العثمانية أصبح الواقع ينطق ليس بحالة ضعف بل بكارثة طرأت على الأمة هي أنها تحيا بدون دولة وبدون راع وحام لها، قال رسول الله e: «إِنَّمَا الإِمَامُ جُنَّةُ يُقَاتَلُ مِنْ وَرَائِهِ وَيُتَّقَى بِهِ» فاحتلت فلسطين من الاستعمار الإنجليزي الذي مكن منها يهود في وعد بلفور المشؤوم عام 1917م. وهي اليوم تنتظر من يخلصها ويفك أسرها من كيان وبراثن يهود فهي لا تحتاج إلى يوم قدس وإلى خطابات بل تحتاج إلى جيوش جرارة تتحرك لتحريرها على يد إمام مخلص يخاف الله ويخلصها مما هي فيه.
وإنه لمن المضحك المبكي أن جيوش بلاد المسلمين والتي يحركها الغرب للأسف عبر عملائه الحكام تتحرك لمناطق البلاد الإسلامية بهدف تمكين الغرب الكافر منها. فأمريكا مثلا تحرك جيش مصر والسعودية وتركيا وإيران وسوريا والعراق لخدمتها. أما بريطانيا فهي تحرك جيش الأردن والجزائر والإمارات وغيرها ممن هم تابعون لها لتجسد هذه التحركات حالة الولاء والذل والهوان الذي وصلت إليه الأمة لهذا الغرب الماكر، أما تحريك جيوش المسلمين نحو القدس فهيهات هيهات!! فمثلا يتحرك الحرس الثوري الإيراني لمساندة جزار سوريا ولا يتحرك لتحرير القدس مع أن فلسطين على حدود سوريا، وكذلك نظام تركيا الدائر في فلك أمريكا يحرك جيشه للقضاء على الأكراد ولا يتحرك للقضاء على المجرم الأسد ولا حتى يتحرك نحو فلسطين لتحريرها، وكذلك نظام مصر السيسي فليس بينه وبين قطاع غزة وبالتالي فلسطين سوى أمتار وهو مع ذلك لا يحرك ساكنا لتحرير فلسطين أو نصرة غزة، بل هو يساعد كيان يهود في حصارها، وجيش مملكة آل سعود يتحرك لقتل أهل اليمن خدمة لأمريكا،... فأي كذب هذا وأي دجل يقوم بهما حكام المسلمين العملاء على أمة الإسلام؟!
فمن ادعى من الأنظمة أنه يريد تحرير القدس فلا يكفي أن يجعل لها يوما في السنة يسميه باسمها، ينظم فيه المظاهرات ويتغنى بحبها بل عليه أن يقوم بالآتي:
1- يقوم بما قام به رسول الله eمن إنشائه دولة إسلامية تجمع كل المسلمين في كنفها وحتى أهل الذمة كانوا من رعاياها، ترعى رعاياها بأحكام الإسلام وليس بأحكام وضعية كما هي الحال اليوم في دويلات سايكس بيكو، والتي تمكن الغرب من التحكم في بلاد المسلمين من خلال الإذعان له، والخضوع لقوانينه الدولية ومنظماته من مثل الأمم المتحدة ومجلس أمنها وصندوق النقد والبنك الدوليين وغيرها من الهيئات والمنظمات الاستعمارية. وكذلك لم تكن دولة الرسول eدولة مكية لأهل مكة أو يثربية لأهل المدينة، بل كانت لكل المسلمين دون استثناء.
2- تعمل هذه الدولة الإسلامية على ضم بلاد المسلمين إلى كنفها ورعايتها فتحكمها بالإسلام وعدله كما فعل خير البشر صلوات ربي وسلامه عليه.
3- ترد البلاد المغتصبة كفلسطين ولا تختزلها في قضية القدس وكذلك تحرير الأندلس (إسبانيا والبرتغال) وغيرها من البلاد المحتلة من الكفار.
4- نشر الإسلام كرسالة عالمية للعالم ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ بالدعوة والجهاد.
إن دويلات الضرار القائمة اليوم في بلاد المسلمين تتبع سياسة الغرب وتخضع له إما علنا من مثل مملكة آل سعود ومصر وتركيا أردوغان والعراق وكنتونات الخليج، أو من وراء الكواليس ومن خلف ستار بل تُظهر العداء كذبا وزوا للغرب من مثل إيران وسوريا وهي من ساعدت أمريكا في احتلال العراق لتشكل مثلثاً هو إيران والعراق وأمريكا، فإيران هي التي ساعدت أمريكا على احتلال العراق وأفغانستان وهذا باعتراف وزير خارجية إيران السابق رفسنجاني. أما تركيا فهي الدولة التي تجعل أراضيها قاعدة عسكرية لأمريكا وتقيم علاقات مع كيان يهود وتطفئ حرائقه وتجري معه مناورات عسكرية، ويقسم رئيسها على الحفاظ على النظام العلماني وأن تركيا دولة علمانية...
إن شرف تحرير فلسطين لا يكون بمثل هذه الأنظمة الخائنة بل يكون بنظام يقيم الإسلام ويحكم به وفق قوانين كتاب الله وسنة رسوله الكريم eويوحد صفوف المسلمين بإزالة دويلات الضرار، ثم ينطلق لدك كيان يهود الغادر فيجعله أثرا بعد حين وهذا لا يكون إلا بثلة من ضباط الجيش المخلصين ينقلبون على الحكام العملاء في أي بلد من بلاد المسلمين فيقيموا حكم الله ويزيلوا غبار الذل والخيانة، فيعيدوا فلسطين إلى حضن المسلمين كما عاد يوسف عليه السلام إلى حضن أبيه بعد فراق وغياب. قال تعالى: ﴿إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلْ الْعَامِلُونَ﴾.
بقلم: الأستاذ عبد الرحمن العامري – اليمن
رأيك في الموضوع