كما كثر الحديث عن التقسيم والفدرالية في سوريا قبل وأثناء انعقاد الجولة الأولى من محادثات جنيف بعد إعلان وقف النار، وذلك للضغط على المفاوضين الذين خانوا الثورة وبدأوا بالتنازل ابتداء من قبول مبدأ التفاوض مع نظام الطاغية، كما كثر الحديث عن ذلك فقد كثر أيضا الحديث في الآونة الأخيرة عن مصير الطاغية بشار أسد. فروسيا تأخذ دور الحريص على مصيره وتقول بأن الشعب السوري هو الذي يقرر مصيره، أما أمريكا فتأخذ دورا غامضا حينا وملتويا حينا آخر. بل إن روسيا اتهمت أمريكا بذلك وأكثر. فقال وزير خارجيتها لافروف فيما يتعلق بالاتفاق حول مصير الطاغية: "فيما يتعلق بهذه المزاعم، فإنها تنم عن قلب للحقائق ومساع لطرح المرجو كأنه واقع.. وإن قرارات مجموعة دعم سوريا تؤكد أنه لا يحق لأحد باستثناء الشعب السوري تقرير مصير القيادة السورية ومصير الرئيس السوري بشار الأسد.. وإن الاتفاقات بين موسكو وواشنطن تتعلق بالمبادئ الأساسية للتسوية السورية.. نعم، هناك الكثير من التلاعب، لكن لا يعكس سوى تسريب شركائنا الأمريكيين مضمون المحادثات وترويجهم معلومات مضللة بشكل ممنهج وعلى جميع المستويات وإن هذه التسريبات غير نزيهة وترمي إلى تشويه الواقع". (رويترز، روسيا اليوم 1/4/2016)
بل اتهم لافروف أمريكا بالعجز عن تنفيذ خططها فأضاف قائلا: "إنها تأتي جراء عجز واشنطن عن إجبار بعض حلفائها في الشرق الأوسط وأوروبا على تنفيذ قرارات مجلس الأمن.. ويحاولون طرح إنذارات، مطالبين برحيل بشار أسد عن منصب الرئيس كشرط مسبق قبل بدء التفاوض حول أي مواضيع أخرى". وأشار لافروف إلى ما يفيد أن أمريكا تلجأ إلى الكذب على ظهر روسيا التي تستخدمها مطية لتحقيق مشاريعها القذرة فقال: "وإن التسريبات القذرة حول الاتفاق المزعوم الذي قيل إنه عقد خلال الزيارة الأخيرة لوزير الخارجية جون كيري إلى موسكو تستهدف التأثير على الرأي العام الدولي والتضليل والحصول على تنازلات جديدة انتهاكا للاتفاقات التي تم التوصل إليها في وقت سابق". ولو كانت روسيا تدرك كيف يكون التصرف في السياسة الخارجية لرفضت السير في ركاب أمريكا في موضوع سوريا ولتركت أمريكا تصارع المسلمين منفردة حتى يسقطوها، فتتخلص منها ومن ألاعيبها عليها في أوكرانيا وجورجيا وآسيا الوسطى، مع أنها تدرك أن الطاغية عميل للغرب أي لأمريكا، فقالت المتحدثة باسم الخارجية الروسية زاخاروفا يوم 27/3/2016 (نوفستي): "ليس الأسد من نقوم بدعمه.. لا تنسوا أنه لم يكن أفضل صديق لنا، وإنما للغرب.. ونحن ندعم الحفاظ على الحكومة الشرعية والسلطة، لإدراكنا أنه إذا رحل الرئيس ستتبعه الحكومة وستنهار السلطة التنفيذية والجيش وبالتالي فإن الوضع في ليبيا سيبدو نزهة (بالمقارنة مع ما سيؤول إليه الوضع في سوريا)". فروسيا لا تريد أن يسقط الطاغية خوفا من مجيء الإسلام وإقامة الخلافة كما صرح لافروف يوم 27/9/2013 أن "هذه الجماعات المتطرفة لا تؤمن بالديمقراطية، لا تريد النظام الديمقراطي، تريد أن تدمر الدول العلمانية وتقيم الخلافة"، وكرر ذلك يوم 29/1/2014 من أن "الإرهابيين (ويقصد المسلمين) يسعون لإقامة الخلافة ليس في سوريا فحسب بل في المنطقة".
فقامت أمريكا بعد تصريحات لافروف بنفي التقرير الذي نشرته صحيفة "الحياة" بأن "واشنطن وموسكو توصلتا إلى اتفاق مزعوم بشأن رحيل الرئيس بشار أسد إلى بلد ثالث من أجل الحصول على لجوء سياسي"، فقالت المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية إليزابيث ترودو حول هذا الموضوع: "ليس صحيحا على الإطلاق.. وإن بلادها تؤيد المحادثات السورية السورية في جنيف وإن موقف بلادها من الأسد لم يتغير". وقالت: "الولايات المتحدة تدعم العملية التي انطلقت لتحديد شكل الانتقال السياسي في سوريا، هذه العملية تجري تحت رعاية الأمم المتحدة". (تاس، سبوتنيك 1/4/2016) فيظهر أن أمريكا سربت هذه المعلومات للتضليل حتى توجد مبررا للمعارضة العميلة لاستئناف المفاوضات من جديد مع نظام الطاغية كما أعلن دي ميستورا أنها ستبدأ يوم 11/4/2016.
ولكن هذه المعارضة تدرك أن أمريكا تلعب بها ومع ذلك تستمر في المفاوضات مع نظام الطاغية، فقد نقلت قناة العربي الجديد يوم 1/4/2016 عن منسق الهيئة العليا للمفاوضات في جنيف رياض حجاب قوله: "ليس هناك إرادة دولية وخاصة من الجانب الأمريكي، وأنا لا أتوقع من المفاوضات أن ينتج عنها شيء.. سنذهب إلى مفاوضات جنيف في جولة المفاوضات المقبلة.. أنا أكون واضحا مع شعبنا.. ما عندنا أي تفاؤل في عملية المفاوضات الدائرة في جنيف". وتبريره كما صرح هو وكما صرح من قبل من لُقّب بكبير المفاوضين علوش أن المعارضة تريد أن تثبت للعالم أنها ليست هي التي تعرقل الحل وأنها تريد أن تفضح النظام في جنيف!! وذلك من أسوأ التبريرات التي يمكن أن يقوم بها عميل كتبريرات المفاوضين العملاء في فلسطين الذين يريدون أن يفضحوا أعمال كيان يهود في أروقة المفاوضات!!
وأما أوروبا فتعمل على التشويش على أمريكا حتى تفسح لها مجالا للعب دور في العملية السياسية التي تعمل أمريكا على طبخها في سوريا. فصرح وزير خارجية بريطانيا فيليب هاموند يوم 31/3/2016 لوكالة أسوشيتد برس قائلا: "إن تشكيل الحكومة السورية، لا يجب أن يقوده أو على الأقل لن يقودها في المستقبل الأسد". فقد عملت أمريكا على عزل أوروبا عن موضوع سوريا وحصره بينها وبين روسيا التي ليس لها نفوذ ولا تتمكن من إيجاد نفوذ لها في سوريا والمنطقة، ولكن أوروبا عريقة في المنطقة ولها نفوذ فيها وتعمل على استعادة نفوذها في سوريا، ولذلك تعمل أمريكا على عزلها.
فالحديث عن الاتفاق عن مصير الطاغية هو لخداع الناس في سوريا أن المعارضة العميلة التي تتفاوض مع نظام الطاغية تعمل لتلبية مطالبهم. مع أن أمريكا تؤجل البتّ في مصيره حيث تعمدت ألا تضع ذلك كشرط مسبق في المفاوضات ولم تضعه بندا في مقررات فينّا ولا في قرار 2254 الذي صاغته وأقرته في مجلس الأمن. مما يدل على عدم جديتها في الموضوع وتتركه إلى النهاية حتى تتمكن من جعل المعارضة العميلة توقع على كل شيء وبعدها تنظر في الأمر. والسعودية وتركيا تخادعان في الموضوع وتنتظران القرار الأمريكي بخصوصه. وأوروبا تريد أن تحقق لها شيئا، فتتلاعب هي الأخرى، فبعدما قال عميل أمريكا دي ميستورا يوم 13/2/2015 بأن "الأسد جزء من الحل" تمهيدا وتبريرا لأمريكا حتى تعدّل من تصريحاتها بخصوص عميلها التي كانت تقول "على الأسد أن يرحل" وأنه "فقد شرعيته". فدي ميستورا الذي يجر المعارضة وراءه للتفاوض هو أول من جاء وأكد على بقاء الأسد، فهل تنسى هذه المعارضة وتثق به أم إنها الخيانة التي سرت في دمها ولا تستطيع السير بدونها؟ وهل بقي في وجهها ذرة حياء وهي تدّعي أنها تريد رحيل الأسد وتعرف أن قائد عملية التفاوض دي ميستورا هو من يعمل على بقاء الأسد حتى تنفذ أمريكا حلّها السياسي بالمحافظة على النظام العلماني؟! وبعدها أعلنت أمريكا على لسان وزير خارجيتها كيري عن قبولها باستمرار الأسد عندما صرح يوم 15/3/2015 بأن "بلاده ستكون مضطرة إلى التفاوض مع بشار أسد" وتبعته تصريحات مشابهة لوزراء خارجية بريطانيا وفرنسا وألمانيا وإسبانيا والنمسا. ويظهر أن المعارضة المفاوضة تريد النظام العلماني ولا تريد النظام الإسلامي ولا يهمها إلا أن توضع في مناصب وتملأ جيوبها بالمال، وقد أعلنت قبولها بمقررات جنيف وفينّا وقرار مجلس الأمن 2254 الذي ينص على بقاء النظام العلماني ومؤسساته الإجرامية، فهي لا تمثل الثورة، ولا تهمها الثورة، بل وافقت على إيقافها عندما قبلت بإعلان وقف القتال. فأهل سوريا الثائرون يرفضونها ولا يعترفون بها وبما ستوقعه من خيانات كتوقيعات أقرانهم المفاوضين في فلسطين على الخيانات التي ارتكبوها، والله وملائكته واللاعنون يلعنونهم ليل نهار، وسينجز الله وعده لعباده المؤمنين المخلصين بالاستخلاف والتمكين في الأرض، قال تعالى: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾.
رأيك في الموضوع