تطالعنا بعض الأصوات هذه الأيام تهاجم الإسلام، بذريعة أن حكومة البشير الفاسدة كانت إسلامية فيقولون أقوالاً عجيبة على شاكلة: (تاني ما دايرين إسلام لأن حكومة البشير كرهتنا الإسلام) أو (تاني ما بننخدع بالإسلام)، فيهاجمون كل من يتناول حكماً شرعياً، أو نظر للأحداث على أساس الإسلام، بل ساء أحد هؤلاء كلمة (اقرأ) عندما بينت أن ديننا يأمرنا بالعلم والفهم مستدلاً بهذه الآية، فهو يرى أن هذا الاستدلال أسلوب (كيزاني) أي إخواني، سبحان الله! لذلك فإن هذه الأصوات تحتاج إلى قول فصل ورد عميق لتحدد موقفها من الإسلام وتظهر حقيقتها أهي تعني بحربها المسعورة هذه الإسلام، أم الكيزان؟!
فالكيزان والإسلام أمران مختلفان لا يلتقيان، ولا وجه شبه بينهما مطلقاً، فالإسلام دين رب العالمين بنصوصه ومصادره، والإسلام لا يُحاسَب بإحسان المحسنين ولا بإجرام المجرمين، فقد سطر الإسلام أنه مَنْ عَمِل خيراً فلنفسه ومن أساء فعليها، لذا فإن هذه الأصوات ضعيفة الحجة والمنطق، ساقطة في استدلالها واستشهادها.. وسأبدأ ردي على هؤلاء بالأسئلة الآتية: هل حكومة البشير كانت إسلامية؟ وهل طبق نظام البشير الإسلام؟ وما هي حقيقة علمانية دستور 2005م؟ وما معنى جمهورية السودان؟ ولماذا كان البشير يمنع تأسيس الأحزاب على أساس الإسلام؟ وهل جعل نظام البشير الإسلام هويةً لأهل السودان؟ وهل في الإسلام برلمانات ومجالس تشريعية؟ وكيف يستوي الإسلام وشريعته مع تحكم صندوق النقد الدولي وروشتاته التي دمرت الاقتصاد في السودان؟ وكيف يسمح الإسلام لأمريكا بالتدخل في شؤون السودان؟.. إلخ
أسئلة كثيرة إذا أجبت عنها فإنك ستتعجب من إصرار هؤلاء على إسلامية نظام البشير، برغم أنه كان نظاما علمانياً بإقرار دستوره وشكل دولته، فكل الحكومات في السودان منذ الاستعمار إلى اليوم لم تحكم بالإسلام، ارجع لكل الدساتير منذ دستور الحكم الذاتي 1953م، الذي وضعه المستعمر حتى دستور 2005م، فهي كلها دساتير علمانية بامتياز، والإسلام لا يذكر فيها مطلقا إلا على حياء عند الحديث عن دين أهل البلد، أو وضعه في مسافة واحدة مع العادات والتقاليد والأعراف، وما سُمي (بكريم المعتقدات!) حيث يوضع الإسلام دين الله عز وجل مع أديان البشر الوثنية المنحرفة، أو عادات الناس وتقاليدهم، فهذا الغش والخداع والتضليل ظل عملاء الاستعمار يمارسونه سواء أكانوا في الحكومة أم في المعارضة، لتضليل أهل السودان لمحبتهم لدينهم، فالسودان منذ خروج المستعمر وإلى يوم سقوط البشير 11/4/2019م، لم تحكمه دولة إسلامية بدستور إسلامي مطلقا، وإليكم الدليل من دستور 2005م، الذي يدعي العلمانيون ويزعمون أنه دستور إسلامي، حيث جاء فيه ما نصه: الدولة والدستور والمبادئ الموجهة، الفصل الأول: (1- (1) جمهورية السودان دولة مستقلة ذات سيادة، وهي دولة ديمقراطية. وجاء في رقم 13- (الدستور هو القانون الأعلى للدولة) 14- (أن يكون الشعب مصدر السلطات). 19- (اعتماد الديمقراطية والتعددية السياسية أساساً للحكم) 26- (الالتزام التام بحقوق الإنسان كما وردت في العهود والمواثيق الدولية).
وقد جاء فيما سُمي بالحوار الوطني، تحت عنوان 6-1 لجنة قضايا الحكم ومخرجات الحوار: رقم 26- (الإسلام والعرف وكريم المعتقدات مصادر التشريع في دولة السودان). حيث وُضع الإسلام العظيم، رسالة رب العالمين، على مسافة واحدة مع أعراف البشر ومعتقداتهم المنحرفة، وهذا احتقار للإسلام والمسلمين فالإسلام لا يضاهيه نظام ولا يرتقي لعظمته فكر ولا منهج بشري منحرف.
كذلك لم يشر نظام البشير إلى أن هُوية أهل البلاد هي الإسلام، بل جعل الهوية هي (السودانية) التي يجتمع فيها المسلم وغير المسلم، وهذا دليل كافٍ إلى أن نظام البشير لم يكن إسلامياً، فقد جاء في توصيات الحوار الوطني تحت عنوان لجنة الهُوية 1- (الاعتراف بأن ما يجمع بين السودانيين... هو سودانيتهم) وفي الفقرة 3- (التأكيد والتمسك بأن هوية الشعب السوداني سودانية وسن قوانين تعزز وتحمي ذلك).. فالوطنية؛ هي الرابطة ذاتها التي صنعها الاستعمار فمزق بها بلاد المسلمين عبر اتفاقية سايكس بيكو، تنفيذاً لسياسة فرِّق تسد. برغم أن الإسلام حسم أمر هُوية المسلمين فحصرها في الإسلام، بغض النظر عن اللون أو العرق أو القبيلة أو العنصر، قال تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾ الحجرات. وقال تعالى: ﴿وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ﴾. وقال عليه الصلاة والسلام «مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى».
بل إن حزب البشير، المؤتمر الوطني، لم يكن حزباً إسلامياً، فهو حزبٌ علماني والإسلام ليس شرطاً للعضوية فيه، فكما عبروا عنه أنه وعاء جامع يجمع الجميع المسلم وغير المسلم.
بل منع نظام البشير حسب قانون الأحزاب قيام الأحزاب على أساس الإسلام، فعلى سبيل المثال فإن حزب التحرير لم يكن حزباً مرخصاً حسب قانون الأحزاب وحسب دستور البشير في 2005م، الذي جاء فيه، تحت عنوان: حرية التجمع والتنظيم ما نصه: 40- (2) ينظم القانون تكوين وتسجيل الأحزاب السياسية والجمعيات والنقابات والاتحادات المهنية وفقاً لما يتطلبه المجتمع الديمقراطي.
(3) لا يحق لأي تنظيم أن يعمل كحزب سياسي على المستوى القومي أو مستوى جنوب السودان أو المستوى الولائي ما لم يكن لديه: (أ) عضوية مفتوحة لأي سوداني بغض النظر عن الدين أو الأصل العرقي أو مكان الميلاد. (ب) برنامج لا يتعارض مع نصوص هذا الدستور.
والأمر المهم الذي سكت عنه الكثيرون، وهو أن مسمى نظام الحكم في السودان هو (جمهورية السودان) وذلك موجود في كل الوثائق الرسمية؛ شهادة الميلاد والبطاقة الشخصية والجواز والرقم الوطني.. إلخ فهي دليل واضح أن حكومة البشير حكومة ديمقراطية، فالنظام الجمهوري؛ هو نظام ديمقراطي يجعل التشريع للجمهور أي للبشر، وليس لرب البشر سبحانه وتعالى، أي يكون التشريع عبر البرلمانات والمجالس التشريعية، وهذا الذي كان واضحا في عهد البشير، سواء أكان ذلك صورياً بحيث يتحكم البشير في كل القرارات أم كان حقيقياً في نظام ديمقراطي حزبي، فكله حكم البشر، وليس حكم الله اللطيف الخبير، فكل الجرائم التي مرت بالبلاد من فصل الجنوب، وحرب دارفور وما شابهها من حروب، وتحليل الربا المغلظ تحريمه، وفرض الضرائب والجمارك، وقانون الطوارئ، برغم مخالفات هذه الأحكام الواضحة للأحكام الشرعية، إلا أنها مرت عبر البرلمان والمجالس التشريعية، ضاربين بالأحكام الشرعية والنصوص القطعية عُرض الحائط! فبعد كل هذا كيف يكون نظام البشير إسلامياً؟!
بعد كل هذا السرد والتفصيل نقول: هذا هو دستور البشير، وهذه هي أفكار حكمه، وأسس نظامه، الذي يقر بأن نظامه كان ديمقراطياً جمهورياً علمانياً، فلماذا يصر البعض إلى الترويج بأنه كان إسلامياً؟! فمن يفعلون ذلك فهم واحد من اثنين: إما جهلاء بالإسلام، أو أنهم أصحاب أجندة خاصة يعملون على شيطنة الإسلام لإبعاده وإقصائه لتمرير أجندتهم، التي لن يقدروا على تمريرها مع وعي المسلمين على الأحكام الشرعية، التي لن تسمح لهم، بل وستفضح قبيح فعلهم، لذلك كان لا بد من شيطنة الإسلام باسم (الكوزنة) أو (حكم الإسلاميين)، الذين ثبت أن نظامهم كان علمانياً، ليستمر التضليل ليتمكن المستعمر عبر سفاراته من حكم السودان وعدم السماح لحكومة مستقلة عنه من المخلصين من أهل البلد يستقلون بها عن المستعمر ويقطعون أياديه الناهبة للثروات، فالمستعمر يريد استمرار حكمه (مرة بالتضليل باسم الإسلام، ومرة بعداء الإسلام)، ولكن في كلا الحالتين سيظل الإسلام نقياً صافياً، ناصعاً، راقياً، واضحاً وضوح الشمس في رابعة النهار...
كفانا أنظمة علمانية ملتحية كانت أو سافرة، فإننا في السودان نتوق لإقامة الإسلام وتطبيق أحكامه في دولة خلافة راشدة على منهاج النبوة منفذين وصية نبينا ورسولنا وحبيبنا محمد عليه الصلاة والسلام، القائل: «عَليْكُمْ بسُنَّتِي وسُنَّةِ الخُلَفاءِ الرَّاشِدِينَ المَهْدِيِيِّنَ عَضُّوا عَلَيْهَا بالنَّواجِذِ»، لنكون كما أراد الله لنا أن نكون؛ خير أمة أخرجت للناس.
بقلم: الأستاذ محمد جامع (أبو أيمن)
مساعد الناطق الرسمي لحزب التحرير في ولاية السودان
رأيك في الموضوع