لقد قامت الحكومة التونسية في مطلع هذا العام بإعلان الميزانية العامة لسنة 2018؛ والتي أقرت في نهاية العام الماضي 2017 من قبل البرلمان. وأظهرت هذه الميزانية الوضع الخطير، الذي يعاني منه الاقتصاد التونسي.. فقد ذكر (موقع الجزيرة نت) 10/12/2017: (أقرّ البرلمان التونسي ميزانية العام المقبل؛ التي يبلغ حجمها 36 مليار دينار (14.55 مليار دولار)، وتتضمن مجموعة من الإجراءات المالية لخفض العجز. وفي خطابه أمام البرلمان في 21 تشرين الثاني الماضي؛ لدى الشروع في مناقشة الموازنة، توقع رئيس الحكومة التونسية يوسف الشاهد؛ أن تسجل بلاده نسبة نمو اقتصادي في حدود 2.3% مع نهاية العام الجاري. وفي نيسان الماضي 2017 وافق صندوق النقد الدولي على صرف شريحة 320 مليون دولار؛ من قرض حجمه 2.8 مليار دولار، شريطة تحرك تونس لزيادة حصيلة الضرائب، وخفض فاتورة الأجور العامة، وتقليص دعم الطاقة...(.
وذكرت (جريدة العربي الجديد) 10/12/2017: (.. يتوقع أن يبلغ العجز الميزانية الجديدة في تونس نسبة 4.9% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2018 من نحو 6% متوقعة العام الجاري. وتهدف تونس إلى رفع معدل نمو الناتج المحلي لنحو 3% العام المقبل، مقابل 2.3 % العام الجاري... وتتعرّض تونس لضغوط من صندوق النقد الدولي؛ للتعجيل بتغيير في السياسات المساعدة في تعافي الاقتصاد من هجمات متشددين في عام 2015 أضرت بقطاع السياحة الحيوي...).
والحقيقة أن الناظر في واقع الاقتصاد التونسي على كافة المستويات؛ يرى أن كل المعطيات والمؤشرات والأرقام؛ المتعلقة بهذا الاقتصاد هي سلبية، وليس فقط الميزانية العامة. فالميزانية ليست أكثر من مؤشر أحمر تجاوز كل الخطوط السابقة.
- فعلى مستوى (العجز في الميزانية العامة) ذكرت جريدة (الشرق الأوسط اللندنية) 19/3/2017 تصريحا لوزير التنمية والاستثمار والتعاون الدولي محمد الفاضل عبد الكافي، حيث قال أمام البرلمان التونسي: (...إن موارد الدولة مقدرة بنحو 24 مليار دينار تونسي (نحو 10 مليارات دولار)، وهذا المبلغ لا يفي باحتياجات الاقتصاد التونسي كافة؛ من تغطية كتلة الأجور والتعهدات المالية العمومية، وتسديد الديون الخارجية وغيرها؛ وهو ما يعني على حدّ قوله حاجة الاقتصاد التونسي الملحة إلى موارد مالية توجه إلى مشروعات التنمية، وتوفير فرص العمل لمئات الآلاف من العاطلين عن العمل (نحو 630 ألف عاطل عن العمل...).
- أما على مستوى (نسبة البطالة): فقد ذكرت (جريدة الرأي الجديد) 13/11/2017: أفاد (المعهد الوطني للإحصاء)، بأن نسبة البطالة في تونس خلال الثلث الثالث، من سنة 2017، استقرت عند 15.3%، وهي تقريبا نفس النسبة للثلث الثاني من هذه السنة... وبلغ عدد العاطلين عن العمل، وفق إحصائيات المعهد 628.6 ألفاً من مجموع عدد السكان النشيطين، وتزايد عدد العاطلين مقارنة بالثلث الثاني من سنة 2017، والذي كان في حدود 626.1 ألفاً...
- أما (الفقر ومعاناته).. فقد ذكر موقع (جريدة الصباح) التونسية 1/5/2017؛ تقريرا ذكره (الاتحاد العام للشغل التونسي)؛ وذلك في (مركز الدراسات والتوثيق) الخاص به قال: (يوجد في تونس حوالي 350 ألف مواطن؛ عاجزين عن توفير حاجاتهم الأساسية من الغذاء عدا عن اللباس والمأوى... وقد تجاوزت نسبة الفقر في بعض المناطق نسبة 30% في الوسط والشمال الغربي... والفقر المدقع 10% من مجموع السكان لتلك المناطق...).
- لقد حاول رجالات الحكم، ووزراء الاقتصاد في تونس؛ وخلال السنوات السبع العجاف السابقة، وعبر أكثر من حكومة؛ حاولوا تبرير الأوضاع المتردية بالأكاذيب، وحاولوا التهدئة من روع الناس بالوعودات الكاذبة، البعيدة عن الواقع الاقتصادي كل البعد. وأخيرا صار المسئولون داخل وزارات الاقتصاد يبررون هذا الانحدار؛ بأن كل الأوضاع في العالم تعاني كما يعاني الشعب في تونس، وتونس ليست الوحيدة، وأن الوضع بحاجة إلى مزيد من الصبر، وإلى مزيد من المحبة بين الناس، ومزيد من التقشف في الإنفاق...
- والسؤال الكبير هنا: من الذي أوصل تونس إلى هذه الحالة المتردية المنحدرة نحو الهاوية، وما هو طريق الخلاص لمشاكل الاقتصاد، ولجميع المشاكل الأخرى، والتي لا تقل خطورة عن الناحية الاقتصادية؟ هل يكون حل المشكلة عن طريق الانتخابات البرلمانية، أم يكون عن طريق الانتخابات الرئاسية، أم عن طريق انتخابات البلديات؟!
- إن الحل لا يكون عن طريق هذا ولا ذاك؛ ما دامت أسباب الفساد موجودة في تونس... فالتردي الحاصل لا يرتبط تغييره بهذا ولا ذاك؛ لأن أسباب الفساد موجودة في النظام الحاكم وطريقة الحكم، وفتح الباب للمفسدين واللصوص وأصحاب المحسوبيات؛ في هرم السلطة وأجهزة الأمن للسرقات وإجراء العقود بعيدة المدى مع الشركات الأجنبية (بعضها يصل إلى 50 عاما كما هو حاصل مع شركات التنقيب عن الزيت الصخري الأجنبية).
- · لذلك فإنه من المنتظر في الأشهر القادمة أن تزداد المعاناة، وأن يعم الفقر شرائح أوسع من المجتمعفي تونس، وهذا بالتالي سيدفع الشعب إلى مزيد من الاحتجاجات لتصل في النهاية إلى سيل جارف؛ يقتلع هذه الزمرة المارقة الفاسدة المفسدة في الأرض.
لكن السؤال هنا هو: هل سينتظر حكام تونس، حتى تصبح الثورة عارمة جارفة؛ تقتلع جذورهم كما اقتلعت من سبقهم؟! إن رجالات السلطة ومن يساندهم؛ من أجهزة الأمن لن ينتظروا هذه الساعة خاصةوأنهم لا يملكون أي سبيل للحلول والخلاص من الأزمة؛ لذلك سوف تقوم هذه السلطة بأعمال عدة؛ لصرف النظر عن فسادها، ولإبعاد الناس عن موضع الداء، وإشغالهم بأمور أخرى. فمن المتوقع أن تقوم هذه السلطة المارقة بأعمال إجرامية شريرة، تجلب على أهل تونس الويلات؛ تماما كما فعلت وتفعل الحكومة المصرية. وكما فعلت وتفعل جارتها الجزائر أيضا... ومن هذه الأعمال المتوقع فعلها في تونس:
1- إشغال الناس بموضوع الانتخابات من جديد، وذلك لصرف النظر عن الفساد الحقيقي وأسبابه، وصرف النظر عن الطريق الصحيح للخلاص من الفساد.
2- ذر الرماد في العيون؛ عن طريق بعض الإصلاحات الجانبية، وتوزيع بعض الأموال على شريحة ضيقة من الناس؛ كما فعل حاكم تونس في مناسبة خلع بن علي؛ عندما زار حي التضامن، ووعد ببعض الأموال والأعطيات لشريحة فقيرة هناك.
3- الأخطر من هذا وذاك؛ هي عمليات الاغتيالات السياسية؛ عن طريق أجهزة الأمن والمخابرات؛ كما حصل أكثر من مرة من قبل داخل تونس، والهدف من ذلك هو بثّ الرعب والخوف، بين أوساط الأحزاب السياسية، وبذر بذور الفتنة بينها.
4- القيام بأعمال ضد الجيش، وإلصاقها بالجماعات الإسلامية، والهدف من هذه الأعمال بالإضافة إلى صرف النظر عن المشكلة الحقيقية، وطريقة حلها هو: إيجاد شرخ بين الأمة والجيش؛ حتى تستعدي الجيش على الناس، في أية احتجاجات أو مظاهرات مستقبلية.
5- محاولات نشر الفوضى، وعدم استتباب الأمن والأمان؛ حتى يصبح حديث الشارع: نريد عودة الأمن والأمان ولا نريد التغيير، وقد حصل بالفعل أن قامت بعض أجهزة الأمن والمخابرات، بأعمال حرق وتخريب داخل بعض المدن وخاصة العاصمة تونس.
- إن ما ينتظر أهل تونس هو خير عظيم بدأه أسلافهم من الرعيل الأول؛ في عهد القادة العظام من مثل موسى بن نصير وعقبة بن نافع ثم انقطع بعد ذلك. وإنه لحري بأهل تونس الأخيار الأبرار أن يعودوا إلى الحلقة التي انقطعت فيها أسباب العزة والقوة والمنعة، بعد أن جربوا سبع سنوات عجاف، ومن قبلها عشرات السنين من الذل والهوان والفقر والحرمان. فتونس هي من خيرة البلاد في الخيرات والثروات، والعقول المبدعة، ولا ينقصها إلا المخلصون من أبنائها؛ ليأخذوا بيدها ويوصلوها إلى شاطئ الأمان. وإنه وللأسف الشديد لا يوجد في تونس اليوم من ينادي بتطبيق الإسلام؛ إلا جماعة واحدة هي حزب التحرير. وإنه لحري بأهل تونس إذا أرادوا النجاة من الشرور والفتن والأيام السوداء الحالكة؛ التي تنتظرهم؛ بسبب الزمرة الحاكمة، أن يلتفوا حول هذا الحزب التقي النقي الواعي الهادي المهتدي، ويوصلوه إلى سدة الحكم، لتعود بلادهم إلى سابق عزها وعهدها. نسأله تعالى أن يكرم أهل تونس، وما جاورها من بلاد بالمخلصين من أبنائها، وأن ينقذهم مما هم فيه من بلاء عظيم.
رأيك في الموضوع