يقول تعالى في كتابه العزيز: ﴿كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ * يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنظُرُونَ * وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتِيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللّهُ أَن يُحِقَّ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ﴾.
الله عز وجل لم يقل "خرجت" وإنما ﴿أَخْرَجَكَ﴾ لأن خروجك في سبيل الله طاعة له وامتثالا لأمره وكأنه هو الذي يخرجك بتوفيق منه فتلمس رعايته وتحس بمعيته فتسير متوكلا عليه راجيا نصره.
وإذا العناية لاحظتك عيونها *** نم فالمخاوف كلهن أمان
هذه الآيات الكريمة في سورة الأنفال وكأنها تومئ إلى واقعنا الحالي، وعِبر القرآن ومواعظه قائمة إلى يوم الدين.
ولكن في زماننا هذا أصبحت معاني هذه الآيات مقلوبة؛ فهناك خرج رسول الله e ليقطع الطريق على قريش وهنا خرج قادات الفصائل اليوم ليفتحوه للنظام المجرم!
هناك خرجوا لاستعادة أموالهم من قريش، وهنا فرضوا علينا الضرائب والمكوس لينهبوا أموالنا!
هناك يريد الله أن يحق الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين فأظفر المسلمين إياهم بمعركة بدر الكبرى فاتحة الفتوحات، بينما هنا تغلق المعارك على النظام المجرم ولا نرى إلا بعض الردود الخجولة أحيانا والتي لا تسمن ولا تغني من جوع، وبعض العمليات الانغماسية من بعض المجاهدين المخلصين الذين يتحرقون شوقا لفتح المعارك والذين لم يدخلوا ساحات الجهاد لا لمال ولا دنيا يصيبونها وإنما ليذيقوا النظام المجرم بأسا شديدا وينسوه وساوس الشيطان ويثأروا لآهات المعذبين.
إن من أخطر ما ابتليت به ثورة الشام المباركة انسياق الكثير من أهلها (انخداعاً) وراء النظام التركي الذي كما يقول الشاعر:
يعطيك من طرف اللسان حلاوة *** ويروغ منك كما يروغ الثعلب
فأعطوه قيادتهم وساروا خلفه فأورد الثورة المهالك وانتقل ليسلم مقابل كل درع أو غصن منطقة أو مناطق ويهجّر أهلها منها ويستقبلهم استقبال المضياف ليشعرهم بأنه الأم الرؤوم!
في هذا السياق جاء اتفاق سوتشي المشؤوم المنعقد بين الضامن الروسي الذي ضمن قتلنا والضامن التركي الذي ضمن صمتنا وعدم فتح المعارك، بل أكثر من ذلك السير باتجاه سحب السلاح الثقيل لنزع مخالب الثوار وفتح الطرقات للنظام لإنعاشه وتقطيع أوصال المحرر إلى ثلاثة أقسام يسهل ابتلاعها تباعا لتتحقق مقولة: "من صاحب الذئب يوما أورده الموت غيلة".
ولا يفوتنا أن نذكر هنا أن النظام الذي يعربد ويقصف ويقتل ويشرد ويدمر هو في أشد حالات ضعفه، فهو متهالك متهاو، وقد أثبت لنا ذلك مؤخرا الثوار الصادقون في حوران، لذلك يحرص الضامن التركي على عدم خوض معارك ضده.
ومن هذا المنطلق وفي سياق ما ذكرنا نقول: إن عتبنا ليس على المجرمين الروس والنظام وأحلافهم وأشياعهم فهم أعداؤنا، وليس على النظام التركي فقد صرح مرارا وتكرارا أن ما يهمه من ثورتنا حماية حدوده لا الدماء ولا الأشلاء ولا الأعراض، ولا نعتب على قادة الفصائل فقد باعوا دينهم بعرض من الدنيا زائل وقد خبرناهم على مدى ثماني سنوات أنهم ما وجدوا إلا ليئدوا الثورة ويسلموها للنظام بعد أن يملأوا خزائنهم من داعميهم ثم يأتي النظام وينتقم من هؤلاء القادة غير مأسوف عليهم ولكن بعد أن يعيث في الأرض الفساد ويهلك الحرث والنسل...
إنما عتبنا موجه على شقين: أحدهما للعناصر المخلصة ممن لا تزال روح الثورة والجهاد متقدة في صدورهم ويتمنون ذلك اليوم الذي يواجهون فيه النظام المجرم ليقتصوا للدماء المسفوكة والأعراض المنتهكة فنقول لهم:
اعلموا أنه لا قائد بلا مقود وإنما أصبح قادة الفصائل قادة بكم وقد علمتم خيانتهم، ألم يأن لكم أن تنفضوا عنهم وتكملوا مسيرتكم؟ فالأمة بانتظاركم والقائد يتاجر ببطولاتكم فلا تكونوا عونا للظالمين وجددوا العهد مع الله. هل تسكتون على دخول الدوريات التركية والتي ستلحقها قريبا لا قدر الله الدوريات الروسية؟! وقد رأيتم كيف أن الدوريات التركية ما هي إلا لمراقبة الثوار وضمان عدم تحركهم ضد النظام، ورأيتم أيضا أنها لا تدخل قرية وتخرج منها إلا ويقصفها النظام مما يدل على التنسيق بين الطرفين.
أما الشق الآخر من عتبنا فهو على أبناء الأمة في الشام الذين لم يعرفوا قدرهم ولم يدرك الكثير منهم مدى قوته فيما لو رفع الصوت عاليا.
إن بعض الأصوات المباركة التي ارتفعت وخرجت إلى نقاط شهود الزور التركية أخرت تطبيق اتفاق سوتشي المشؤوم الذي كان من المفترض تطبيقه منذ العام المنصرم فكيف إن ارتفع صوت الجميع؟
فالمطلوب منكم يا أهل الشام أن تقفوا سدا منيعا أمام المؤامرة وتكونوا على قدر المسؤولية فالأمر جد لا هزل، احتضنوا الثوار الصادقين ليكملوا مسيرة الثورة فيسقطوا النظام ويقام حكم الإسلام ويعز المسلمون ونعود لسابق عهدنا قادة الأمم وتتحقق بنا بشرى رسول الله e «إِنَّ اللهَ زَوَى لِيَ الأَرْضَ فَرَأَيْتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا وَسَيَبْلُغُ مُلْكُ أُمَّتِي مَا زُوِيَ لِي مِنْهَا». فهل نجد عندكم آذانا صاغية؟
﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ﴾
بقلم: الأستاذ عامر سالم أبو عبيدة
رأيك في الموضوع