أعلن رئيس غامبيا المنتهية ولايته يحيى جامع، يوم السبت ٢١/١/٢٠١٧م، عبر التلفزيون الرسمي، التنحي عن السلطة، قائلاً "قررت اليوم بما يمليه علي ضميري، أن أترك قيادة هذه الأمة العظيمة". وجاء هذا الإعلان بعد ضغوط تعرض لها بعدما رفض قبول نتائج الانتخابات التي جرت في مطلع كانون الأول/ديسمبر الماضي، والتي فاز فيها خصمه المعارض، الرئيس الحالي آداما بارو، وقد أعلنت دول مجموعة غرب إفريقيا (إيكواس) أهمها السنغال ونيجيريا، دعمها للرئيس الجديد واستصدرت قراراً من مجلس الأمن الدولي بالإجماع لتفويضها بعمل عسكري لإجبار (جامع) على ترك السلطة، كما قام الرئيسان الغيني ألفا كوندي والموريتاني محمد ولد عبد العزيز بجهود وساطة لتنحي (جامع) عن السلطة، لينتقل إلى منفاه المؤقت في غينيا.
وبرغم اعتراف (جامع) بهزيمته في البدء عند ظهور نتيجة الانتخابات، إلا أنه عاد وأعلن الثلاثاء الماضي حالة الطوارئ، مشيراً إلى "مستوى كبير جدا من التدخل الخارجي لا سابق له في العملية الانتخابية في غامبيا". (موقع عربي ٢١، ٢٠/١/٢٠١٧م). كما أشار إلى حدوث أخطاء في الانتخابات. وقد أدى الرئيس المنتخب أداما بارو اليمين الدستورية في سفارة بلاده في داكار عاصمة السنغال، وطلب مواصلة العملية العسكرية التي شنتها دول غرب أفريقيا في غامبيا، معتبرا أن الشروط الأمنية لعودته إلى البلاد غير متوفرة بالكامل، رغم رحيل سلفه (يحيى جامع) المتهم بأنه أفرغ خزائن الدولة قبل توجهه إلى منفاه، حيث اتهم بأنه سحب في غضون أسبوعين ما يقرب من 10,7 ملايين يورو. (سكاي نيوز، 23/01/2017م)
تعتبر غامبيا من أصغر الدول الإفريقية، حيث لا تتجاوز مساحتها 10.7 آلاف كلم مربع، وعدد سكانها لا يتجاوز مليوناً و800 ألف نسمة، بينما لا تتعدى قواتها 1900 جندي، ويمثل المسلمون 95% من عدد سكانها.
وقد وصل الرئيس السابق يحيى جامع، 51 عاما، إلى الحكم عن طريق انقلاب عام ١٩٩٤م، ومكث في الحكم إلى كانون أول/ديسمبر ٢٠١٦م. وكان ضابطا صغيرا في الجيش، وحكم لأربع مرات متتالية ما يقارب ٢٢ عاماً، كعادة الانتخابات المسرحية التي تصنعها وتنتجها الحكومات القائمة في بلاد المسلمين لإضفاء شيء من مساحيق التجميل لتزيين وجوه حكوماتهم القبيحة المغتصبة لسلطان الأمة. ومن أبرز قراراته خلال فترة رئاسته إعلانه أن بلاده أصبحت جمهورية إسلامية، وذلك بعد 21 سنة من حكمه، بتاريخ 11 كانون الأول/ديسمبر 2015 حين قال: "غامبيا في يدي الله، وابتداء من اليوم فإن غامبيا دولة إسلامية، وسنكون دولة إسلامية تحترم حقوق المواطنين". كما اعتدنا سماع هذه الأسطوانة المشروخة عندما تضيق الدوائر على الحكام الرويبضات فإنهم يفزعون إلى جعل الإسلام ويتخذونه شعاراً لاستمرار وديمومة حكمهم البائد، يخدعون به المسلمين ويطيلون أمد الظلم.
إنَّ الوضع في غامبيا يشير إلى المأساة التي تعيش فيها بلاد المسلمين!
إذ لا قرار ولا إرادة في إدارة الحكم لا للشعب ولا للحكام الضعاف الذين لا يستطيعون أن يهشوا الذباب عن أنوفهم إلا بإذن من أسيادهم في الدول الاستعمارية. وكذلك يبين حجم المعاناة التي تواجهها الأمة من شاكلة هؤلاء الحكام الذين هم ليسوا من جنس الأمة حيث أدخلوا بلاد المسلمين في مغامرات ونضالات زائفة دفع الناس ثمنها فقراً وجوعاً ومرضاً وانهياراً في كل شأن من شؤون الحياة ولا يخفى على أحد ضعف هذه الدويلات الورقية التي صنعها الاستعمار لخدمة مصالحه في بلاد المسلمين، وتفانيها في تحقيق أهدافه وبقائه، لتأتي مثل هذه الأحداث حتى تُظهر كيف أن الكافر المستعمر لا يحفظ جميلا لخادميه ولا قيمة عنده لعملائه الذين سريعا ما يلقي بهم على قارعة التاريخ بعد أن يستنفد أغراضه منهم.
إن ما يدور في أفريقيا وفي بلاد المسلمين جزء منه إنما هو صراع لأجل الحفاظ على مصالح الدول الاستعمارية المتحكمة في بلاد المسلمين، مثل فرنسا في منطقة غرب أفريقيا، وبريطانيا وأمريكا في شرق ووسط أفريقيا، مع دوران الدائرة على هذه القوة أو تلك؛ إذ لا قيمة لاختيار الناس بماذا يحكمون، ولا حكام دول الجوار مَن يقررون من يكون حاكما ومن لا يكون، فكلهم مرتبطون بدول يقدمون لها فروض الولاء والطاعة، قد تلتقي مصالحهم وقد تختلف، ولكن المهم هو أن السلطان في هذه الدويلات الكرتونية ليس للأمة ولا للحكام العملاء وإنما هو للدول الاستعمارية التي ترعى هذه الحكومات، وتمدها بأسباب الحياة، ولولاها ما حكم هذه الأمة العظيمة أمثال هؤلاء الحكام الرويبضات المنهزمين في كل محفل من محافل العزة والكرامة.
إن هذه الأحداث في غامبيا تصور للأمة حكم البلاء الذي تعيشه بلاد المسلمين؛ إذ إن الحكم هو عبارة عن ضحية يفترسها الأقوياء الذين تأتي بهم دبابات الدول الاستعمارية، كما أن هذا الواقع يذكرنا كيف جاء الحسن وتارا رئيس ساحل العاج إلى الحكم عبر الدبابات الفرنسية، والرئيس الأفغاني السابق كرزاي الذي جاء على متن الدبابات الأمريكية، وحكومات العراق التي نشأت وترعرعت في حضن المحتل الأمريكي، والقائمة تطول، ومثل هؤلاء الحكام لا ينفكون عن خدمة المصالح والمطامع الغربية، السابقون منهم أو الحاليون.
إن أزمة الحكم في بلاد المسلمين لن تُحَل إلا بدولة مبدئية تنبع أنظمتها من عقيدة المسلمين، وتؤسس لكل قضية على أساس دينهم، وتسوسهم وفق وجهة نظرهم في الحياة، ولا دولة تقوم بذلك إلا دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، مبعث العز ومصدر الكرامة، وحامية بيضة المسلمين. التي تنفس صبحها، ودنا وقت قيامها، ولاحت بشائر إعلانها بإذن الله، قال تعالى: ﴿وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هُوَ قُلْ عَسَىٰ أَن يَكُونَ قَرِيبًا﴾
بقلم: محمد جامع (أبو أيمن)*
* مساعد الناطق الرسمي لحزب التحرير في ولاية السودان
رأيك في الموضوع