شد وجذب وصراع على كراسي الحكم في السودان بين المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير، كلاهما يتربص بالآخر، في جو مشحون بالتصعيد والتشكيك في النوايا، الكل يرى أنه أحق بأن تكون له الغلبة في المجلس السيادي، صراع لا زال محتدماً بين الطرفين، قامت على إثره جلسات وجلسات، وأُجريت مفاوضات لم يتوصل فيها الطرفان المتنازعان إلى حسم واضح لكيفية التمثيل في المجلس السيادي.
فالمجلس العسكري يطرح أنه شريك أصيل في عملية التغيير ولولاه لما كان، حيث إنه قام بالوقوف بجانب المتظاهرين وحمايتهم، وقدم في سبيل ذلك دماء من أبناء القوات المسلحة، فهو صاحب اليد الطولى في هذا التغيير... ومن جانب آخر ترى قوى الحرية والتغيير أنها المحرك الأساس للتظاهرات وقائدة لواء الحراك، والأصل أن تسلم مقاليد السلطة، لتقوم بتشكيل الحكومة التي تراها، وكذلك تكون هي صاحبة الأغلبية الميكانيكية مع تمثيل عسكري في المجلس السيادي، وأنها تستمد أحقيتها في التفاوض واستلام السلطة من قوى الشعب المعتصمة أمام القيادة العامة، فكل فريق ممسك بموقفه، ويسوق المبررات والحجج، ويصرح التصريحات، في تصعيد واضح وصراع محتدم بين الجانبين.
قال عضو المجلس العسكري الفريق أول ركن صلاح عبد الخالق، (نرحب بقوى الحرية والتغيير باعتبارها شريكة)، مؤكداً الاستعداد لتسليمها الحكومة التنفيذية كاملة من رئيس الوزراء وحتى أحدث وزير، والبرلمان المقترح كاملاً، وجزءاً من المجلس السيادي، وقال: (أكثر من كدا ما عندنا، ولن نفرط في أمن السودان، ولن نسمح بقيام حرب أهلية) (الصيحة 22/05/2019م).
كما أكد نائب رئيس المجلس العسكري، الفريق أول محمد حمدان دقلو "حميدتي" "لن نسلمها لمن يريد تصفية الحسابات" (الشروق 23 أيار/مايو)، كما لوّح المجلس العسكري أيضاً بالدعوة لانتخابات مبكرة في حال وصل التفاوض إلى طريق مسدود. (الجزيرة نت 24 أيار/مايو 2019)، وفي تصعيد آخر، شرع المجلس في ترتيبات متقدمة لتشكيل حكومة انتقالية من التكنوقراط، تتخطى قوى الحرية والتغيير مع تضمين مشاركة الجهات التي ستوافق من قوى الحرية والتغيير عليها. (الانتباهة 26 أيار/مايو 2019).
أما من الجانب الآخر، فقد دعت قوى الحرية والتغيير إلى إضراب عام عن العمل في القطاعين العام والخاص... تمهيداً للإضراب الشامل والعصيان المدني، وذكر تجمع المهنيين في بيان له نقلته الصيحة 26 أيار/مايو 2019م أنه اختار الإضراب السياسي جبراً لا رغبة لحسم المواقف المترددة لتنحاز لمطالب الشعب السوداني.
وفي حرص على حصتهم من السلطة التي تم الاتفاق عليها بين الطرفين، أكدت التنظيمات المنضوية تحت نداء السودان التي تشكل أحد فصائل إعلان الحرية والتغيير، اجتماعا في عاصمة النمسا فينَّا في الفترة من 24 إلى 26 أيار/مايو، استضافه مركز دراسات السلام لمناقشة تطورات الوضع الراهن في البلاد والجهود الجارية لإقامة حكم مدني انتقالي، وإحلال السلام في البلاد، أكدت على أن التفاوض هو الوسيلة المثلى للانتقال إلى الحكم المدني وحذرت من التراجع عما تم الاتفاق عليه بين المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير في هذا الخصوص ووصفته بأنه يعد مكسباً. (سودان تربيون 26 أيار/مايو)
واتفق الطرفان خلال اجتماعات مشتركة على تكوين مجلس تشريعي تشغل فيه قوى الحرية والتغيير 67% من المقاعد بالإضافة إلى قيامها بتكوين حكومة من الشخصيات الوطنية المستقلة لإجراء الإصلاحات الاقتصادية اللازمة في البلاد والتحضير لانتخابات عامة بعد ثلاث سنوات.
وفي الأثناء نرى أن المجلس يتعامل وكأنه الحاكم الفعلي المستلم لمقاليد الأمور في السودان يطير رئيسه إلى مصر ويتبادل الحديث مع السيسي، ثم إلى السعودية مشاركاً في ما يسمى بقمة الجامعة العربية، ثم إلى أبو ظبي، وقد سبقه نائبه حميدتي إلى السعودية، مصرحا ببقاء القوات السودانية المقاتلة لإخواننا في اليمن، وهكذا يتصرف المجلس العسكري باعتباره حاكم السودان الجديد...
ويمكن القول إن المجلس العسكري هو امتداد للنظام السابق! حيث إنه يدير الأمور كما يديرها رئيس النظام البائد عمر البشير، إذ هو سائر في المضمار ذاته، يحكم بنفس طريقة النظام السابق (هوى الرجال بعيداً عن عقيدة الإسلام) ويمارس الكذب والتضليل في تصريحاته عن اقتلاع النظام من جذوره، كما جاء ذلك في بيانه الأول، ولكن النظام السابق ظل موجوداً بشكله وأسسه وهياكله ورموزه، فهو يسير وفق الأسس والطريقة نفسها في كل شيء مع تغيير الوجوه.
أما ما يسمى بقوى الحرية والتغيير فتسير في طريق إنتاج نفس النظام الساقط، بسلطاته القديمة البالية الساقطة المنحطة، حيث يستميتون في إفراغ قوالب النظام السابق وملئها بأشخاص من عندهم، أو من يرضونهم، أو من يفكرون بالمنهج الرأسمالي نفسه، ويتوعدون غيرهم، وكل من يخالفهم في الرأي بالتصفية، ويجاهرون بالعداء للتيارات الإسلامية كما صرح بذلك الرشيد سعيد المتحدث الرسمي لتجمع المهنيين، وكذلك يتوعدون بتحرير الدولة من الدين الإسلامي، كما في تصريح محمد يوسف، عضو تجمع المهنيين كذلك، والأنكى من ذلك فإن أفراده يمارسون الإقصائية والشتم والسب في مواقعهم الإلكترونية وغيرها لكل من يتحدث بالإسلام.
أقول، إن كلاً من المجلس العسكري، وقوى الحرية والتغيير، لا يرجى منهم خيرٌ لأهلنا في السودان بعد أن وضح صراعهم على السلطة وخلوّ جعبتهم من أية رؤية تستند إلى المبدئية وعقيدة أهل البلاد، وخضوعهم التام للأنظمة الرأسمالية المستوردة من الغرب، وتطلعهم وحرصهم الشديد على فصل الدين عن الدولة متدثرين بالدولة المدنية بلا رؤية واضحة، بل تجدهم يتشدقون بالديمقراطية والفدرالية والسلطات الثلاث في الحكم، وإعادة إنتاج النظام الذي ظللنا نعاني من جوره عقودا وعقودا، وكل طموحاتهم هي بناء دولة وطنية وظيفية تقوم على احترام المواثيق الدولية والمنظمات الكفرية الاستعمارية، ويسعون لأن نكون عبيداً تحت وطأة الأنظمة الرأسمالية الاستعمارية، ولا يدركون أن الإسلام جاء بها نقية صافية بيضاء، لا يزيغ عنها إلا هالك ولا يتنكبها إلا ضال.
وفي الختام نقول إن الذي يتطلع إلى العدل والعيش الكريم الهنيء في الدنيا والآخرة فعليه أن يلتمس ذلك في نظام الإسلام، نظام الوحي المنزل من لدن عليم خبير، المتمثل في نظام الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، دولة الرعاية التي تسوس الناس بأحكام الإسلام، وقد لاحت بشائرها في الأفق، فهي وعد من الله العزيز وبشرى رسوله الكريم، فهي كائنة بإذن الله وعائدة بعزيمة الرجال.
بقلم: الأستاذ سليمان الدسيس (أبو عابد)
عضو مجلس حزب التحرير في ولاية السودان
رأيك في الموضوع