أوشكت الحرب التي اندلعت في السودان منذ الخامس عشر من نيسان/أبريل 2023م، بين الجيش وقوات الدعم السريع، على نهاية شهرها الخامس، ولم تفرز أي منتصر، ولا تحقيق أي نصر عسكري لأي من الطرفين المتصارعين، في ظل تداخل مناطق السيطرة والنفوذ مكانياً وزمانياً. وقد توسعت دائرة القتال، وتطايرت شظايا هذه الحرب لتصل إلى مدن أخرى بعيدة، في إقليمي دارفور وكردفان.
ونتيجة التفوق الجوي للجيش السوداني، فقد تمكن إلى حد ما، من تدمير معظم معسكرات قوات الدعم السريع في الخرطوم ودارفور وكردفان، واستهداف قوافل الإسناد القادمة من الغرب إلى العاصمة الخرطوم. ورغم ذلك، تحاول قوات الدعم السريع التكيف مع هذا الواقع، من خلال سعيها للسيطرة على القواعد العسكرية الجوية وغيرها، لمنع الجيش من استخدامها كنقاط انطلاق لمهاجمتها، إلا أن هذا التكتيك قد فشل، حيث أخفقت في السيطرة على قاعدة وادي سيدنا الجوية الاستراتيجية، شمالي أم درمان، والتي تنطلق منها معظم الغارات الجوية. وتمكن الجيش من استعادة قاعدة جبل أولياء الجوية (مهبط مروحيات) جنوب الخرطوم، ناهيك عن طرده قوات الدعم السريع من قاعدة مروي الجوية (شمال) بعد أيام من اقتحامها في اليوم الأول من القتال.
إلا أن ابتعاد قوات الدعم السريع عن التمركز في الثكنات وتجنب التحرك بأعداد كثيفة، والاحتماء بمنازل الناس واستباحتها لكثير من أحياء الخرطوم، والتجول في لباس مدني، والتحرك ليلاً في المناطق التي يقوم الجيش بتمشيطها نهاراً، يصعب على الجيش استهدافها جواً وطرد عناصرها من العاصمة، باستخدام سلاح المدرعات القوي، الذي حاولت قوات الدعم السريع السيطرة عليها أكثر من عشر مرات.
في المقابل، تواجه قوات الدعم السريع صعوبة في السيطرة على المعسكرات المحصنة للجيش، على غرار سلاح المهندسين والقيادة العامة للجيش، خاصة في ظل تفتت هذه القوات، وانقسامها إلى وحدات صغيرة، منتشرة على مساحة واسعة.
وفي ظل هذا الاقتتال، تكبّد السودان خسائر فادحة بلغت، حسب تقديرات مراقبين، أكثر من إجمالي الناتج المحلي للبلاد خلال عام بأكمله، وتشمل الخسائر حجم الإنفاق العسكري الهائل، ودمار البنية التحتية، وآلاف المنشآت، وفي مختلف الأنشطة الاقتصادية. ووفق تقديرات غير رسمية فإن تكلفة الحرب تبلغ نحو نصف مليار دولار يومياً في المتوسط، أي 75 مليار دولار خلال 5 أشهر هي عمر الحرب حتى الآن، وأكدت البيانات أن الخسائر فادحة جدا، ولا تقدر بثمن في بعض المجالات. ويعيش أهل السودان أوضاعا اقتصادية ومعيشية قاسية منذ بدء النزاع، مع تزايُد الفجوة الغذائية.
إن الآثار الاقتصادية للحرب تتمثل في تدمير البنية التحتية، وتدمير القطاع الصناعي، وانكماش النمو، وفقدان الوظائف. وهناك نذر فشل للموسم الزراعي الحالي بسبب الحرب، ونهب البنوك، وتوقف الخدمات، وأن معظم الأراضي الزراعية ستخرج عن دائرة الإنتاج هذا العام. وبالتالي فإن فشل الموسم الزراعي سيؤثر على 40 في المائة من السكان، ويزيد من الفجوة الغذائية، ويتسبب في خروج المزارعين من دائرة الإنتاج.
كما أن هناك معلومات مصادرها منظمات أممية تشير إلى أن عدد المحتاجين للعون الغذائي حوالي 24 مليون شخص، أي أكثر من نصف عدد السكان، إضافة إلى ندرة السلع وارتفاع تكاليف المعيشة، وزيادة الأسعار بنسبة تتراوح بين 300 و400 في المائة.
وهناك خسائر غير منظورة، تتمثل في فقدان سجلات المؤسسات، ومصادر المعلومات، والبنوك، وقواعد البيانات للجامعات، ومراكز البحوث، والأرشفة، وهذه تعتبر خسارة باهظة جدا لا تقدر بثمن.
ومن ناحية أخرى تشير كل الدلائل إلى أن هذه الحرب لا يمكن حسمها عسكريا، حسب المعطيات والمعلومات التي نمتلكها، فهناك إشارات بأن تسوية سياسية قادمة ستنتهي باتفاق الطرفين المتصارعين، كما أشار البرهان في تصريح له من القاهرة بأنه يريد إنهاء الحرب. ومعلوم أن أمريكا التي تمسك بكلتا يديها بخيوط اللعبة، والتي أشعلت هذه الحرب بين عميليها، تريد صياغة السودان بطريقة ترضيها، وتوقف الحرب عندما ترى ذلك في مصلحتها.
فخروج البرهان من القيادة العامة إلى بورتسودان ثم تجواله بين بعض الدول، وتصريحاته خارج السودان، كلها تشير إلى المناداة بوقف الحرب، وأنه يريد ذلك، مع تناقض هذه التصريحات داخل السودان ووسط جيوشه وأنه عازم على سحق الدعم السريع، هذه التصريحات وما شابهها هي من قبيل الشحن والمحافظة على التأييد الشعبي، والصوت الرافض للمفاوضات.
ولكن نقول إن ملف هذه الحرب تديره أمريكا، وقد استطاعت أن تبعد أي تدخل خارجي في التأثير على مجريات هذه الحرب، ومتى رأت إيقافها فستوقفها.
وخلاصة الأمر، فإن كلا الطرفين المتصارعين يخدمان مصالح أمريكا، وقد نجحا، إلى حد ما، في إبعاد عملاء أوروبا وبخاصة عملاء بريطانيا من المنافسة السياسية، وأُبعد الاتفاق الإطاري، الذي يشكل خطراً على عملاء أمريكا عن المشهد، وقذف به في واد سحيق.
نقول لأهلنا في السودان، إنه لا فائدة ترتجى من وسط سياسي يوالي الكافر المستعمر، ويخدم أجندته عبر أشلائنا ودمائنا وانتهاك أعراضنا ونهب ثرواتنا، ولا فائدة ترتجى من وسط سياسي يحمل مشروعا لا ينبثق عن عقيدة الإسلام العظيم، ولا خير في أي مشروع سياسي، سوى المشروع المنبثق من مبدأ الإسلام العظيم، تطبقه دولة الخلافة، لأجل ذلك نناديكم، يا أهل السودان، ونشحذ هممكم لتغذوا السير مع العاملين لاستئناف الحياة الإسلامية، بإقامة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة.
رأيك في الموضوع