بقلم: الأستاذ سليمان الدسيس (أبو عابد) – ولاية السودان
اندلع الصراع المسلح في السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع في 15 نيسان/أبريل 2023م، ومنذ ذلك الحين وحتى يومنا هذا، شهد السودان الخراب والدمار والقتل والتنكيل وتدمير البنية التحتية والمستشفيات والمصانع والمرافق العامة، ونهب الأسواق والمتاجر والممتلكات، وإخلاء المنازل وتهجير أهلها، واغتصاب النساء، ونهب السيارات، وحرق مستندات الأراضي، وسجلات المحاكم، والمستندات الرسمية في الوزرات الاتحادية.
مئة يوم ويزيد، ولا يزال التخريب والدمار مستمرا، وللأسف الشديد بأيدي أبناء البلاد، فلماذا الحرب والقتل والنهب يا هؤلاء؟ ولماذا هذا التدمير والتخريب والتهجير والاغتصاب؟ ومن أجل ماذا تخربون المنشآت بأيديكم وتدمرون بلدكم؟!
إن الناظر إلى هذه الحرب بعين أمينة صادقة، ووعي سياسي، والمتتبع للأحداث بشكل دقيق يرى الآتي:
1- في بداية الحرب صرح السفير الأمريكي في السودان بأن هذه الحرب شأن داخلي، ثم مرت الأيام، فجاءت تصريحات أخرى للخارجية الأمريكية على لسان كيربي لقناتي العربية والحدث في 8 تموز/يوليو 2023م بأن بلاده بالتعاون مع السعودية تواصل إشراك أطراف الصراع في السودان للوفاء بالالتزامات، فيما يتعلق بوقف إطلاق النار، وكذلك السماح للمساعدات الإنسانية بالوصول إلى كافة المناطق. وأعلن كيربي أن الدبلوماسيين الأمريكيين يعملون بجد، وأكد أن واشنطن لن تتخلى عن محاولة التوصل لهدنة دائمة في السودان، هذا في وقت أكدت فيه الخارجية السودانية على أن القوات المسلحة قادرة على حسم التمرد في مدى زمني قصير.
فهل تحول السودان إلى ولاية أمريكية؟! فبعد أن أطلقت التصريحات بأن هذه الحرب شأن داخلي، فلماذا هذا التدخل السافر، وتحديد منبر للتفاوض في جدة، وأن تكون هناك مفاوضات بين الطرفين تديرها أمريكا والسعودية باسم المسهلين؟!
وما يؤكد إدارة أمريكا للصراع في السودان ما جاء على لسان المتحدثة الإقليمية باسم الخارجية الأمريكية هالة غريط: "لا إرادة سياسية لطرفي الصراع في السودان" (العربية/ الحدث، 7 تموز/يوليو 2023م)، وقالت إن "الدبلوماسية هي الحل في السودان وليس القتال". وأضافت: "نعمل مع السعودية والاتحادين الأفريقي والأوروبي للحل بالسودان"، مردفة أنه يجب تشكيل حكومة مدنية. فهذه دلالات واضحة أن أمريكا ممسكة بخيوط اللعبة في السودان، هذه هي الحقيقة يا مسلمون؛ أمريكا تملي ما تريد، وتفرض على طرفي الصراع الجلوس للتفاوض، كما صرحت بذلك الخارجية الأمريكية عندما تم تجميد مفاوضات جدة بشكل مفاجئ يوم 21/06/2023، وبررت ذلك في بيان لها بقولها: "محادثات السودان تأجلت أمس لعدم خروج صيغتها بالطريقة التي نريدها".
2- صرح السفير الأمريكي بالسودان أن التوصُّل إلى تسوية تفاوضية لا يعني العودة إلى الوضع الراهن، الذي كان قائماً قبل 15 نيسان/أبريل. (موقع أخبار السودان، 12 تموز/يوليو 2023م)؛ ما يعني أن أمريكا بعد هذه الحرب لا تريد العودة للاتفاق الإطاري أو غيره، بل تريد صياغة السودان بطريقة جديدة تتفق مع ما تريد.
بهذا يتضح جليا أن المتصارعين يقتلون عشرات الآلاف من أبنائنا وتشريد أكثر من ثلاثة ملايين شخص من منازلهم وتعطيل مصالحهم بتدمير آلاف المصانع، ومئات المستشفيات وغيرها، الذي يقدر بعشرات المليارات من الدولارات، كل هذا وأطراف الصراع في غيهم سادرون. فهم لا يعقلون ولا يعتبرون، بل ينفذون ما تمليه عليهم أمريكا، فهم لعبة في يدها. مع أن الجيش يستطيع حسم المعركة، كما صرح بذلك قادته، ووزير الخارجية السوداني، لكنهم لا يفعلون ذلك تنفيذا لأمر أمريكا، لأنها لا تريد منتصرا في هذه الحرب، كما صرح بذلك كيربي لقناة الحدث في 7 تموز/يوليو 2023 قائلا: "إن الدبلوماسيين الأمريكيين يعملون بجد، وأن واشنطن لن تتخلى عن محاولة التوصل لهدنة دائمة في السودان"، فأمريكا تريدها هدنة دائمة، وليس الحسم. أيضا ما ذكرته المتحدثة الأمريكية: "إن الدبلوماسية هي الحل في السودان وليس القتال".
نعم، فهناك مكاسب مبدئية وسياسية تكسبها أمريكا من إشعالها لهذه الحرب العبثية اللعينة، منها:
1- إنهاك الجيش، وقوات الدعم السريع معا، أي إضعاف القوة العسكرية في السودان، وهو هدف استراتيجي مبدئي لأمريكا، لأن الجيش في السودان في مرتبة عاشر قوة أفريقية، وسادس أقوى جيش عربي، ورقم 68 عالميا، ويمتلك من أقوى المحاربين في العالم بشجاعة رجاله، وبسالتهم في الحروب، لذلك، فلا بد من إضعافه، ليصبح السودان دولة ضعيفة منهوكة، يسهل تقسيمها، ومن ثم ابتلاعها.
2- إنهاء الجيش في السودان بالكامل، لأنها تعتمد على قادته في السيطرة على البلاد، فهي تعتبره مكانا صالحا، وأرضا خصبة لتلتقط فيه صيداً سميناً من بعض ضباطه وتفريخهم ليصبحوا عملاء، يتولون زمام الحكم في السودان لتحقيق مصالحها.
3- القضاء على قوات الدعم السريع التي أنشأتها:
أولا: بقاء قوات الدعم السريع في الخرطوم، لتكون فزاعة لعملاء بريطانيا (قوى الحرية والتغيير)، وعصا تلوح بها ضدهم في أي لحظة لإبعاد عملاء أوروبا عن سدة الحكم، رغم أن أمريكا تضع قوات الدعم السريع في سلة عملاء أوروبا (قوى الحرية والتغيير) ذرا للرماد في العيون، وإيهام العامة وتضليلهم وخداع السياسيين بأن الدعم السريع وقوى الحرية والتغيير هما في خندق واحد، ولكن الحقيقة عكس ذلك، وأن ما يحدث هو لعبة قذرة تديرها أمريكا.
ثانيا: تسليم قوات الدعم السريع إقليم دارفور للسيطرة عليه، فإن دنت سانحة الانفصال، فستكون هي المسيطرة، والمتحكمة فيه، والمتفوقة على الحركات المسلحة التابعة لأوروبا عسكريا واقتصاديا، فهي تملك مناجم الذهب في جبل عامر.
4- إن افتعال هذه الحرب أبعد الاتفاق الإطاري، الذي كاد أن يمكّن عملاء بريطانيا من السيطرة على مقاليد الحكم، وبالتالي إبعادهم من طاولة التفاوض، فتستفرد أمريكا بعملائها لتكون كلمتها هي العليا في مقاليد الأمور في السودان.
5- لقد أكسبت هذه الحرب قادة الجيش المرتبطين بأمريكا تأييدا شعبيا كبيرا، بعد أن فقدوه بفشلهم في إدارة شئون البلاد في الفترة الماضية، والآن عاد التأييد الشعبي للجيش بكثافة، وعاد شعار "جيش واحد شعب واحد" هو الطاغي.
6- ممارسات النهب والسلب والاغتصاب والقتل للناس العزل وطردهم من منازلهم على يد قوات الدعم السريع، ستدفع الناس للقبول بأي حل يخرج الدعم السريع من المنازل والمستشفيات وغيرها من المرافق الخدمية، فأي حل يوقف هذه الأعمال الشنيعة سيجد قبولا لدى الناس، ولو كان هذا الحل هو انفصال دارفور، أو غيره من الأهداف التي تصب في مصلحة أمريكا.
وفي الختام: نقول لأهلنا في السودان، لا بد من الوعي التام على الأحداث التي تدور حولنا والنظر إليها بعين فاحصة واعية، وتحليل الأمور بشكل دقيق، والإحاطة بكل المؤامرات التي تحاك ببلادنا وبأمتنا الإسلامية، فنحن أمة الحبيب المصطفى ﷺ، فحري بنا أن ندرك الأمور على حقيقتها، وأن نعرف أن الكافر المستعمر هو الذي يحوك المؤامرات وينفذها العملاء. وليعلم الجميع أن لا حل لنا إلا بالرجوع إلى كتاب الله سبحانه وسنة رسول الله ﷺ، ولا عزة لنا إلا بالإسلام، فمهما ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله.
رأيك في الموضوع