قد يخطر في ذهن المسلم للوهلة الأولى وقد اجتمع قادة المسلمين عند البيت الحرام، قد يخطر في ذهنه أنهم يفكرون في قرينة البلد الحرام (القدس)، وصنو البيت الحرام (الأقصى المبارك). فعزّ عليهم ما يصيب الأقصى وأهله، وأرضه المباركة من حوله. عزّ عليهم تدنيس يهود، وظلمهم وبغيهم، وفسادهم العريض في القدس والمقدسات. عزّ عليهم قتل الأبرياء من أمة محمد e؛ على باب الأقصى. عزّ عليهم التعاون والتآمر بين يهود والنصارى في تهويد القدس؛ وقد أقر الصليبي ترامب؛ أنها عاصمة لكيان يهود وللأبد. عزّ عليهم، وحرّك مشاعر الغضب والنخوة في صدورهم آلاف الأسرى والأسيرات؛ من أبناء أهل فلسطين داخل سجون يهود؛ يعانون ما يعانون من أنواع الظلم والتنكيل. عزّ عليهم هذا وذاك مما هو ظاهر، وما هو مخفيٌّ عن الأنظار من جرائم يهود بحق القدس والمقدسات وأهلها...
ولكن المسلم بعد التفكر والتدبر في حال هؤلاء الحكام، وولاءاتهم وارتباطاتهم مع الدول الكافرة؛ يتذكر أن هذه الفضيلة (والغانمة) لا تصدر إلا عن فضلاء وأحرار أبرار؛ يعرفون قدر القدس والمقدسات ويعرفون قدر الكرامة الإسلامية. ويتذكر المسلم كذلك أن من فرط في القدس، وباعها على طبق من ذهب ليهود والنصارى؛ هم كأسلافهم ممن خان القدس وتآمر عليها عبر التاريخ الإسلامي كشاور الفاطمي الذي سلمها بردا وسلاما لعباد الصليب؛ ولم ينفع معه إلا السيف ينهي وجوده وينهي تآمره. ولا يمكن أن يصدر منه عمل تجاه القدس إلا الخيانة والمؤامرة. وكما قال الشاعر:
من يَهُنْ يسهل الهوانُ عليه ... ما لجرح بميت إيلامُ
إن المألوف والمعروف عن مواقف الحكام تجاه الأرض المباركة؛ في القدس هو أن كل خيانة جديدة تجاه الأقصى والقدس يجب أن يسبقها مؤتمر قمة عربي أو (إسلامي). فقبل ضياع فلسطين سنة النكبة انعقدت القمة العربية في أنشاص في مصر سنة 1946؛ بدعوة من ملك مصر فاروق، بحضور الدول السبع المؤسسة للجامعة العربية؛ وهي مصر والسعودية وشرق الأردن، واليمن والعراق ولبنان وسوريا؛ لمناصرة القضية الفلسطينية؛ وخرجت بمجمل قراراتها مؤكدة عروبة فلسطين، وأن مصيرها مرتبط بحال دول الجامعة العربية كافة، وأن ما يصيب أهلها يصيب شعوب الأمة العربية ذاتها.
وقبل النكسة انعقدت القمة العربية في الدار البيضاء سنة 1965؛ وكانت دعواتها الظاهرة الكاذبة مناصرة القضية الفلسطينية، وإقرار الخطة العربية الموحدة للدفاع عن فلسطين في الأمم المتحدة والمحافل الدولية. وقبل معاهدة أوسلو سنة 1993 انعقد مؤتمر القمة العربي في بغداد سنة 1990؛ وكان من قراراته بخصوص فلسطين: تأييد استمرار الانتفاضة الفلسطينية، والتأكيد على دعمها مادياً ومعنوياً، وإذا باتفاق جديد يوقع مع يهود بدل دعم الانتفاضة وتقويتها. وقبل إعلان التطبيع والانفتاح العربي والإسلامي على كيانيهود انعقدت قمة بيروت سنة 2002 فألغت كل الثوابت السابقة، وكل اللاءات وأقرت مبادرة الملك (عبد الله بن عبد العزيز) للسلام مع يهود والتي اعترفت بكيانيهود بلا ثمن، وأقرت القرارات الدولية 242 – 338، والتي رفضها مؤتمر القمة العربي سنة 1980 في عمان، ورفض معها كل مبادرة سلام مع يهود ومنها كامب ديفيد. وقبل إعلان نقل السفارة الأمريكية إلى القدس بأشهر قليلة انعقدت قمة البحر الميت في الأردن سنة 2017 فقدمت لهذه الخيانة الكبرى في نقل السفارة إلى القدس.
إن المتابع لكل هذه القمم بخصوص القدس والأقصى وأرضها المباركة سواء ما كان منها تحت مظلة الجامعة العربية أو منظمة المؤتمر الإسلامي يجد أن هذه القمم تقدم لمؤامرات جديدة تعقبها؛ عبر المشاريع الدولية والمؤامرات والخيانات. فماذا ينتظر الأرض المباركة يا ترى بعد قمة مكة، وقمة البحرين؟!
إن المؤامرة الجديدة ضد الأرض المباركة؛ هي تماما كالمؤامرات السابقة يسبقها مؤتمر للقمة العربية والإسلامية في كيفية الإخراج والتنفيذ، وكيفية إلباسها ثوباجديدا؛ يغطي على الخيانة والمؤامرة. ويهاجمها الحكام جميعا ظاهرا أمام شعوبهم. فيقولون: لا لصفقة القرن بخصوص فلسطين. وكأنّ صفقة القرن هي بعيدة عما يفعلونه ويطبقونه تجاه فلسطين وأهلها. وكأن أفعالهم المستمرة ليست جزءا من صفقة القرن!
إن صفقة القرن هي مجموعة مؤامرات سبقت هذه القمم، ومجموعة لم تعلن بعد، ويتم إعلانها شيئا فشيئا حسب كل مرحلة قادمة. والإعلان النهائي لهذه المسرحية التآمرية لم تتم مخرجاتها كلها بعد، بل بقي منها أمور لم تطبق، فهي سلسلة من التنازلات والمؤامرات استمرت منذ ضياع فلسطين وحتى يومنا هذا، سلسلة متصلة ومتواصلة كلما انتهوا من واحدة جاءت أخرى. فصفقة القرن هي تتويج نهائي لكل المؤامرات السابقة منذ سنة 48 وحتى سنة 2019.. وربما للمؤامرة بقية لم تكتمل بعد كافة فصولها.
إن المُخرج الجديد، والفصل الجديد من صفقة القرن؛ هو التمهيد لما هو قادم من سيطرة يهود على باقي أرض الضفة الغربية، وفتح المجال لسكان فلسطين في بعض الأمور الاقتصادية؛ بالارتباط مع الأردن من جهة، ومع مصر من جهة أخرى في غزة. وتغطية ذلك أيضا بمعابر هنا وهناك؛ تصل غزة والضفة أو تصل الأردن مع غزة والضفة. أو توسيع في سيناء من أجل إنشاء مطار وميناء... فهذا وذاك هو ثوب جديد فصّل في مؤتمر مكة ومؤتمر البحرين القادم. وهذا الثوب مخرجاته ستكون اقتصادية كمقدمات لما هو آت؛ من إطلاق يد يهود وسكوت الحكام جميعا، والتطبيع الكامل مع كيان يهود ظاهرا وبشكل مكشوف، وسحب كل الدعوات في العداوة والحرب مثل التي تطلقها إيران وحزبها اللبناني في أكاذيبهم الظاهرة.
إن الملاحظ بخصوص مواقف الحكام، ومؤتمرات القمم هو التسلسل الزماني في تصفية قضية فلسطين، والسكوت عن تحريرها، وتغطية ذلك كله بأكاذيب ليس لها واقع؛ ابتداء من أكاذيب الجيوش العشرة قبل سنة 48، ومرورا بأكاذيب عبد الناصر في إغراق يهود في البحر، وأكاذيب القمم العربية في عدم الاعتراف أو اللقاء أو التفاوض مع يهود، وأكاذيب إيران وحزبها في تدمير كيان يهودي...
إن فلسطين لا يحررها أبدا من خانها وسلمها بردا وسلاما ليهود؛ على طبق من ذهب، ولا من يخشى أمريكا أكثر من خشيته لله، ولا يحررها من يهرول للتطبيع مع يهود. فلا هؤلاء ولا هؤلاء يحررون فلسطين، بل يحررها رجال أبرار أمثال صلاح الدين الأيوبي، ونور الدين آل زنكي؛ حيث قاموا بكل المقدمات التي تؤدي للتحرير؛ ومنها توحيد الأمة في مصر والشام تحت راية الجهاد، ولم يقوموا بالمقدمات للخيانات والهرولة نحو التطبيع مع يهود.
فنسأل الله تعالى أن يكون هذا المشروع الجديد في تصفية قضية الأرض المباركة؛ هو مسماراً جديداً يغرس في نعوش هؤلاء الحكام لتتخلص الأمة من شرورهم وفسادهم وخياناتهم، وأن يبدلنا بهم خليفة راشدا يعيد للأمة عزتها ومكانتها، ويحرر المسجد الأقصى، وكل بلاد الإسلام من رجس الكافرين.
رأيك في الموضوع