قبل نحو تسعة وتسعين عاماً، في رجب 1342هـ، انتهت جولة من جولات الصراع بين الحق والباطل، ومع الأسف كانت تلك الجولة في صالح الباطل، عبر أعظم خيانة في تاريخ الأمة، ألا وهي هدم دولة المسلمين؛ الخلافة، فتم تمزيق وحدة المسلمين، وتوزيعهم في دويلات ضرار، أشبه بالأقفاص في حديقة الحيوانات يشرف عليها عدوهم. فباتت حياة المسلمين كلهم أجمعين تحت أنظمة حكم استبدادية، ظالمة، خانعة، ذليلة، أورثتهم الظلم والفقر، فأحس المسلمون بالذل والضياع، والانحطاط، كونهم يعيشون في حال لا يشبه حياة أمة بين يديها القرآن الكريم، ولارتباط ذاكرة الأمة بتاريخ ناصع عن عظمة العيش في ظل الإسلام، فكان من البديهي أن يتطلع المسلمون، ويتحركوا لإحداث تغيير، وتراود أذهانهم أشواق الخلافة من جديد.
نعم إن بوصلة الأمة قد اتجهت نحو الخلافة، فقد أجرت مؤسسة (غالوب) عام 2006م، استطلاعاً للرأي العام في كل من مصر، والمغرب، وإندونيسيا وباكستان، حسب موقع البي بي سي، فكانت النتيجة مبهرة، ومبشرة للمسلمين، إذ إن ثلثي المشاركين يؤيدون فكرة توحيد كل البلاد الإسلامية في خلافة جديدة. ثم إن مراكز الدراسات الغربية عموماً والتقارير الصادرة عنهم، تتخوف من عودة المسلمين إلى سابق عهدهم، فمثلاً كتب المعلق الأمريكي كارل فيك في صحيفة الواشنطن بوست، في 14/1/2006م، تقريراً ذكر فيه أن (إعادة إحياء الخـلافة الإسلامية، يتردد في أوساط السواد الأعظم من المسلمين)، والجدير بالذكر أن الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين افتتح بيانه الصادر في الخامس من رمضان 1435هـ بما يلي: (إننا كلنا نحلم بالخلافة الإسلامية على منهاج النبوة، ونتمنى من أعماق قلوبنا أن تقوم اليوم قبل الغد)، نعم إن الأمة على عجلة من أمرها لاستعادة سلطانها المسلوب.
قد يقول قائل لماذا الخلافة الآن؟ ونقول ذلك لأن الخلافة هي تاج الفروض، وهي التي تحدد مصير المسلمين، فبها يقام الدين كله، وبها تقام الحدود، وتحفظ الأنفس والأموال والأعراض، وتحمى الثروات المنهوبة من قراصنة الاقتصاد، هذا من حيث أهميتها لحياة المسلمين، أما من حيث أهميتها لعموم الإنسانية، فبالخلافة يُحمل الإسلام إلى الناس في أرجاء المعمورة، فينصلح معاشهم ومعادهم، أما وجوب وجود خليفة، فيكفي أن الصحابة رضوان الله عليهم، لعلمهم بأهمية الخلافة في حياة الناس، قد أجلوا دفن الحبيب المصطفى e، ثلاثة أيام، وانشغلوا بتثبيت هذا الصرح العظيم باختيار خليفة، رغم علمهم بالنصوص المتعلقة بتعجيل الدفن، مما يدل على أولوية الخلافة على سائر الفروض، ولو كان هذا الفرض - أي فرض الدفن - يتعلق بخاتم النبيين، وسيد المرسلين، وقائد الغر المحجلين. واليوم قد مضى تسعة وتسعون عاماً بتمامها وكمالها، فحسبنا الله ونعم الوكيل، والأمة تنتظر انبثاق فجر جديد، يذوق الناس فيه طعم الحياة في ظل أحكام اللطيف الخبير، وبحمد الله وفضله ومنه، أن قيّض الحق تبارك وتعالى للناس في أرجاء المعمورة، بزوغ نجم حزب التحرير، رافعاً لواء العمل لإقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، وهو على بصيرة من أمره، يرص الصفوف، ويحشد الأمة لبناء هذا الصرح العظيم؛ الخلافة، حتى يكاد البناء يبلغ تمامه، وما النصر إلا صبر ساعة بإذن الله سبحانه وتعالى.
وقد يثير بعض اليائسين شكوكاً حول إمكانية إعلانها خلافة راشدة في ظل هذا الوهن والضعف الذي أصاب الأمة، ومؤامرات الغرب للقضاء على الإسلام والمسلمين. صحيح أن هناك حالة استنفار معلنة بين قادة العالم الغربي، وهم يحذرون من قيام الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، ويقودون حملات خشنة، وأخرى ناعمة متعددة الجبهات، في ظل موقف دولي تتحكم فيه أمريكا ودول الغرب، والحكام في بلاد المسلمين، الذين خانوا الله ورسوله والمؤمنين، وقد التأمت مصالحهم المتوهمة، مع مصالح الغرب المستعمر، ويتحكم جميعهم في عملية التغيير في بلاد المسلمين، ويضعون متاريس فكرية، ومؤامرات، وعقبات، ويشنون حروبا هنا وهناك، في طريق نهضة الأمة، وأن ترامب أعلن عن نهاية الخلافة في ليلة إعلانه المشئوم عن صفقة القرن، وأنها ماتت. ونقول لترامب وأمثاله، إنكم تعلمون أنها ليست هي الخلافة التي بشر بها رسول الله e، بل إن الخلافة الراشدة على منهاج النبوة لآتية إن شاء الله بسواعد الرجال الرجال، إذ أصبح غالبية المسلمين يتوقون إليها، وينتظرون عودتها، استناداً إلى نصوص شرعية تبشّر بعودتها، فالأمة ما عادت تلقي بالاً لكيد الكافر المستعمر، ومؤامراته، وأدواته، ﴿ذَلِكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ﴾، ﴿وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ﴾.
إن الأمة لن تيأس من روح الله ونصره، وبين يديها بشارات تستنهض الهمم، وتطمئن لها القلوب المؤمنة بنصر الله سبحانه وتعالى، ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ﴾. وإن نصائح هنري كيسنجر ليهود وغيرهم قد ذهبت أدراج الرياح، فقد حذر كيسنجر رئيس وزراء يهود قائلاً: (إنّي أسلِّمك أمَّةً نائمة، والمشكلة أنّها تنام ولا تموت... لأنّها إذا ما استيقظت فإنّها تعيد في سنوات قليلة ما ضاع منها في قرون). نعم، فها هي الأمة قد خرجت من كبوتها، وبين يديها، ومن أمامها، شباب حزب التحرير، بقيادة العالم الجليل عطاء بن خليل أبو الرشتة، يصلون ليلهم بنهارهم، بخطا ثابتة نحو تحقيق قضية الأمة المصيرية، باستعادة عزها وسلطانها، بإعلانها خلافة راشدة على منهاج النبوة، وما ذلك على الله بعزيز.
بقلم: الأستاذ يعقوب إبراهيم – الخرطوم
رأيك في الموضوع