أسعد منصور - أوروبا
إنك لا تسمع بأي هجوم على مدنيين في العالم إلا وتجد أصابع الاتهام تشير نحو المسلمين فقد أصبحوا موسومين بما سمي الإرهاب، إلا أن يتبين للقوم العكس فيقولوا كان مدبر الهجوم مختلا عقليا أو مضطربا نفسيا، مثلما اتهموا النرويجي بريفيك عام 2011 الذي هاجم مقرات حكومية ومخيماً للشبيبة فقتل 76 شخصا وجرح مئة. وأمريكا تأتي من آلاف الكيلو مترات إلى بلاد المسلمين فتحتل أفغانستان والعراق ومن ثم إلى سوريا وتقتل الملايين وتدمر البلاد ولا تُتَّهم بالإرهاب!
هناك ثلاث حقائق أريد أن ألفت النظر إليها لخطورتها ولأنها متعلقة بهذا الموضوع، فالحقيقة الأولى أن الغزاة والمحتلين لا ينالون منا نيلا إلا إذا وجدوا لهم عملاء ومن يواليهم ويتحالف معهم، فهؤلاء الذين يوالون الكفار قد حذر الله منهم في آيات كثيرة حيث حرم موالاة الكفار، وأن خطرهم أشد من خطر الكفار أنفسهم حيث إن أكثرهم منافقون يظهرون الإيمان ويبطنون الكفر، ومرضى نفوس في قلوبهم شك في الإسلام وعدم ثقة به، ومنهم المرجفون الذين يروجون للكفار أكاذيبهم وأقاويلهم. والحقيقة الثانية أن أخطر شيء على وحدة الأمة ونهضتها هي النعرات العصبية من قومية ووطنية وطائفية، وقد أثارها الغزاة المستعمرون لهدم الدولة الإسلامية وتقسيم رقعتها للسيطرة عليها فوجدوا العملاء الذين ينفذون لهم خططهم فحققوا ما أرادوا. والحقيقة الثالثة أن الذين يتبنون العلمانية والديمقراطية هم عملاء متطوعون للغزاة المستعمرين حيث يعتبرونهم إخوانهم وأصدقاءهم وحلفاءهم بل أسيادهم، فهم موالون للكافرين.
ما إن وصل رئيس وزراء تركيا داود أوغلو إلى إيران حتى التقى رئيسها روحاني يوم 5/3/2016 وأفصح عن مغزى زيارته مؤكدا على "جدية تركيا في فتح فصل جديد من التعاون مع إيران.. وعلى تطوير البلدين منظور مشترك لإنهاء الصراع الطائفي في المنطقة". وقال روحاني: "إن لدى إيران وتركيا مصالح مشتركة ويجب أن يتركز تنسيقهما وتعاونهما على محاربة الإرهاب باعتباره عدوا مشتركا". وهكذا أعلن الطرفان أن بينهما منظوراً مشتركاً وتنسيقاً وتعاوناً، فمعنى ذلك أنهما يسيران في السياسة الخارجية وهما متفقان رغم المهاترات والمناوشات الكلامية التي لا تضر في علاقتهما.
أستفتح مقالتي بخير الكلام من رب العباد: ﴿مَّا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلاَ الْمُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُم مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ﴾، ﴿لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ﴾، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِن تُطِيعُواْ الَّذِينَ كَفَرُواْ يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنقَلِبُواْ خَاسِرِينَ﴾. فإذا نظرتم يا أهل الشام إلى الهدنة التي صاغها الذين كفروا والذين يدعونكم إلى المفاوضات مع النظام المجرم، فإذا نظرتم من زاوية هذه الآيات فلن تنخدعوا أبدا، ﴿بَلِ اللَّهُ مَوْلاَكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ﴾.
إن لبنان عندما أعلن كدولة لم يكن ذلك طبيعيا، لأنه ليس مؤهلا لأن يكون دولة، ولذلك لم يصبح دولة بالمعنى الحقيقي حتى اليوم فبقي مسرحا للصراع وساحة للاقتتال، فكان للمستعمر الفرنسي الذي أسسه ككيان مآرب؛ منها أن يجعله جسرا لنقل الحضارة الغربية إلى المسلمين في المنطقة. وعندما انتهت مهمته هذه التي أطلق عليها رسالة لبنان، عملت الدول المستعمرة على دمجه في قضايا المنطقة، وعلى رأسها قضية فلسطين. وقد أقيم فيه نظام علماني فاسد مبني على أساس المحاصصة الطائفية، فوضعت في أسّه بذرة الفساد ليصبح معرضا للاضطرابات والانفجارات والتناحرات كما حدث فعلا، فكل فريق يلجأ إلى ركن خارجي يؤويه ويسنده ويقتات منه ليعيش وبالتالي ينفذ له سياساته. وأصبح مكانا للصراع الدولي وخاصة بين فرنسا وبريطانيا وأمريكا وأتباعهم الإقليميين والمحليين.
لقد وقعت تركيا في مأزق شديد فيما يتعلق بالشأن السوري بسبب ارتباطها بأمريكا التي تتلاعب بها. فلم تحسم أمرها فتقوم وتنصر أهل سوريا حتى يسقطوا النظام، وإنما أصغت لأمريكا ونفذت لها كل ما أرادت حتى وصل الحال بها إلى ما وصل، حيث بدأت ترى خطر وجود قاعدة أخرى ينطلق منها دعاة الانفصال من الأكراد العاملين لحساب أمريكا في سوريا. فقد صرح الرئيس التركي أردوغان يوم 17/2/2016: "لن نقبل أبدا بوجود قنديل جديدة"، في إشارة إلى جبال قنديل التي ينطلق منها حزب العمال الكردستاني في العراق ضد تركيا. وذلك إثر التفجير الذي حصل في أنقرة في ذلك اليوم، وقد اتهم رئيس الوزراء داود أوغلو وحدات حماية الشعب الكردية وبدعم من حزب العمال الكردستاني بواسطة شخص سوري الجنسية.
إن تركيا منذ أن أعلنت فيها الجمهورية وألغيت الخلافة ووقعت اتفاقية لوزان التي تخلت بموجبها عن أراضي الدولة العثمانية، قد ارتبطت ببريطانيا التي احتلتها وكان لها الدور الرئيس في كل ذلك، ووقعت اتفاقيات معها، ومنها اتفاقية الصداقة التركية الإنجليزية التي وصفها عصمت إينونو وريث مصطفى كمال بأنها ركيزة السياسة الخارجية التركية. أي أن سياسة تركيا الخارجية مرتبطة ببريطانيا وتدور في فلكها.
إن الخلاف والصراع يدور في الدول عادة إما بسبب اختلاف الآراء حول السياسات التي تتبعها، وإما بسبب حدوث أزمات مستفحلة يعجز النظام عن حلها، وإما لتغيير النظام بشكله وتركيبته أو برمته بسبب اختلاف الأفكار أو الاختلاف في وجهة النظر عن الحياة، وإما بسبب التنافس بين الأشخاص والأحزاب للوصول للحكم أو بسبب اختلاف ولاءات هؤلاء وارتباطهم بدول خارجية أو لوجود صراع دولي فيها.
رفض البرلمان الليبي في طبرق يوم 25/1/2016 منح الثقة لحكومة الوفاق الوطني برئاسة فايز السراج التي أعلن تشكيلها بموجب الاتفاق النهائي. 89 نائبا من 104 حضروا الجلسة في طبرق صوتوا ضد منح الثقة للحكومة من أصل 200 وهو العدد الكامل للبرلمان
إن من أعظم أنواع المكر والخداع أن تحول القضية عن أساسها إلى النقاش حول قشورها، وأن تصرف الأنظار عن مجرم كبير قتل مئات الآلاف إلى فاعل سوء صغير، فهذا ما تفعله أمريكا بالثورة السورية لإجهاضها، فكما صرفت الأنظار عن بشار أسد ونظامه المجرم إلى تنظيم الدولة، جعلت الحديث يدور حول من يمثل المعارضة كأنها قضية أساسية لصرف النظر عن لب المسألة وأبجدياتها وهي إسقاط النظام العلماني الباطل أولا ورفض التفاوض معه، وإيقاع أشد العقوبات على رئيسه المجرم وريث أبيه المجرم ومن معه والذين أذاقوا الشعب السوري الويلات على مدى عقود طويلة، وإقامة نظام الخلافة الراشدة الذي خرجت جماهير الشعب السوري الأبي من أجل إقامته، لأنه نابع من دينها الحنيف، ولتطبيق دستورها الصادر من كتابها العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
للاطلاع على احدث ما ينشر من الاخبار والمقالات، اشترك في خدمة موقع جريدة الراية للبريد الالكتروني، وستصلك آخر الاخبار والمقالات بدون ازعاج بإذن الله على بريدك الالكتروني