إن الأمة الإسلامية تملك القدرة الكافية لتحقيق النصر على قوى الكفر كافة مهما علت وتجبرت، لأن الأمة الإسلامية تملك في جعبتها أقوى رصيد يجعلها تستعلي على الكفر وجنوده، فهي مؤمنة بأن النصر آت لا محالة، وهذا الإيمان يبث فيها الإحساس بالقوة، ويثبت أقدامها عند المحن، وينقلها من المهانة واليأس إلى البشارة الصادقة التي تجعلها تندفع بقوة وثبات نحو العز والتمكين، ذلك الرصيد هو عقيدتها التي بين جنباتها، وإيمانها الراسخ بأن الله يدافع عن الذين آمنوا، وأن الله كاف عبده، وناصر رسله والمؤمنين.
يقول الله سبحانه: ﴿إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ﴾، هذه الآية الكريمة تحمل بشارات عظيمة للمؤمنين السائرين على درب الهدى والاستقامة، أن موضوع النصر متحقق لا محالة لرسل الله صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، ولمن آزرهم وسار على هديهم من بعدهم، وأن هذا النصر لا يتخلف أبداً لأنه وعد قطعه الحق تعالى على نفسه.
ثم إن الذي يبعث الأمل عند الأمة الإسلامية ويجعلها تسير بثبات نحو النصر والتمكين، هو تداعي المبدأ الرأسمالي المتحكم اليوم في العالم، والمسيطر عليه، هذا المبدأ بدأ يترنح ويلفظ أنفاسه الأخيرة، فهو آيل للسقوط والانهيار التام، ليعود الإسلام من جديد كنظام للحياة يسيرها ويديرها ويسود العالم، لتصبح كلمة الله هي العليا.
لقد شهد أهل المبدأ الرأسمالي بفشله؛ فهذا المفكر الأمريكي المشهور بول كينيدي نشر كتاباً بعنوان "صعود وسقوط القوى العظمى" في ١٩٨٧م، فذكر أن الولايات المتحدة تزحف عليها أعراض سقوط الإمبراطوريات، وتنبأ بسقوط الإمبراطورية الأمريكية نتيجة عوامل داخلية بنيوية، وأنه إذا زادت الالتزامات الاستراتيجية للدولة العظمى عن إمكاناتها الاقتصادية فإنها تسقط. والمفكر الفرنسي ديباسكييه هو الآخر يرشح الإسلام كمخلّص ومنقذ وحيد للبشرية. ويقول الأديب العالمي ليف تولستوي: "يكفي محمداً فخراً أنه خلّص أمةً ذليلة دموية من مخالب شياطين العادات الذميمة، وفتح على وجوههم طريق الرقي والتقدم، وأن شريعة محمد ستسود العالم لانسجامها مع العقل والحكمة"، وهناك مئات من التصريحات والدراسات في هذا الشأن.
إن الأمة الإسلامية لديها من المقومات ما يؤهلها لامتلاك زمام المبادرة، وخوض الصراع في كافة المجالات وتحقيق النصر على كافة القوى المعادية مهما عظمت. فالأمة الإسلامية صاحبة مبدأ عظيم راسخ في أعماقها ويستند إلى أساس روحي يمزج المادة بالروح، ويحقق القيم الأربع في المجتمع (الروحية، والأخلاقية، والإنسانية، والمادية) بانسجام، ودون تناقض بينها ولا تفاوت، وهذه الصفات لا تتوفر في أي مبدأ غير مبدأ الإسلام العظيم.
كذلك فإن الأمة الإسلامية تمتلك من الإمكانات المادية أكثر من غيرها من الأمم، فبلادها من أغنى البلاد في كافة أنواع الثروات، ففيها مصادر الطاقة؛ من نفظ وغاز وغيرها، حيث تشير الدراسات إلى أن هذه البلاد تملك حوالي 73% من الاحتياطي النفطي العالمي، وتنتج 38,5% من الإنتاج العالمي من النفط، وتملك 40% من الاحتياطي العالمي من الغاز الطبيعي. بجانب ذلك فإنها تملك أعلى الاحتياطات العالمية من المواد الخام من مختلف المعادن والتي تلزم للصناعة. ورقعتها واسعة حيث تبلغ ربع مساحة الأرض في ثلاث قارات، وهي متواصلة مع بعضها البعض، وتضاريسها مختلفة وأقاليمها متنوعة وملائمة لأنشطة متعددة.
ليس هذا فحسب بل إن أبناء الأمة الإسلامية اليوم أثبتوا قدرتهم على إلحاق الخسائر الفادحة بالعدو الغربي المعتدي، وهزيمته هزيمة نكراء، شهد لها العالم أجمع، في العراق، وأفغانستان، وغيرها من بلاد المسلمين التي استبسل فيها أبناؤها أمام العدو الغاشم، الذي جاء بقواته وعتاده وجيوشه الجرارة ليقابل الصدور العارية، وأفراداً، وجماعات يفترشون الأرض ويلتحفون السماء، ليس لديهم أدنى إمكانات مادية أو عسكرية، ولكن استطاعوا أن يكتبوا بطولاتهم على صفحات التاريخ. فعلى سبيل المثال مدينة الفلوجة حفرت اسمها في أعماق وجداننا، لبطولتها وبسالة أبنائها الذين تصدوا للاحتلال الأمريكي الأفظع في تاريخ البشرية، والأكثر وحشية، المزودة قواته بأحدث الآلات العسكرية المدعومة بقوة جوية وصاروخية هي الأكثر تفوقاً، نجد وبكل المقاييس أن الفلوجة قد ضربت مثالاً يُعتزّ به، حيث فئة قليلة من الرجال لا يزيد عددهم عن ألف مقاتل مسلحين بأسلحة تقليدية بسيطة ألحقوا خسائر فادحة بآلة العدوان الضخمة! وألحقوا العار بقادتها العسكريين، فقد تم إيقاع أكثر من 400 قتيل في صفوف قوات الاحتلال، والكثير من المصابين والجرحى، وتدمير عشرات الدبابات وأضعافها من العربات العسكرية المدرعة، وأسر أكثر من مائة جندي.
هذه أمثلة تدل على أن أفراداً وجماعات قليلة من أبناء هذه الأمة، بلا عدة ولا عتاد، ولا قوة تساندهم، ولا دولة تقاتل من ورائهم، يستطيعون أن يلحقوا الخسائر والهزائم بقوى الكفر مجتمعة، فما بالك إذا كانت وراءهم دولة مبدئية قوية، تنظم جيوشها وترصّ صفوفهم تحت راية رسول الله ﷺ، خلف إمام واحد، يكون لهم جنة وحماية، ما بالك إذا كان الأمر كذلك! وهم على الله يتوكلون، وبكتابه يعتصمون؟!
إن عقيدة الأمة ومقوماتها التي وهبها المولى عز وجل في بلادها، تجعل هذه الأمة مؤهلة لأن تقيم أعظم دولة في العالم بدون منافس إلى قيام الساعة بإذن الله تعالى، وتتفوق على الدول الكبرى، التي هي أقل منها بكثير في هذه المؤهلات والإمكانات، فتكون هذه الدولة خاتمة تاريخ البشرية حتى يرث الله الأرض ومن عليها.
إن تغيير هذا الواقع يتطلب أن نُعمِل المنهج الإلهي في الأرض، مترسمين خطا النبي ﷺ لنستأنف الحياة الإسلامية، فتغير الأمة حالها، ليغيروا أحوال الناس أجمعين، وإن ذلك لكائن قريباً بإذن الله بإقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة.
عضو مجلس حزب التحرير في ولاية السودان
رأيك في الموضوع