في موسم الحج سنة 2014 طلب وزير الأوقاف المصري محمد مختار جمعة من السلطات السعودية ترحيل حاج مصري تم ضبطه وهو يدعو على حكام العرب داخل الحرم المكي، وقد استجابت له السلطات السعودية وقامت بإحالة الحاج إلى مستشفى الطائف النفسي للكشف عن سلامته الذهنية ومن ثم تم تسليمه إلى مصر، واليوم عبّر (مرصد مكافحة الفتاوى التكفيرية والآراء المتشددة) التابع لـدار الإفتاء المصرية، عن انزعاجه من هتافات رددها معتمرون أتراك في السعودية نصرة للمسجد الأقصى المبارك، وقال المرصد إن "الشعائر الدينية وأماكن العبادة وخاصة الحرم المكي لها قدسية خاصة ولا يجوز الزج بها في العمل السياسي، وينبغي على المسلمين كافة الحفاظ على تلك المقدسات من تدنيسها بالأجندات السياسية المختلفة للدول".
كما واعتبر الإعلام السعودي التابع لولي العهد ابن سلمان أن الهتاف للمسجد الأقصى ثالث الحرمين ومسرى الرسول عليه الصلاة والسلام، وأولى القبلتين، سياسة مرفوضة، لأن الحج لدى حكام آل سعود هو طقوس لاهوتية، وعلى الحاج أن ينهي عمرته ويرحل في صمت، هذا هو الدين وهذه هي وظيفة الكعبة والحج والعمرة التي يريدها حكام آل سعود والنظام المصري العلماني وأشباههم، أما مناقشة قضايا الأمة والهتاف من أجل الأقصى فهو تسييس للحج والعمرة، بينما منع فئة معينة أو جنسية معينة من أداء مناسك الحج والعمرة فهو ليس تسييساً بل من شعائر الحج والعمرة!
قال رسول الله e: «إِذَا لَمْ تَسْتَحْيِ فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ». فأن يقول وزير الدولة السعودي للشؤون الخارجية، عادل الجبير، إن هناك عناصر إيجابية في خطة الرئيس الأمريكي، بحيث يمكن أن تكون أساساً للتفاوض، وأن تعلن الخارجية السعودية عن تقديرها لجهود الرئيس الأمريكي بشأن صفقته المزعومة، داعيةً إلى بدء مفاوضات مباشرة بين الفلسطينيين ويهود، وأن يقوم وفد يضم عدداً من مشايخ المسلمين، يترأسهم وزير العدل السعودي السابق والأمين العام لرابطة العالم الإسلامي الجديد، محمد بن عبد الكريم العيسى، في 23 كانون الثاني/يناير 2020 إلى معسكر الإبادة النازية المزعوم أوشفيتز بيركينو في بولندا، أن يحدث هذا وأبشع منه فلا تسمع لهذه الأنظمة حساً ولا خبراً، ولا شجبا ولا استنكارا فهم لا يستحيون من الله ولا من أنفسهم، بينما يقيمون الدنيا ولا يقعدونها عندما تنطلق بعض حناجر المسلمين نصرة للأقصى من المسجد الحرام، قال تعالى: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ [الإسراء: 1].
مرصد الفتوى منزعج ومنشغل بمثل هذا الحدث بينما لا يرى بأسا في منع الدعاء على الظالمين في مساجد الله، ولا يرى غضاضة في تغريم من يرفع شعائر صلاة الفجر في الإذاعة الخارجية للمساجد بخصم شهر من راتبه، ولا يرى مشكله في وصف وزير الأوقاف ملصقاً يدعو الناس للصلاة على رسول الله بأنه ملصق شيطاني!!
لا يستغرب المرء من نظام آل سعود الذي صمت صمت القبور تجاه ما يجري لإخواننا في فلسطين من قتل وتهجير وتدمير على يد يهود، بينما حرك طائراته لضرب المسلمين في اليمن عندما أمرته أمريكا بذلك، ولا يستغرب أن يقوم بتوقيف حاج وترحيله، وكأنه مجرم عتي في الإجرام وليس مسلما يتألم لحال الأمة وما أصابها بسبب حكام السوء الذين أذاقوها لباس الخوف والجوع والمذلة.
أن تقول كلمة حق في وجه حاكم ظالم، أو تدعو على حكام المسلمين الذين باعوا أمتهم ودينهم بثمن بخس، أو أن تهتف في بيت الله الحرام نصرة للأقصى ضد تآمرهم على قضايا الأمة وهو من أضعف الإيمان، فأنت في عرف هؤلاء إما مريض نفسي يجب إحالتك للكشف عن قواك الذهنية، أو أنك إرهابي متطرف سيكون مصيرك السجون والمعتقلات، أو أنك مدفوع من جهة ما لتسييس الحج والعمرة. قاتلهم الله أنى يؤفكون!
لقد كان الواجب على المرصد رفع صوته عاليا، كما فعل المعتمرون، يطالبون أن يبذل جند أهل الكنانة أرواحهم رخيصة في سبيل تحرير الأرض المباركة فلسطين، فهو واجب عليهم وشرف عظيم لمن يحررها.
لكن هذه الأنظمة ومن يطبل لها من علماء السوء، يريدون أمة ميتة لا حراك فيها يقلّبونها كيفما شاءوا، أمة بكماء صماء عمياء؛ لا ترى، لا تسمع، لا تتكلم، لا تدعو على الظالمين، ولا ترفع صوتها عاليا في وجه حكام السوء هؤلاء، إنهم يريدونها أمة تُطأطئ الرأس أمام حكامها، تعيش ذليلة تحت النعال، وما كان لأمة محمد، خير الأمم أن تكون كذلك، لأنها أمة حية عزيزة بإسلامها، قوية بربها، ستزلزل عروش الطغاة وتلقي بهم في مكان سحيق، لتقيم خلافتها من جديد راشدة على منهاج النبوة ولن تركع أبدا إلا لله رب العالمين.
بقلم: الأستاذ حامد عبد العزيز
رأيك في الموضوع