أصدرت وزارة الطاقة والتعدين في الحكومة الانتقالية في السودان، سعراً جديداً لوقود البنزين سمته بالتجاري، بواقع 28 جنيهاً للتر الواحد، ليصبح سعر الجالون 126 جنيهاً بزيادة قرابة أربعة أضعاف عن السعر الحالي. والجدير بالذكر أن وزير المالية إبراهيم البدوي قال في 25/11/2019م: (لن نستطيع الإبقاء على الدعم بالنسبة للبنزين بصورته الحالية)، وقال: (لا مبرر للاستمرار فيه إذا وفرنا المواصلات ورفعنا المرتبات، والأمر نفسه ينطبق على الكهرباء). وكان مجلس الوزراء قد شكل لجنة في 22/12/2019م، لدراسة رفع الدعم، فخلصت إلى ضرورة رفعه، فضمّنت حكومة حمدوك رفعاً تدريجياً لدعم الوقود في موازنة 2020م مقابل زيادة الأجور. غير أن الحاضنة الشعبية للحكومة (قوى إعلان الحرية والتغيير) رفضت رفع الدعم منذ بداية النقاشات حتى قبل إجازة الموازنة، وكانت ترى تأجيل رفع الدعم إلى حين انعقاد مؤتمر المانحين، لكن الحكومة أجازت الموازنة متضمنة رفع الدعم، إذ يرى رئيس الوزراء عبد الله حمدوك أن رفع الدعم قضية محورية في السودان، وقال: "سنحاول الاستفادة من تجارب الدول، فقضية رفع الدعم جزء من الاقتصاد السياسي، والقرار حوله سنتخذه بعد نقاشات عميقة مع شعبنا". (رويترز).
إن رئيس الوزراء ووزير ماليته قد تخرجا من مدرسة صندوق النقد الدولي، ولا يمكنهما أن يعصيا لهذا الصندوق أمرا، وهذا ما أكده وزير المالية عقب لقاءات صندوق النقد والبنك الدوليين في واشنطن في 9/11/2019م، حيث قال الوزير: "ما نحتاجه في الواقع هو تنفيذ السياسة التي ذكرتها المديرة القطرية لإثيوبيا والسودان وجنوب السودان في البنك الدولي كارلي ترك في تقديمها لورقة تسوية ديون وإعادة الهيكلة والشفافية". حيث أكدت هذه المسئولة القُطرية أن الإصلاح الاقتصادي الكلي يتطلب تكلفة مالية بتحديد سعر الصرف وتكلفة مالية برفع الدعم عن السلعة الأساسية. إذن برنامج رفع الدعم هو في حقيقته تنفيذ لسياسات صندوق النقد الدولي، وهذا ما جعل حكومة حمدوك تتنصل من وعودها بتأجيل رفع الدعم لما بعد المؤتمر الاقتصادي لأصدقاء السودان.
إن تنصل الحكومة عن تأجيل رفع الدعم، جاء بعد فقدان الأمل والنجدة التي كانت تنتظرها من دول أصدقاء السودان بسد العجز في الموازنة وتمويلها، فقد كشف عضو اللجنة المركزية بقوى الحرية والتغيير صدقي كبلو في يوم 15 شباط/فبراير 2020م، في صحيفة الجريدة، عن عقد سفراء دول أوروبية في السودان اجتماعات بجهات سياسية لإقناعها بضرورة رفع الدعم فوراً. واستبعد صدقي كبلو دعم أصدقاء السودان الحكومة الانتقالية إلا بتوجيه من البنك الدولي وتنفيذ شروطه! فيبدو أن الشك يسيطر على حمدوك من تمويل أصدقاء السودان للميزانية، فلم يبق إلا الكذب على الشعب وتضليله بأن دعم البنزين لا يستفيد منه الفقراء، ولا يصل إلى مستحقيه كما يزعم. خاصة بعد خروج مؤتمر أصدقاء السودان في السويد بإرجاء مؤتمر المانحين وتمديده من نيسان/إبريل إلى حزيران/يونيو المقبل، دون تحديد موعد الانعقاد ومكانه.
إن المانحين، وبخاصة المجموعة الأوروبية، ومعهم صندوق النقد الدولي، لن يقبلوا على دعم السودان إلا بعد رفع اسمه من قائمة الإرهاب الأمريكية، فأمريكا ترفع عصا الإرهاب في وجه حكومة حمدوك في ظل الصراع بينها وبين الدول الأوروبية، فمنذ مجيء الحكومة بدأ حمدوك يستغيث بالدول الأوروبية ليستمد القوة منها فهي التي أوصلته إلى سدة الحكم بسرقة ثورة أهل السودان لصالح أوروبا، ويعلم حمدوك الطرف الآخر في الصراع وقوته وهي أمريكا وأدواتها من العسكر، لذلك قال منذ بداية عهده لو لم ترفع أمريكا العقوبات عن السودان فلن يكون أي تغيير اقتصادي أو سياسي في السودان.
فإلى متى يكون الخضوع والخنوع إلى الدول الاستعمارية؟ وإلى متى سيظل الساسة في بلاد المسلمين بعامة يتوهمون بأن العدو صديق، ويتقربون إليه؟!
إن الخلاص من هذه الأزمات الاقتصادية وغيرها، لا يكون إلا بتطبيق أحكام الإسلام العظيم، في ظل دولته؛ الخلافة الراشدة على منهاج النبوة التي ستقطع شرايين الدول الاستعمارية من بلادنا وفق أحكام الإسلام، بل وتسارع دولة الخلافة في فك قيود وويلات صناديق المال العالمية الربوية، التي تسيطر على البشرية، وتخرجها من ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة.
بقلم: الأستاذ إبراهيم محمد (مشرف)
عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية السودان
رأيك في الموضوع