نشرت هذه الوثائق يوم 3/4/2016، فأظهرت تورط سياسيين وزعماء حاليين وسابقين في العالم بتهريب وغسيل الأموال. فمنهم مقربون من الرئيس الروسي بوتين تورطوا في غسيل حوالي ملياري دولار. وشركات مرتبطة بأفراد من عائلة الرئيس الصيني شي جين بينغ، وشركات سرية مرتبطة بعائلات ومقربين من المخلوع حسني مبارك والهالك القذافي والطاغية بشار أسد، وشملت سلمان ملك آل سعود ورئيس دولة الإمارات خليفة بن زايد وأمير ورئيس وزراء قطر السابقين حمد بن خليفة وحمد بن جاسم، ورئيسي وزراء العراق والأردن السابقين إياد علاوي وعلي أبو الراغب وغيرهم.واحتجت الجزائر على فرنسا فاستدعت السفير الفرنسي لديها لتبلغه احتجاجها لأن صحيفة لوموند نشرت صورة بوتفليقة بين صور زعماء العالم الذين وردت أسماؤهم ضمن قائمة أوراق بنما. وطالت رئيس وزراء بريطانيا ديفيد كاميرون إذ تشير إلى أن والده "يان كاميرون" الذي توفي عام 2014 كانت له صلة بتأسيس وتطوير شركة "أوفشور" في بنما التي لم تكن تدفع الضرائب للحكومة البريطانية.
وأظهرت روسيا غضبها، فاعتبر دميتري بيسكوف الناطق الرسمي باسم الرئيس الروسي أن "مثل هذه المزاعم تستهدف بالدرجة الأولى التأثير على الرأي العام العالمي، إنه من الواضح بالنسبة للكرملين أن بوتين هو الهدف الأول لمثل هذه التقارير المختلفة نظرا لاقتراب مواعيد الانتخابات البرلمانية والرئاسية في روسيا". ووصف ما جاء في التقرير الذي أعده الاتحاد الدولي للمحققين الصحفيين والذي يتخذ من واشنطن مقرا له بأنه "تلاعبات وقلب للحقائق"، وأضاف أن "معظم العاملين في الاتحاد الدولي للمحققين الصحفيين ليسوا صحفيين، بل العديد منهم من الموظفين الحاليين والسابقين في وزارة الخارجية الأمريكية ووكالات الاستخبارات المركزية وهيئات الاستخبارات الأمريكية الأخرى.. إننا نعرف من يمول هذه المؤسسة، والحديث يدور عن معلومات مفتوحة تدل بحد ذاتها إلى مدى تحيز هؤلاء الزملاء وطابع أساليبهم التي تؤدي لنتائج غير قابلة للتنبؤ". (روسيا اليوم 4/4/2016)
فرد عليه مدير الاتحاد الدولي للمحققين الصحفيين جرارد رايل قائلا: "إن نشر التحقيق حول وثائق بنما ليس موجها ضد روسيا، وإن الاتحاد لم ينشر كامل قاعدة البيانات والوثائق التي وقعت في أيديه ولا يخطط لذلك". فمعنى ذلك أنها انتقائية، تفضح أناسا وتغطي على أناس. وقد لفت نظر الصحفيين عدم وجود ساسة أمريكان في التقرير، فرد مدير الاتحاد قائلا: "إن أوراق بنما لا تتضمن دلائل على تورط الساسة الأمريكيين في التعاملات المالية في الملاذات الضريبية في بنما وجزر العذراء البريطانية التي تنشط فيها شركة "موساك فونسيكا" لكنه تعهد بأن الاتحاد سينشر قريبا عددا كبيرا من الأسماء الأمريكية" وقال: "إن الوثائق تغطي الأعمال اليومية في شركة موساك فونسيكا خلال الأربعين عاما الماضية. هذه التسريبات ستكون على الأرجح أكبر ضربة على الإطلاق تسدد إلى الملاذات الضريبية وذلك بسبب النطاق الواسع للوثائق". (فرانس برس 5/4/2016) وكل ذلك يشير إلى أصابع أمريكية في الموضوع.
وهذه الوثائق تعود لشركة "موساك فونسيكا"، واعتبرت أكبر تسريب جرى في العالم فهي تتضمن على ما يربو على 11,5 مليون وثيقة. وهذه الشركة هي شركة قانونية مقرها في بنما وتعمل في مجال الخدمات القانونية منذ 40 عاما. ولها فروع في أرجاء العالم وموقعها الإلكتروني شبكة عالمية يعمل فيها 600 شخص في 42 دولة وتتضمن الخدمات التي تقدمها إدراج الشركات وتسجيلها في دول ونطاقات قضائية أجنبية، وتتقاضى رسوما سنوية مقابل إدارة هذه الشركات وتقدم لها خدمات أخرى منها إدارة الثروات. وتنشط في البلدان التي تفرض ضرائب منخفضة للغاية مثل سويسرا وقبرص والبلدان التابعة لبريطانيا فيرجين وجيرنسي وجيرسي وجزيرة مان. فيتبين أن بريطانيا مستهدفة بحكومتها وجزرها التي تحوي على السرقات المالية الهائلة.
وقال مدير الاتحاد رايل "إن الوثائق حصلت عليها أولا صحيفة تسود دويتشه تسايتونغ الألمانية قبل أن يتولى الاتحاد نفسه توزيعها على 370 صحفيا من أكثر من 70 بلدا من أجل التحقيق فيها، في عمل مضن استمر نحو عام كامل". ولكن الصحيفة الألمانية تقول إنها "تلقت تلك المعلومات عبر قناة سرية من مصدر مجهول دون مقابل مالي نظير تلك الخدمة مكتفيا بطلب توفير إجراءات أمنية غير محددة.. وكان ذلك قبل عام". وتحتوي الوثائق على بيانات لأكثر من 214 ألف شركة فيما وراء البحار في أكثر من مئتي دولة في العالم. وقال مدير الاتحاد إن "الوثائق أظهرت تورط عدد كبير من الشخصيات العالمية بينها 12 رئيس دولة و143 سياسياً في أعمال غير قانونية مثل التهرب الضريبي وتبييض الأموال". (الجزيرة 6/4/2016). وأكد رامون فونسيكا أحد مؤسسي الشركة صحة الوثائق التي ورد ذكرها في التحقيقات التي نشرتها مئات الصحف، غير أنه "نفى ارتكاب شركته أية مخالفة"، واعترف "بحدوث اختراق ناجح لكنه محدود لقاعدة بيانات الشركة". وأكد الصحفيان في صحيفة زود دويتشه تسيتونغ الألمانية اللذان حصلا على الوثائق "بالكاد وصلنا إلى نصف التسريبات المتوافرة وفي الأيام المقبلة سننشر مواضيع تعني الكثير من الدول وستتصدر العناوين".
فهذه الوثائق معروفة ومحتفظ بها منذ عام لدى الاتحاد للمحققين الصحفيين في واشنطن، وقد سلمتها الصحيفة الألمانية له ولم تُبدِها حينها مما يعني أنها متواطئة لأن كل صحيفة تبحث عن سبق صحفي فكيف تخفيها وتسلمها لغيرها؟! فهناك جهة تقصدت إعطاءها للصحيفة الألمانية وأوعزت إليها ألا تنشرها وأن تسلمها للاتحاد الدولي للصحفيين في عملية غسيل لمصدر التسريب على غرار غسيل الأموال. وإنه من المعلوم أن بنما هي تحت سيطرة أمريكا وتحتل قناتها، وقد خطفت رئيسها نورييغا بذريعة الاتجار بالمخدرات وأودعته سجونها وهو عميلها، وذلك لمنع عودة قناة بنما لأصحابها بعد مرور 99 سنة على الهيمنة الأمريكية عليها وضاعفت قوتها العسكرية التي تحمي القناة المهمة جدا لأمريكا، فأسكتت الناس المطالبين بعودة القناة إليهم ولوحت باستعمال القوة ضدهم.
فيظهر أن أمريكا أرادت أن تؤدب بريطانيا أولا بضرب ملاذاتها الآمنة في الجزر التي تستعمرها وضربها لحكومتها ولكثير من عملائها في البلاد العربية حتى تردعها عن العمل الخفي ضدها في هذه البلاد خاصة، حيث يتجلى الصراع الحاد بينهما في شمال أفريقيا، وهو بارز في ليبيا واليمن وجنوب السودان. وبريطانيا تعمل أيضا مع أوروبا على التشويش على أمريكا في سوريا وتركيا وغيرهما من البلاد.
وأمريكا تستهدف روسيا حيث إنها تستخدمها كما حصل في سوريا ومن ثم ترمي بها وتبدأ بالاشتغال بها وإشعال الحرائق حولها في أوكرانيا وجورجيا وأذربيجان وأرمينيا. وهي تستهدف الصين أيضا حيث تعمل على منعها من تمدد نفوذها في بحر الصين الجنوبي.
وتريد إدارة الحزب الديمقراطي أن تظهر كأنها نظيفة وهي تخوض معركة الانتخابات الرئاسية القادمة في محاولة لكسبها، وقد صرح رئيسها أوباما يوم 5/4/2016 إن "التهرب من دفع الضرائب يشكل دون شك تحديا هائلا أمام العالم وإن الصعوبة هناك تكمن في أن كثيرا من هذه الخطوات لا تخرج عن نطاق الشرعية"، ودعا إلى "سد الثغرات أمام المتهربين" وقال "إن الاقتصاد الأمريكي يعاني أيضا من هروب الأموال التي يمكن استخدامها تلبية لأولويات البلاد". ولا يستبعد أن تجعل إدارة أوباما الاتحاد الدولي للصحفيين ليقوم ويفضح بعض الشخصيات في الطرف المعادي لحزبه لإسقاطهم وإنجاح حزبه حيث تدنى مستوى المرشحين ومستوى الحملات الانتخابية في أمريكا وأصبحت تعتمد على إثارة الفضائح ضد بعضهم بعضاً مما يدل على انحدار أمريكا نحو الأسفل والسقوط، وقد وعد رئيس الاتحاد ذاك بأن يكشف أسماء أمريكية. وكذلك محاولة من قبل أمريكا لخداع الناس بأن المشكلة ليست في النظام الرأسمالي وإنما في أشخاص يهرّبون الأموال.
هذه الوثائق لا تكشف فساد دول وحكام ومتنفذين ومن حولهم فحسب، بل تكشف فساد المبدأ الرأسمالي نفسه، وتظهر مدى عفونته وأن رائحته تزكم الأنوف. لأن هذا المبدأ جعل النفعية أساسا له فأخضع الناس لأفكاره ومقاييسه، يركضون وراء المال وليس لحاجة فقط، بل لتكديسه وكنزه حبا في الجمع والعدّ وتباهيا في كثرته بين أيديهم، وأصبح الوصول إلى الحكم ليس للرعاية وإنما وسيلة لكسب المزيد من المال، فوجد المتنفذون فرصة ذهبية لإشباع نهمهم في جمع المال وتكديسه وسرقته بطرق قانونية خرقاء، فشرّعوا القوانين التي تمكنهم من ذلك، فغدوا هم أصحاب المال وأصحاب السلطات التنفيذية والتشريعية أربابا من دون الله يشرّعون القوانين لصالحهم دون عامة الناس. وقد انعدمت القيم الروحية والأخلاقية والإنسانية من المجتمعات الرأسمالية، وأصبحت القيمة الوحيدة العليا عندهم هي المادية لا غير، وفي علاقات تحكمها الأثرة لا الإيثار، فذلكم ما عليه المجتمع في عتمة الجاهلية الرأسمالية.
وتكشف هذه الوثائق أن الدول الرأسمالية لا تتورع في العمل على هدم بعضها بعضا وإن كانت إخوة في المبدأ، إلا أن المبدأ نفسه بحكم أن أساسه ومقياس أعماله النفعية، يجعل إخوة المبدأ أعداء كالوحوش التي هي من أصل واحد ولكنها تقتل بعضها بعضا من أجل الحصول على الفريسة أو الاستحواذ على أكثرها. ولهذا يتآمر بعضها على بعض، فتبحث عن إثارة فضائح فساد لتسقط بعضها بعضا ولتحقق المنفعة والهيمنة لنفسها دون أختها، بل إنها مستعدة لأن تبيد بعضها بعضا كما حدث في الحربين العالميتين.
ولا مخلص للعالم إلا بإسقاط المبدأ الرأسمالي ورؤوسه الكبار وخاصة أمريكا مبعث الشر في العالم والعمل على تطبيق المبدأ الإسلامي متجسدا في دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، ليزول الفساد والجشع وشهوة حب جمع المال والتفاخر بكثرته، ولتسود المجتمع القيم الروحية والخلقية والإنسانية بدون إهمال للناحية المادية ولكن بمزجها بالروح، فتسير الأعمال بالاتصال بالله بتطبيق أوامره والانتهاء عن نواهيه، فعندئذ ننقذ شعوب الأرض من شقاء الدنيا وأشرارها ونحملهم إلى سعادة الدنيا والآخرة.
رأيك في الموضوع