إنك لا تسمع بأي هجوم على مدنيين في العالم إلا وتجد أصابع الاتهام تشير نحو المسلمين فقد أصبحوا موسومين بما سمي الإرهاب، إلا أن يتبين للقوم العكس فيقولوا كان مدبر الهجوم مختلا عقليا أو مضطربا نفسيا، مثلما اتهموا النرويجي بريفيك عام 2011 الذي هاجم مقرات حكومية ومخيماً للشبيبة فقتل 76 شخصا وجرح مئة. وأمريكا تأتي من آلاف الكيلو مترات إلى بلاد المسلمين فتحتل أفغانستان والعراق ومن ثم إلى سوريا وتقتل الملايين وتدمر البلاد ولا تُتَّهم بالإرهاب! بل تَتّهم كل من يقاومها بالإرهاب! وتدعم كيان يهود الذي يغتصب الأرض ويقتل كل من يقاومه أو يشتبه بأنه سيقاومه، فلا تتهم هذا المعتدي الغاصب بشيء وتتهم الضحية أصحاب الأرض بالإرهاب! وتطلق يد بشار أسد يقتل مئات الآلاف ولا تتهمه بالإرهاب ولا تمسه! وهكذا تفعل فرنسا وبريطانيا وروسيا حيث تهاجم بلاد المسلمين وتقتل وتدمر ولا تتهم بالإرهاب! واتخذت مقاومة المسلمين للغزاة والمحتلين وكل هجوم أو تفجير اتهموا بتنفيذه ذريعة للدول المستعمرة للتدخل واحتلال البلاد وتمرير السياسات وأداة للضغط والصراع فيما بينها. هذا هو دأب الكفار المستعمرين، فاسمهم لغويا مُغطّو الحقيقة وشرعيا منكرو الحقيقة لأنهم ينكرون آيات الله. فهم بالمعنَييْن كما قال تعالى فيهم: ﴿وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾.
أتت هجمات بروكسل يوم 22/3/2016 فيتهم بها مسلمون، ثم يعلن تنظيم الدولة في اليوم التالي بواسطة وكالة أنبائه "أعماق" بأن مقاتليه نفذوا هذه الهجمات، وذلك بعد أربعة أيام من اعتقال أحد منفذي هجمات باريس يوم 13/11/2015 وتسليمه لفرنسا، حيث أعلن وزير داخلية بلجيكا جان جامبون يوم 21/3/2016 (سكاي نيوز) بأن "بلاده في حالة تأهب قصوى تحسبا لوقوع هجوم انتقامي". وأهميتها أنها تحصل في عاصمة الاتحاد الأوروبي الذي تناقش فيه سياساته وتتخذ قرارته ومنها المتعلقة بالمسلمين ومشاكل الهجرة والنازحين. فكيف تحصل هذه الهجمات في عاصمة الاتحاد الأوروبي وقد اتخذت حالة تأهب قصوى تحسبا لوقوعها؟! فمن يستطيع أن يخرق هذه الحالة القصوى حيث ينتشر الأمن في كل مكان وتبدأ الإجراءات الأمنية والمداهمات؟!
ويلفت النظر تصريحات وزير الدفاع الأمريكي آشتون كارتر يوم 24/3/2016 (س إن إن): "أعتقد أن اعتداءات بروكسل جاءت لتذكر أكثر الأوروبيين بأنهم بحاجة لتسريع جهودهم ضد تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا وكما فعلت الولايات المتحدة بهذا الخصوص.. إنها تذكير لكل الذين يعربون في أوروبا عن شكهم في الحاجة إلى تكثيف الجهود". حيث إن أمريكا تدعو لتكثيف الجهود الدولية في محاربة هذا التنظيم وتعزز وجودها في العراق وسوريا بهذه الذريعة فنشرت قوات خاصة وسمحت لمستشاريها العسكريين والأمنيين بالاقتراب أكثر من مسرح العمليات وأقامت في المناطق التي يسيطر عليها عملاؤها من الأحزاب الكردية قاعدة لمستشاريها هؤلاء، وأضاف وزير الدفاع الأمريكي قائلا: "ليس هناك أي سبب للانتظار عاماً حتى سقوط الموصل، لكن لا أريد أن أعطيكم جدولا زمنيا، إنها الحرب، يجب أن نقوم ونحن نقوم بكل ما يمكننا أن نقوم به لتسريع الأشياء، وأنا أتوقع أن نعمل المزيد". وأعلن "بدء المرحلة الأولى من عمليات استعادة الموصل".
إن أوروبا لا تؤيد السياسة التي تتبعها أمريكا في حصر المسألة السورية في موضوع محاربة تنظيم "الدولة الإسلامية" وترك بشار أسد يفعل ما يشاء، فكان لها مواقف مغايرة، وأرادت التساوي بين الطرفين في معاقبتهما، ولكن أمريكا رفضت ذلك، وعملت على عزل أوروبا عن المسألة السورية وحصر بحثها وتسويتها مع روسيا. فأمريكا على لسان وزير دفاعها تقول علنا إن أوروبا لا تؤيد أمريكا في سياستها في سوريا وتريد أن تذكر الأوروبيين عند حدوث هذه الهجمات بوجوب تأييدهم لأمريكا والسير وراءها كروسيا لا معارضتها وانتقادها. بل تريد أن تجعل نفسها وصية على أوروبا، فقال وزير دفاعها ساعة حصول الهجمات يوم 23/3/2016 (رويترز): "إن الهجمات التي ضربت العاصمة البلجيكية بروكسل اليوم الثلاثاء وأودت بحياة 34 شخصا لن تقوض عزم الولايات المتحدة وحلفائها على تصعيد الحملة العسكرية ضد تنظيم داعش الإرهابي.. نراقب الموقف في بروكسل ونقف على أهبة الاستعداد لتقديم المساعدة لأصدقائنا وحلفائنا في أوروبا إذا اقتضت الضرورة". وقام وزير خارجيتها كيري بزيارة بروكسل يوم 25/3/2016 (وكالة رويترز) "وعرض عليها تقديم كل ما تحتاجه للتحقيق في التفجيرات والمساعدة في تنسيق تدفق المعلومات" وقال: "هذه الحكومة تؤدي مهامها منذ عام وتحركت بحزم شديد للتصدي للإرهاب، وفي الواقع كان لدينا هنا فريق (لمتابعة مسألة) تزايد المقاتلين الأجانب قبل شهر". ونقلت الوكالة عن أن المصادر الأمريكية أنها ذكرت أن "الأخوين اللذين نفذا هجمات بروكسل كانا على قائمة الحكومة الأمريكية للمراقبة الخاصة بمكافحة الإرهاب قبل الهجمات". فأمريكا موجودة في بروكسل تتابع مسألة تزايد المقاتلين منذ شهر وتتابع الشخصين اللذين نفذا الهجوم! فما معنى هذا؟! وتدّعي أنها تريد تقديم المساعدة للأصدقاء ولكن عليهم ألا يعارضوها في موضوع سوريا ولا يشككوا في نواياها السيئة التي لا تخفى على الأوروبيين ولا على أي سياسي، بل تريد أن تجعل أوروبا تحت رقابتها ووصايتها، وتمتدح الحكومة البلجيكية غير المستقرة لإغرائها باتباعها وجعلها تحت تأثيرها.
لقد أصيب الأوروبيون بالارتباك فيما يفعلون وكيف يردون، فكل ما فعلوه هو عقد اجتماع لوزراء الداخلية والعدل في دول الاتحاد الأوروبي يوم 24/3/2016 (رويترز) فقال وزير العدل البلجيكي كوين جينز "بالنسبة لتبادل المعلومات والتحقيقات المشتركة نحن نتحرك بالفعل بسرعة جدا نحو حرب متكاملة ضد الإرهاب". فكأن الأوروبيين شعروا بشيء يدبر ويرغمون على الخضوع للمواقف الأمريكية.
وقد استغل القوميون مثل لوبان رئيسة الجبهة الوطنية في فرنسا الهجمات للدعوة "للعودة إلى الحدود الوطنية" في إشارة إلى إلغاء اتفاقية الشنغن "والتشديد في محاربة الفكر الإسلامي الأصولي". بينما دعا المفكرون الأوروبيون إلى التعقل والحكمة والتحذير من دق إسفين بين المسلمين الذين يعيشون في أوروبا وبين من حولهم من الأوروبيين، واتباع سياسة خارجية أكثر حكمة تجاه المسلمين من تلك التي اتبعتها معظم الدول الغربية خلال العقد الماضي، وحذروا من ربطها بمسألة اللاجئين. أي دعوا لعدم الانسياق وراء أمريكا، بل التخلي عن الانسياق الذي حصل منهم وراء أمريكا منذ تفجيرات المركز التجاري العالمي في نيويورك يوم 11/9/2001. فهذه تضر أوروبا وسياستها تجاه المسلمين وتجعلهم في حرب معهم وهم مجاورون لبلادهم، فأمريكا تشعر أنها في مأمن بعيد تضرب المسلمين من بعيد، ولكن أوروبا تعتبر امتدادا لبلاد المسلمين وفيها عشرات الملايين الذين يعيشون بين ظهرانيهم. وأوروبا تريد أن توظف مسألة اللاجئين لتحقق سياستها بفرض نفسها في المعادلة الدولية وأن تشرك في المسألة السورية لا أن تعزل كما تفعل أمريكا تجاهها.
وقد أشار خافيير سولانا مسؤول السياسة الخارجية والأمن في الاتحاد الأوروبي سابقا عقب أحداث شارلي إيبدو (بروجكت سينديكيت 29/1/2015): "ينبغي لأوروبا أن تلقي نظرة فاحصة على نفسها ويتعين عليها أن تدرك أن الجيلين الثاني والثالث من المهاجرين عرضة لإغراءات المنظمات الإرهابية الآن، لأن المواطنة الأوروبية لم تترجم إلى اندماج اجتماعي واقتصادي حقيقي". وتكلم عن "التهميش الذي يمارس على المسلمين، وإن تلك المنظمات تقدم لهم ما كانوا يفتقدونه من الشعور بالانتماء والهوية والهدف، وتعرض لتعصب القوميين الأوروبيين ضد المسلمين والخوف من الإسلام وكراهية الأجانب" وقال: "ويتعين على الغرب أن يدرك أن الصراع في العالم العربي كما أظهرت حالة أفغانستان والعراق، من غير الممكن أن يحل من خلال التدخل العسكري الأجنبي. فالطريقة الوحيدة لاستعادة النظام وتحفيز التقدم في المنطقة تتلخص في تمكين المسلمين المعتدلين حتى يصبح بوسعهم تحقيق النصر على قوى التطرف والعنف، ويتلخص دور الغرب في التعرف على هؤلاء المعتدلين ومنحهم القبول والدعم". فهذه السياسة معارضة لسياسة أمريكا التي تدعو للتدخل العسكري، والتي لا يهمهما أن يكون الحكام استبداديين كالسيسي، فأتت بالمعتدل مرسي وأسقطته عندما رأت أنه عاجز عن أن يحقق لها الاستقرار. ويعلن فشل أوروبا كما هي الحقيقة في دمج المسلمين في مجتمعاتها وأبقتهم مهمشين، فيسهل على المنظمات المسلحة استغلالهم، وبيّن أن تعصب القوميين الأوروبيين يزيد من توتر الأوضاع ويضر أوروبا.
وأراد اليهود أن يوظفوا هذه الهجمات لصالحهم ويقللوا من انتقاد أوروبا لسياساتهم التعسفية، متشفين بالأوروبيين ومطالبين بحشد كل قوى الشر ضد المسلمين. فقال وزير دفاع كيان يهود موشى يعلون يوم 24/3/2016 (بي بي سي): "إن العالم يجد نفسه الآن يخوض حربا عالمية ثالثة أو صراع حضارات كما أطلق عليها، وعلينا مواجهتها سوية. إذا استمر البلجيكيون في أكل الشكولاتة والتمتع بالحياة والتظاهر بأنهم ليبراليون وديمقراطيون دون أن يأخذوا في الحسبان الحقيقة القائلة إن بعض المسلمين هناك يخططون لأعمال إرهابية فلن يتمكنوا من التصدي لهم".
أما موقفنا نحن المسلمين فيتجلى في السياسة الحربية في الإسلام التي تحرم استهداف المدنيين الآمنين، فكان رسول الله eإذا بعث جيشا قال: «انطلقوا باسم الله، لا تقتلوا شيخا فانيا ولا طفلا صغيرا ولا امرأة ولا تغلوا، وضموا غنائمكم وأصلحوا وأحسنوا إن الله يحب المحسنين». (سنن أبي داود) وقال الخليفة الراشدي الأول أبو بكر رضي الله عنه: "لا تقتلوا صبيا ولا امرأة ولا شيخا كبيرا ولا راهبا ولا تقطعوا مثمرا ولا تخربوا عامرا، ولا تذبحوا بعيرا أو بقرة إلا لمأكل ولا تغرقوا نخلا ولا تحرقوه". (البيهقي) وهذا تفسير لقوله تعالى ﴿وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ﴾ [البقرة: 190] فالقتال يكون في مواجهة الذين يقاتلون المسلمين وجها لوجه، وأما الذي يُعتبر اعتداء فهو قتال الذين لا يقاتِلون من الناس المدنيين.
فنحن هداة إلى الحق؛ نحترم العهد ونأمن من استأمننا ولا نغدر به ونحسن لجارنا ونصلح الأرض والحرث والنسل ولا نخربها كما تفعل أمريكا وحلفاؤها الأوروبيون والروس وكيان يهود، ونريد أن نعلي كلمة الله فنقيم العدل ونزيل الظلم ونحقق الأمن والأمان للناس.
رأيك في الموضوع