إن مخزون حقد الكفار الدفين على الإسلام والمسلمين وإمساكهم بخيوط القوة في غياب دولة الخلافة في بلاد المسلمين عبر عملائهم الحكام الذين هم رأس حربتهم وخطهم المتقدم في بلاد المسلمين، كل ذلك يجعل حربهم على الإسلام والمسلمين متواصلة لا تتوقف ولا تنطفئ نيرانها وتآمرهم مستمراً بتنفيذ مخططاته ومكرهم لتزول منه الجبال، ولتدني الوعي السياسي عند المسلمين ووثوق كثير منهم بقيادات مرتبطة بأعدائهم فمن العجيب أن يجد محمود عباس من المسلمين أتباعاً له يكونون بيده أداة تقمع وتنكل بالمسلمين وتقوم باعتقالهم وتجاهر بحربها على الإسلام والمسلمين. إن الحكام العملاء قد كشفوا عن سوءاتهم، وأصبح تلاعبهم بأحكام الإسلام ومنها الصوم والإفطار مكشوفة أكثر من أي وقت مضى، فقد أصبحت الخلافات السياسية والحدود الاستعمارية التي صنعتها اتفاقية سايكس بيكو هي التي تحدد الصوم والإفطار وليست رؤية الهلال التي نص عليها الحديث النبوي حيث قال رسول الله e «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ فَإِنْ غُبِّيَ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلاثِينَ» رواه البخاري. ومعنى غُبِّيَ أي خفي وهذا الحديث متعلق بالصيام.
بل إن ما هو أقطع في الحجة وأبين في الاستدلال هو ما رواه البخاري عن طريق ابن عمر بلفظ «لَا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوُا الْهِلَالَ وَلَا تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ» وهذا يؤكد أن رؤية الهلال رؤية لجميع المسلمين فيجب عليهم أن يصوموا لرؤيته وأن يفطروا لرؤيته فلا يصح الحساب الفلكي. أما دعوى اختلاف المطالع فإن الهلال هو هلال واحد في الدنيا كلها، كما أن مجمع البحوث الإسلامية في القاهرة أصدر عام 1966م ما يلي (لا عبرة باختلاف المطالع ولو تباعدت الأقاليم بشرط أن تكون مشتركة في ليلة واحدة وهذا ينطبق على البلاد العربية كلها) فهذا يؤكد على وحدة المطالع.
إنه منذ أن نجح الكفار وعملاؤهم في هدم دولة الخلافة العثمانية وما تبع ذلك من تمزق الجسد الإسلامي الواحد ودويلات الضرار لا تكاد تتفق في الصوم أو الإفطار إلا ما ندر، ناهيك أن تتفق في كليهما معا ولو لمرة واحدة. إلا أن ذلك الشرخ قد ازداد في هذا العام الهجري 1440 بالتحديد. فبينما كان قبل العام يتوحد الصوم والإفطار داخل القطر الواحد لأنه يعتبر نفسه مستقلاً عن الأمة الإسلامية وإن قال في دستوره إنه جزء لا يتجزأ من الأمة الإسلامية فذلك كله للتضليل وذر الرماد في عيون المسلمين. بينما نجد هذا العام أن الاختلاف لم يعد خارج الحدود الاستعمارية بل قد أصبح داخلها؛ فبعد أن ثبتت الرؤية الشرعية للهلال وأن يوم الثلاثاء هو أول أيام شهر شوال (يوم عيد الفطر) وقام بعض شباب حزب التحرير مع إخوانهم المسلمين في فلسطين بأداء صلاة العيد في المساجد إذا بالسلطة الفلسطينية التي يرأسها محمود عباس والتي حددت أن العيد يوم الأربعاء وذلك حرباً على الإسلام والمسلمين في الأرض المباركة فقد قامت بالاعتداء على المسلمين وهم يؤدون صلاة العيد وقامت بتفريقهم، وفي الوقت نفسه نجدها خانعة ذليلة أمام يهود ومنبطحة لجميع قرارات دول الكفر.
ففي اليمن أفطر الناس لثبوت رؤية الهلال في مناطق سيطرة ما تسمى بالشرعية، بينما أجبر الحوثيون الناس في مناطق سيطرتهم على إكمال عدة رمضان ثلاثين لعدم رؤيتهم لهلال شوال كما يزعمون، كما أنهم لا يعتبرون رؤية الهلال من غيرهم رؤية لهم فقاموا ليلة الثلاثاء (ليلة عيد الفطر) بإجبار أئمة المساجد على أداء صلاة التراويح وفتح مكبرات الصوت ليسمعها الناس فيقبلوا على الصلاة، مع العلم أن الحوثيين كانوا قد أصدروا تعميما للمساجد من مكتب الأوقاف والإرشاد بإغلاق السماعات الخارجية في صلاة التراويح خلال شهر رمضان ثم قاموا في صباح الثلاثاء بنشر بلطجيتهم في الشوارع تحسبا لخروج الناس لأداء صلاة العيد ومع ذلك فقد أفطر كثير من الناس ولكنهم لم يخرجوا لصلاة العيد خوفا من بطش الحوثيين، وفي إحدى قرى محافظة عمران أكمل أهلها صلاة العيد لكن عناصر الحوثيين كانت قد طوقت المصلى ثم قامت باعتقالهم جميعا وهم بالعشرات ثم أودعتهم السجن ثم طلبت من كل فرد 5000 ريال ليتم إطلاقهم ففعلوا، ناهيك عن اعتقال من أفطر في يوم العيد من شوارع المدن.
إلا أن بعض الذين لم يقتنعوا بإكمال عدة رمضان ثلاثين يوما قد صاموا بناء على فتاوى ليست صحيحة مفادها أن الحوثيين وحدهم سيتحملون الإثم في إجبارهم على الصيام وغفلوا عن قول الله تعالى: ﴿فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ﴾ ونسوا أو تناسوا تحذير الرسول e لمن يصوم يوم العيد أو يوم الشك، فلم يختلف الفقهاء من السلف والخلف على أن صوم يومي الفطر والأضحى حرام لا يجوز. فعن عائشة رضي الله عنها قالت: «نَهَى رَسُولُ اللهِ e عَنْ صَوْمَيْنِ: يَوْمِ الْفِطْرِ وَيَوْمِ الأَضْحَى» رواه مسلم وابن أبي شيبة. وعن أبي هريرة رضي الله عنه: «أنَّ رَسُولَ اللهِ e نَهَى عَنْ صِيامِ يَوْمَيْنِ: يَوْمِ الأَضْحَى وَيَوْمِ الْفِطْرِ» رواه البخاري ومسلم.
والنهي الوارد في الحديثين هو مجرد نهي لا يدل على التحريم إلا أن وجود القرينة في الحديث التالي يبين حرمة الصيام في يوم العيد بلفظ «لَا يَصْلُحُ» والحديث هو عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سمعت رسول e يقول: «لَا يَصْلُحُ الصِّيَامُ فِيْ يَوْمَيْنِ يَوْمِ الأَضْحَى وَيَوْمِ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ» رواه البخاري ومسلم.
إن الاختلاف بين المسلمين في الصوم والإفطار سيستمر ما دامت الأنظمة العميلة قائمة والحدود التي صنعها الاستعمار موجودة وقرار المسلمين بيد الكفار المستعمرين وعملائهم ينفذون مخططاتهم.
إن المخرج من هذا الانحطاط الذي وصلت إليه أمة الإسلام هو في العمل الجاد مع حزب التحرير لإقامة الخلافة على منهاج النبوة التي توحد المسلمين وتحكمهم بشرع الله وعندها لن يختلف المسلمون في الصوم والإفطار بل يصومون في يوم واحد ويفطرون في يوم واحد عملا بقول رسولهم الكريم e «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ فَإِنْ أُغْمِيَ عَلَيْكُمْ فَعُدُّوا ثَلَاثِينَ فَإِنْ شَهِدَ ذُو عَدْلٍ فَصُومُوا وَأَفْطِرُوا وَانْسُكُوا» رواه الدارقطني وأحمد والنسائي، لمثل هذا فليعمل العاملون وليتنافس المتنافسون.
بقلم: شايف الشرادي – ولاية اليمن
رأيك في الموضوع