طالعتنا صحيفة الاتحاد الإماراتية - كعادتها - صباح الجمعة 27/10/2017 بهجوم على الإسلام، وعلى مفهوم الخلافة فيه، تولّى كِبْرَه محمد ولد المنى في عرضه لكتاب المستشار الديني في ديوان محمد بن زايد، د. فاروق حمادة الذي كان بعنوان: "مفهوم الخلافة الإسلامية.. جدلية النموذج بين الماضي والحاضر".
يقول كاتب المقال في آخر مقاله: "وهكذا فالخلافة، بمعنى الحكم وطرق توليه والدولة وبنيتها واختصاصها، وعلاقتها بالمجتمع وأفراده، ما تزال فكرة غائمة عند التيارات السياسية الإسلامية المعاصرة، إذ ليس لديها مشروع واضح ولا خطاب ناضج في ذلك". (الاتحاد).
لعل من يقرأ هذا المقال يتبادر إلى ذهنه أن كاتب المقال قد اطّلع بالتفصيل المملّ على التيارات السياسية الإسلامية المعاصرة ولم يجد فيها ما يستحق الإشارة إليه فكتب ما كتب، ولكن القراء المنصفين يدركون الحقيقة التي لا يعرفها كاتب المقال ومن قبله المستشار الديني لديوان محمد بن زايد، أو يعرفونها وقاموا بإخفائها وتضليل الناس، فكما قال الشاعر: (إن كنت تدري فتلكَ مصيبةٌ وإن كنتَ لا تدري فالمصيبة أعظمُ).
إن القارئ المنصف الباحث عن الحقيقة يدرك أن حزب التحرير قد تبنّى مشروع الخلافة منذ أكثر من ستة عقود، وفصّل فيها تفصيلاً يزيل الغشاوة عن قلوب المنصفين، ويُظهر الحق لكل ذي عينين، مبيّناً كل ذلك بالأدلة الشرعية المعتبرة، ويكفي من أراد الاستيثاق من هذا القول أن يطّلع على كتاب نظام الحكم في الإسلام، أو على كتاب الشخصية الإسلامية الجزء الثاني، أو على كتاب الدولة الإسلامية، ويكفيه أن يقرأ كتاب أجهزة دولة الخلافة في (الحكم والإدارة).
لقد بيّن حزبُ التحرير مشروع الإسلام العظيم - الخلافة - في كثير من كتبه، وفي مئات بل آلاف من الإصدارات، في أكثر من أربعين بلداً في العالم، ومكاتبه الإعلامية وناطقوه الرسميون يملأون الآفاق، حتى صار مشروع حزب التحرير هو مشروع الأمة، إلى حدّ أقضّ مضاجعَ الحكام في بلاد المسلمين، ومن ورائهم أسيادهم في دول الغرب، فأطلقوا أبواقهم من العلماء والإعلاميين والكتاب لمحاربة هذا المشروع... وليس قولنا هذا نسجاً من الخيال، فلعل كاتب المقال والمستشار الديني من قبله لم يسمعوا عن مؤتمر العلماء في إندونيسيا في 21/7/2009 الذي حضره أكثر من سبعة آلاف عالم من علماء المسلمين من إندونيسيا ومصر والشام وفلسطين ولبنان واليمن وباكستان والهند وبنغلاديش وتركستان الشرقية وتركستان الغربية وتركيا والجزائر والسودان وبريطانيا وغيرهم، وحضره ما يقارب عشرة آلاف رجل نادوا جميعهم بصوت واحد بأن مشروع الأمة هو مشروع حزب التحرير - الخلافة -.
لقد بيّن حزب التحرير أن شكل نظام الحكم في الإسلام (الخلافة) متميز عن أشكال الحكم المعروفة في العالم، سواء أكان في الأساس الذي يقوم عليه، أم بالأفكار والمفاهيم والمقاييس والأحكام التي تُرعى بمقتضاها الشؤون، أم بالدستور والقوانين التي يضعها موضع التطبيق، أم بالشكل الذي تتمثّل به الدولة الإسلامية، والذي تتميّز به عن جميع أشكال الحكم في العالم أجمع، فهو ليس نظاماً ملكياً، ولا يقرّ النظام الملكي، ولا يشبه النظام الملكي، وكذلك ليس نظاماً إمبراطورياً، النظام الذي يجعل ميزة لمركز الإمبراطورية على الأقاليم، وهو ليس نظاماً اتحادّياً تنفصل أقاليمه بالاستقلال الذاتي وتتحد في الحكم العام، وهو ليس نظاماً جمهورياً رئاسياً ولا برلمانياً، وهو ليس نظاماً ديمقراطياً بالمعنى الحقيقي للديمقراطية، من حيث إن التشريع للشعب، يحلل ويحرّم، ويحسّن ويقبّح... بل إن نظام الحكم في الإسلام هو الخلافة، وأجهزتها تختلف عن أجهزة النظم المعروفة الآن وإن تشابهت في بعض مظاهرها.
وكذلك فصّل حزب التحرير في بيان أجهزة دولة الخلافة، برؤية واضحة بيّنة وبنضج لم يُعْهَدْ عند أحد من السابقين أو اللاحقين، واستنبط من الأدلة الشرعية كيفية تنصيب الخليفة ووجوب طاعته في المعروف، وحدّد صلاحياته، ولم يتركْ شيئاً يتعلّق به إلا بيّنه وفصّله بالدليل الشرعي الصحيح والاستنباط الشرعي الصحيح، حتى فصّل في الألقاب التي تُطلق عليه وأدلّتها، وبين شروط الخليفة وقسّمها إلى شروط انعقاد وشروط أفضلية، وبيّن الإجراءات العملية لتنصيب الخليفة، وغير ذلك مما لا تتسع هذه السطور لحصره.
أما أجهزة دولة الخلافة في الحكم والإدارة فقد أشبعَها حزبُ التحرير بحثاً وتفصيلاً واستدلالاً، فحصر عددها بثلاثة عشر جهازاً، هي: الخليفة، المعاونون (وزراء التفويض)، وزراء التنفيذ، الولاة، أمير الجهاد (الجيش)، الأمن الداخلي، الخارجية، الصناعة، القضاء، مصالح الناس، بيت المال، الإعلام، مجلس الأمة (الشورى والمحاسبة). وشرح كلّ جهاز منها مبيّناً دليلَه الشرعيّ، ووجه استنباطه، شارحاً تعريفه وصلاحياته بما لا يدع مجالاً لتساؤل يُطرح، أو شبهة تُقال، أو تهمة تُرمى، وأدعو كل قارئ ليستزيد في ذلك بالعودة إلى كتب حزب التحرير وإصداراته في مواقعه المختلفة، التي تكاد تفوق الحصر.
إن النضج الذي وصل إليه حزب التحرير في بيان مشروع الأمة، مشروع الخلافة، قد بلغ الغاية العظمى، والدرجة القصوى، شرح كل ذلك في كتبه وإصداراته، ومؤتمراته ومحاضراته، وصحفه وإذاعاته، وفي مواقعه الرسمية ومكتبه الإعلامي ومكاتبه الفرعية بوضوح ليس بعده وضوح، ونضج وعراقة لم يُسبَق إليها، ولم يلحقْه في ذلك أحد، لا يُحتاج للتأكد من ذلك إلا إلى بصيرة باحثة عن الحق، وبصر لا تعلوه غشاوة، ولا تشغله شواغل الدنيا، ولا تجذبه مطامعها، ولم يبق طويلُ وقت حتى ترى الأمة هذا المشروع مطبقاً في أرض الواقع، بعزِّ عزيز أو بذلّ ذليل، وما هي إلا عشية أو ضحاها حتى يتنزّل نصر الله لهذه الأمة على الفئة التي قامت على الحق ودعت إليه، ونذرت نفسها لإقامته بإذن الله العزيز الحكيم، وإن غداً لناظره قريب.
رأيك في الموضوع