أدى الفريق أول بكري حسن صالح، النائب الأول لرئيس الجمهورية، اليمين الدستورية، رئيساً للوزراء، يوم الخميس 02 آذار/مارس 2017م، وكلف البشير الوزراء الحاليين بتسيير المهام لحين تشكيل حكومة الوفاق الوطني، حيث تجري المشاورات مع الأحزاب، والحركات التي شاركت في الحوار الوطني، لتشكيل الحكومة منهم، وقال بكري رئيس الوزراء الجديد في السودان، عقب أدائه اليمين الدستورية: "إن ملامح الحكومة الجديدة ستكون على هدي مخرجات الحوار الوطني، من كل ألوان الطيف السياسي، والقوى السياسية، والمجتمعية، التي شاركت في الحوار". (موقع عربي 21). فما هي حقيقة حكومة الوفاق الوطني؟ وما هو المطلوب منها؟ وماذا يعني أن تكون على هدي مخرجات الحوار الوطني؟!
قبل الحديث عن حكومة الوفاق الوطني، لا بد من تسليط الضوء على الأساس الذي ستبنى عليه هذه الحكومة، وهو الحوار الوطني؛ الذي تم بموجبه تعديل مواد في دستور السودان الحالي (2005)، لإدخال بعض مخرجات الحوار الوطني، هذا الحوار الذي فرضته أمريكا على السودان، من أجل تحقيق مآربها، ففي الثالث عشر من آب/أغسطس 2013م، نشر معهد السلام الأمريكي ورقة بعنوان: (الطريق إلى الحوار الوطني في السودان)، كتبها المبعوث الأمريكي السابق للسودان - برنستون ليمان - بالاشتراك مع المدير السابق لبرنامج أفريقيا بالمعهد (جون تيمن)، حيث جاء في هذه الورقة: "أن السودان يحتاج بصورة ملحة للشروع في إجراء حوار وطني، وعملية إصلاح، يديرها الشعب السوداني بنفسه، ويدعمها المجتمع الدولي"، وأضافت الورقة أنه: "لضمان نجاح أي حوار وطني ينبغي إشراك أحزاب المعارضة السياسية التقليدية، والمجتمع المدني، بطريقة جادة".
وبعد خمسة أشهر، أي في كانون الثاني/يناير 2014م، زار الرئيس الأمريكي الأسبق، جيمي كارتر، السودان، والتقى الرئيس البشير، وبعدها بأسبوع واحد، أعلن البشير ما يسمى بحوار الوثبة، الذي انتهت بمخرجات في تشرين أول/أكتوبر 2016م، التزم الرئيس البشير بإنفاذها، حيث كان أهم ما جاء في هذه المخرجات، يتعلق بعلمنة السودان بصورة صريحة، حيث لم يذكر الإسلام أو الشريعة الإسلامية، إنما التزام كامل بالمواثيق الدولية، وهي معروفة، مواثيق لا علاقة لها بالإسلام، إضافة إلى ذكر النظام الفدرالي؛ الذي يؤدي في نهاية المطاف إلى تمزيق ما تبقى من السودان، وهي المطالب الأمريكية. فأمريكا تريد من السودان أن يكون دولة علمانية صريحة، لا مكان فيها لشعارات الإسلام التي كان النظام يدغدغ بها مشاعر الناس، لمعرفته بحب أهل السودان للإسلام، والمطلوب الآخر هو تمزيق ما تبقى من السودان، بعد أن نجحت، عبر هذا النظام، في فصل جنوب السودان، وهي تعلم أن النظام الحالي، وبشكله القديم، لا يستطيع لوحده تنفيذ ما تبقى من المخطط، ولذلك، لا بد من إضفاء الصبغة الشعبية لهذه الجريمة، بإشراك القوى السياسية الأخرى، التي لا يهمها إلا كراسي الحكم، ومنظمات المجتمع المدني، فكانت فكرة الحوار الوطني، لتمرير هذه المصائب، باعتبار أن أهل السودان، ممثلين في هذه الأحزاب والحركات، هي من قامت بهذا العمل.
وها نحن نرى نذر الشر، التي بدأت فيما يسمى بالتعديلات الدستورية الأخيرة، التي تدخلت حتى في تفاصيل علاقة الرجل والمرأة (النظام الاجتماعي)؛ الحصن الأخير لأهل السودان، إضافة لما يسمى بالحريات، ومنها حرية العقيدة؛ التي من خلالها مطلوب من الدولة أن تقف على مسافة واحدة من كل الأديان الباطلة، والمحرفة، والإسلام العظيم، دين الحق الذي أنزله رب العزة جل جلاله، على رسولنا الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، أي تريد أمريكا مساواة الحق بالباطل. وحتى تمرر هذه التعديلات، أثير حولها لغط، وشغل الناس بها، وصارت تناقش باعتبارها موضع خلاف.
إذن، فإن حكومة الوفاق هذه مطلوب منها إكمال إدخال مخرجات الحوار الوطني في الدستور القادم، باعتبار أن هذه المخرجات هي ما توافق عليه هؤلاء، وفي مقابل كل هذا وذاك، قدمت أمريكا بعضاً من الجزرة، عندما أعلن الرئيس الأمريكي السابق (أوباما)، في نهاية فترته، عن رفع جزئي للعقوبات الاقتصادية المفروضة من قبل أمريكا على السودان، ووضع السودان لفترة ستة أشهر تحت بند حسن السير والسلوك، ومنّوهم بالرفع الكامل إذا التزمت الحكومة بالمطالب الأمريكية، ولذلك يحرص النظام الآن كل الحرص، ويسعى بكل ما أوتي من غباء في تنفيذ ما تريده أمريكا، حتى التطبيع مع كيان يهود الغاصب لأرض الإسراء والمعراج، لذلك لا يمكن للحكومة القادمة (الوفاق الوطني) أن تفعل خيراً للسودان، وأهل السودان، وإنما هي مجرد حكومة مهمتها تنفيذ مخططات أمريكا الشيطانية، وتكريس التبعية الكاملة لأمريكا، وخدمة مصالحها في السودان.
إذن ما هو المطلوب من أهل السودان إزاء هذا الواقع الكارثي؟
إن المطلوب من أهل السودان هو منع هذه المخططات من أن تنفذ في أرض الواقع، وكشف كل القوى السياسية المنخرطة في مشروع أمريكا الخبيث، وكشفهم، حيث إن السكوت على هذه الجرائم والمؤامرات، سيؤدي لضياع السودان، كما ضاع من قبل، ثلثه، وضياع السودان لن يكون إلا بتشريد أهله، كما هو حادث الآن في جنوب السودان، الذي أضحى محرقة لأهله، وأخطر من كل ذلك ضياع ديننا الحنيف، وهو خسران الدنيا والآخرة. فالحل واحد، هو الأخذ على أيدي هؤلاء الظلمة، لمنعهم من تنفيذ مؤامرات أمريكا في نسختها الثانية في السودان، والعمل الجاد مع المخلصين من أبناء هذه الأمة، لإقامة مشروعها، وهو مشروع استئناف الحياة الإسلامية، بإقامة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة، لتقطع يد الكافر المستعمر، وتحفظ بلادنا من التمزيق والتفتيت، وتطبق شرع ربنا على الحياة كلها، فنسعد في الحياة الدنيا، ونفوز في الآخرة بجنات النعيم.
* الناطق الرسمي لحزب التحرير في ولاية السودان
رأيك في الموضوع