الفلوجة التي انطلقت منها شرارة المقاومة العراقية ضد القوات الأمريكية المحتلة عام 2003 هي أحد أقضية محافظة الأنبار وتبعد 55 كم غرب العاصمة بغداد ما زالت تحت الحصار الذي دخل شهره السادس الذي تمارسه القوات الحكومية العراقية المدعومة من القوات الأمريكية وبمساندة من المليشيات الطائفية الإيرانية بحجة محاربة تنظيم الدولة الذي احتل المدينة منذ أوائل 2014، ومنع سكانها من مغادرتها. حيث شهدت هذه المدينة إبادة ممنهجة بالتجويع والقصف فلا تكاد الفلوجة تنام على القصف إلا وتستيقظ على قصف جديد، بالإضافة إلى سلاح التجويع حيث لم تتبق كسرة خبز لدى الأهالي الذين أصبحوا يناشدون العالم التدخل لفك الحصار.
فمنذ سيطر تنظيم الدولة على محافظة الأنبار، والاستعدادات العسكرية لاستعادتها تتواصل عراقيا وأمريكيا وإيرانيا، على وقع تصريحات نارية وتهديدات طائفية لمحو مدينة الفلوجة من الوجود وإحالتها إلى تراب، استكمالا وتمهيدا لتنفيذ شعار الأرض المحروقة، حسب خطة وتصريحات قادة الحشد الشعبي الذين وصفوها برأس الأفعى مرة، ومرة محوها من الخارطة وتحويلها إلى تراب، وآخرها تصريح قاسم سليماني الذي وعد وأقسم لمرجعية النجف بأنه سيصلي صلاة العيد في الفلوجة.
وسط هذه التصريحات انطلقت عمليات الهجوم المرتقب لتحرير الفلوجة، حيث اجتاح الحشد الشعبي بقيادة قاسم سليماني وهادي العامري، مدينة الفلوجة من ستة محاور، بعد حصار عسكري، وقصف صاروخي - الزلزال وكراد أرض أرض وراجمات ومدفعية ثقيلة - استمر طوال عدة أيام، حوّل الفلوجة إلى مدينة أشباح حقيقية وبعد أن عجزوا عن اقتحامها بحجة مقاتلة تنظيم الدولة قرروا إذلال أهلها وفرض حصار غاشم أدى إلى افتقاد المدينة كافة مقومات الحياة ومعاناتها من نقص حاد في المواد الغذائية والأدوية والمستلزمات الطبية وتفشي الجوع والأمراض، الأمر الذي جعل منظمة هيومن رايتس ووتش تطالب الحكومة العراقية للسماح عاجلا بدخول المساعدات إلى مدينة الفلوجة التي قالت إن سكانها المحاصرين "يتضورون جوعا" وتهددهم كوارث.
وألقت باللائمة - فيما يعانيه سكان المدينة - على الحكومة التي تحاصرها وتمنع دخول أي مواد غذائية لها، وتنظيم الدولة الذي يستولي على المدينة وجعل من أهلها دروعا بشرية يتحصن بها، ونقلت المنظمة عن ثلاثة مسؤولين عراقيين أن القوات الحكومية قطعت طرق الإمدادات إلى المدينة منذ استعادت منطقة الرمادي القريبة، عاصمة محافظة الأنبار، أواخر العام الماضي، ومنطقة الجزيرة الصحراوية شمالي الفلوجة في آذار/مارس 2016. وأشارت إلى أن عشرات الآلاف من المدنيين لا يزالون عالقين في المدينة التي يزيد عدد سكانها على 300 ألف نسمة. وقد تمكنت المنظمة مؤخرا، كما تقول، من التحدث مع أحد سكان الفلوجة وسبعة آخرين من المنطقة على اتصال مع مقيمين هناك. وحسب أولئك بات سكان المدينة يتناولون الخبز المصنوع من نوى التمر وحساء العشب، كما أن ما تبقى من الطعام يباع بأسعار باهظة. وقال أحد السكان إن كيسا يزن 50 كيلوغراما من الطحين يباع بسعر 750 دولارا، وكيس السكر بـ500 دولار، بينما في بغداد على بعد 70 كيلومترا شرقا تباع هذه الكمية من الدقيق بـ15 دولارا والسكر بـ40 دولارا. وفي أواخر آذار/مارس 2016، قال مصدر طبي في الفلوجة لهيومن رايتس ووتش إن المستشفى المحلي يستقبل أطفالا جوعى يوميا، ومعظم المواد الغذائية لم تعد متوفرة أيا كان ثمنها.
بينما قال الناشط علاء الفلوجي لـ"العربي الجديد" إن الأسر المحاصرة داخل المدينة أصبحت تتناول وجبة واحدة في اليوم فقط إن توفرت، ولا تزيد عن بعض التمر أو الخبز المصنوع من نبات الدخن المخصص لطيور الزينة، وهو شحيح جداً ولا يستطيع الجميع شراءه. ولم يتبق في مدينة الفلوجة من الغذاء سوى بعض الخضروات الشحيحة التي لا تسد رمق الجائعين، في وقت توقفت فيه أعمال الناس ومصالحهم. وأصبح الحصول على رغيف صغير من خبز نبات "الدخن" ضرباً من الحظ، أما التمر فقد استنفد الأهالي مخزونهم منه وأكلوا حتى التمر المتعفن.
ونوهت الأمم المتحدة إلى أن محطة توليد الكهرباء الرئيسية لا تعمل، كما تقتصر إمدادات المياه على يوم واحد في الأسبوع، إضافة إلى أدلة (وفق الأمم المتحدة) على نقص واسع النطاق للأدوية. ولفتت إلى أن الحكومة العراقية كانت قد أبلغت منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في أواخر آذار/مارس بنيتها فتح ممرات آمنة للسماح للمدنيين بالخروج من المدينة، ولكن منذ ذلك الإعلان فإن المعلومات تشير إلى أن عائلة واحدة هي التي تمكنت من مغادرة الفلوجة، والفرار من حصار التنظيم.
وبالتالي فإن أهل الفلوجة يتعرضون لإبادة ممنهجة وبرنامج محو هويتهم وتهجيرهم وقتل أبنائهم، وهو جزء من مخطط التقسيم الأمريكي في مشروع بايدن على يد الميليشيات الإيرانية المدعومة حكومياً وتنظيم الدولة معا، وإن سبب هذا التعامل مع أهل الفلوجة هو بسبب وقوفهم ورفضهم لمشاريع أمريكا، وما يحصل لهم من إبادة هو ثمن موقفهم، في وقت وافق كثيرون، من المناطق الأخرى ومن الأحزاب السياسية وبخاصة الحاكمة منها واندمجوا في العملية السياسية وانبطحوا أمام التدخل الأمريكي واحتلاله للعراق، والذي تقوم فيه إيران بمساعدة أمريكا وذلك بحشد شيعة العراق خلفها لتنفيذ السياسة الأمريكية. وإن قيام الحكومة الطائفية بتنفيذ السياسة الأمريكية والتي تقضي بحصار وتجويع مناطق ذات غالبية سنية بذريعة محاربة تنظيم الدولة، يجعل خطة أمريكا لتقسيم العراق جار تنفيذها بدماء أهل العراق أنفسهم بجعل الاقتتال فيما بينهم أنفسهم لا بينهم وبين المحتل الأمريكي.
إننا نخاطب المسلمين في العراق من جميع المذاهب والقوميات، نخاطبهم بالإسلام الذي يؤمنون به والذي نهى عن أن يقتل المسلم أخاه، والذي أمرهم أن يكونوا صفا واحدا في مواجهة المحتل الأمريكي.. فكيف تصم الحكومة العراقية ومن خلفها إيران ومعها الحشد الشعبي آذانهم عن حرمة قتل المسلمين فيعيثون في الأرض الفساد حصارا وتجويعا وقتلا؟؟ وكيف لتنظيم الدولة وهو يرى أن كل مدينة يدخلها مآلها التدمير وتشريد أهلها ومن ثم انسحابه منها فلا يستطيع الدفاع عن أهلها وهم فيها ولا وهم مشردون يهيمون على وجوههم خارجها، كيف له أن لا يعتبر من كل ذلك؟؟
بقلم: علي البدري - العراق
رأيك في الموضوع