إن أمريكا هي رأس الشر في المؤامرة الكبرى على أرض الشام، وعلى رأس أهدافها الشريرة في هذه المؤامرة الإجرامية (وأد المشروع الإسلامي العظيم)؛ في إقامة الدولة الإسلامية على أرض الشام؛ حيث جنّ جنونها، وطار صوابها؛ وهي تسمع وترى أهل الشام يُجمعون ويضعون هذا المشروع العظيم في رأس سلم أولوياتهم... فقد ذكر الرئيس الأمريكي السابق أوباما في مقابلة له مع صحيفة (نيويورك تايمز) 9/4/2014 قال: (لن نسمح لهم بإقامة خلافة بصورة ما في سوريا والعراق، لكن لا يمكننا فعل ذلك إلا إذا علمنا أن لدينا شركاء على الأرض قادرين على ملء الفراغ..)؛ويقصد بذلك الحلول السياسية الموازية... وفي السياق نفسه ذكر بوتين في 12/6/2017 عندما سئل عن سبب مشاركة قواته في سوريا؟ قال: (إنهم سينشرون الخلافة من جنوب أوروبا إلى آسيا الوسطى.. موسكو لن تسمح أن تكون روسيا دولة الخلافة)... وضمن هذا الهدف الخبيث كانت قرارات مؤتمر فينا2 وجنيف1؛ بخصوص قضية الشام؛ (.. حيث قررت قوى الشر العالمية بقيادة أمريكا وأتباعها السياسيين، وعملائها أن الدولة القادمة في أرض الشام بعد رحيل نظام الأسد هي دولة علمانية تعددية ديمقراطية ترفض الإرهاب وتحاربه..) وبمعنى آخر ترفض قيام دولة إسلامية على أرض الشام!!
وبرغم كل الاختلافات والاجتهادات بين القوى المتصارعة في أرض الشام، واختلاف أشكال مشاريعها السياسية إلا أن الجميع متفقون على مشروع (وأد الإسلام ودعاته)، الساعين لإقامته في أرض الواقع!!
لقد حاولت روسيا من خلال أعمالها العسكرية والسياسية - أن تجعل لها شأنا ومشروعا سياسيا يُشعر أمام شعبها، وأمام المجتمع الدولي بأنها دولة عظمى؛ إلا أن أمريكا - بدهائها ومكرها السياسي - استطاعت أن تجعل كل أعمال روسيا العسكرية والسياسية في خط سيرها، وفي اتجاه بوصلتها المتجهة إلى مشاريعها السياسية في الشام وعلى رأسها - كما ذكرنا - وأد المشروع الإسلامي العظيم. إن أعمال روسيا في الشام سواء العسكرية منها أو السياسية لا تخرج عن سيطرة أمريكا وأدواتها في تركياوإيران وحزبهااللبناني والنظام نفسه.
إن الأخطر من الدور الروسي (سياسيا) في الشام هو الدور التركي؛ فهو الدور الرئيس والمحوري في كل حدث يجري في الشام، سواء أكان ذلك عن طريق التوجيه السياسي للفصائل المجاهدة، أم كان بتمثيل الفصائل سياسيا في المؤتمرات الدولية والإقليمية، أم كان بالدعم العسكري والمالي في طريق احتواء الفصائل سياسيا.. أم كان بوضع الفصائل تحت جناحها لما هو آت قريبا؛ في مشروع التصفية النهائي، وإنهاء قضية الشام وحسمها نهائيا لصالح مؤامرة أمريكا الكبرى ووأد المشروع الإسلامي.
لكن السؤال هنا: ما هو مصير الوجود الروسي على أرض الشام بعدما بذله من أعمال عسكرية، وما أنفقه من أموال طائلة وما خسره من جنود؟ هل ستخرج روسيا بخفي حنين لا تمسك بشيء، ولا تقرر شيئا؟ ماذا سيحصل لهيبتها الدولية، وبماذا ستقنع الشعب الروسي؟...
إن المتابع لمجريات الأحداث في الآونة الأخيرة؛ وخاصة ما تقوم به أمريكا من مشاريع على رأسها وضع الفصائل جميعا (تقريبا) تحت جناح تركيا.. وفي الوقت نفسه إحراج روسيا والنظام معا بالتنديد دوليا وإقليميا بقسوة الأعمال وشناعتها وخاصة في منطقة الغوطة، والتنديد باستخدام الأسلحة الكيماوية وكثرة القتل والتدمير.. إن الناظر لكل ذلك يرى أن أمريكا قد نجحت في الإعداد لما هو قادم في فرض الحل السياسي على الشاكلة التي وضعتها ورسمتها مسبقا..
والدور الأول والأخير الآن موكول لتركيا في الإعداد العملي على الأرض لهذا الأمر؛ عن طريق الفصائل الموالية وبدعم سياسي مبطن من قبل أمريكا وعملائها عن طريق المؤتمرات الدولية في جنيف وغيرها؛ لأنها - كما ذكرنا - قد هيأت نفسها بدعم دولي وإقليمي لهذه المرحلة الحاسمة من تاريخ الصراع السوري..
إن المصيبة العظمى، والطامة الكبرى هي أن بعض المسلمين ما زالوا ينخدعون برموز النظام في تركيا؛ رغم كل ما فعلته على أرض الشام؛ من خذلان للفصائل أمام روسيا الصليبية، ورغم مساعيها السياسية في تمهيد الطريق لمشاريع الغرب في الحيلولة دون بروز الإسلام.. وتمهيد الطريق للحسم العسكري والسياسي في الشام.. ورغم تنسيق حاكم تركيا واستقباله لقادة الكفر على أرض الشام؛ أمثال بوتين ممن سفك الدماء الطاهرة ودمر وخرب.. واستقباله لقادة إيران معه ممن كان يتهمهم سابقا بالمؤامرة على الشام... (فعدو الأمس أصبح صديق اليوم) بل شريكا في الحرب على (الإرهاب) كما ذكر ذلك أردوغان في المؤتمر الصحفي مع رئيسي إيران وروسيا في إسطنبول...
انه ليعز على الغيورين من أبناء هذه الأمة أن تسفك دماء المسلمين بيد أبنائها، وأن تصفى قضاياهم السياسية لصالح الكفار أيضا بأيدي أبنائها... ويعز كذلك عليهم ما يجري من سفك للدماء الزكية الطاهرة؛ دون ثأر ولا محاسبة، ولا ردة فعل تشفي صدور المؤمنين... إن هذا كله ليذكرنا أولا: أنه لا يوجد في بلاد المسلمين أحد من الحكام الرويبضات يغار على المسلمين ودمائهم.. ولا يوجد كذلك من يثأر للمسلمين؛ كما كان يحصل في عهد المعتصم وهارون الرشيد وقتيبة بن مسلم وغيرهم.. ويذكرنا أيضا بأن الأمة بحاجة إلى من يغار عليها وعلى دمائها وأموالها.. بحاجة إلى الراعي الأمين، والحامي الرصين وإلى البيضة المنيعة، وإلى الحضن الذي يحتضن كل أمة الإسلام، ويحنو عليها بجناحه الدافئ... إنها بحاجة إلى خلافة راشدة على منهاج النبوة كما كان سابق عزها ومجدها... نسأله تعالى - ونحن في ذكرى هدمها - أن يمن على أمة الإسلام بالنصر والتمكين.
رأيك في الموضوع