يتناول المراقبون للحروب الدائرة بين الأمم أو الجماعات بالتحليل، ثم يصفون هذا الطرف بالمنتصر، وذاك بالمنهزم. فإذا صح هذا في حال معينة، فكيف يصح مثله في قتال تدور رحاه بين الإخوة أبناء الأمة الواحدة كأمة الإسلام، باعتبارها ﴿خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ﴾...؟! بل كيف يسوغ قتل الأخ لأخيه تحت مسمى "التشدد" و"الاعتدال" وأمثالهما من الأوصاف..؟! كما هو الشأن في الحروب المستعرة في العراق وسوريا، واليمن وليبيا وغيرها، إنها - والله - (الحالقة)، لا تحلق الشعر بل تحلق الدين. وما كان هذا ليحصل لو لم يتبع الفرقاءُ الكفارَ في الشرق والغرب، ويسلموهم قياد بلدانهم.
أما داهية الموصل - التي نحن بصددها - فقد أسفرت المعارك الطويلة بعد قتال ضارٍ على مدى الأشهر الثلاثة الماضية منذ الشروع فيها في 17/10/2016، أسفرت عن انكسار عناصر تنظيم الدولة في جانب المدينة الأيسر - نظرا لنهر دجلة - الذي يقسمها نصفين: أيسر وأيمن. ثم الشروع في تطهير مبانيها ومرافقها العامة والخاصة من مخلفات التنظيم المشتملة على تنوع أسباب الموت والدمار. فقد أعلن العبادي، وقائد جهازمكافحة(الإرهاب) الفريق الركن عبد الغنيالأسدي الأربعاء "تحرير" الجانب الشرقي من المدينة، وأنالقواتالحكوميةأخضعتهلسيطرتها. وقد تكبد التنظيم خسائر فادحة بالأرواح والمعدات. كما أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية أن القوات العراقية تمكنت من تحرير أهم المباني الحكومية الخاصة بإدارة المحافظة، الواقعة في عاصمتها، مدينة الموصل. واعتبرت إليزا سلوتكين - القائمة بأعمال نائب وزير الدفاع الأمريكي هذا الإنجاز انتصارا رمزيا كبيرا للجيش العراقي ونجاحا ملموسا لعملية تحرير الموصل. (موقع الكوثر).
والحق، أن عناصر التنظيم قد فشلوا في كسب ود أهل الموصل، وصاروا في نظر الجميع معتدين قُساةً لم يرفقوا بأهلها، وأذاقوهم ألوان العذاب، متخذين الناس وبيوتهم دروعا بشرية، والمباني العامة والمساجد والمستشفيات أوكارا ومقار لقادتهم، فضلا عن الأنفاق العجيبة تحت المدينة، وبمساحات وأحجام يرى الناظر فيها أن المدينة ستغور يوما بفعلها. لذا، بات الأهالي يرشدون القوات الحكومية إلى مواطن تلك المقار ومراكز التفخيخ ومخازن الأسلحة - بحكم المعايشة قرابة عامين ونصف منذ حزيران 2014. أكد ذلك التعاون قائد الشرطة الاتحادية الفريق جودت قائلا: "إن تعاون الأهالي كان سببا في تجاوز ذلك التحدي ودحر المسلحين في أحياء عدة من الساحل الأيسر للمدينة". وأضاف: أنه "مع كل تقدم يوفر لنا المواطنون كما هائلا من المعلومات حول المعاقل السرية والمموهة للتنظيم". وقال نور الدين قبلان عضو مجلس محافظة نينوى: إن "التفاف السكان حول قواتهم العسكرية، وتزويدهم لها بالبلاغات الاستخبارية عن أماكن اختباء عناصر التنظيم وتحركاتهم أجبر العدو على تغيير ملاذاته، وأحبط كل محاولاتهم للاستفادة من الظروف المعقدة للمعركة". (موقع ديارنا).
ويذكر أن الحكومة فتحت باب التطوع لأهالي الموصل الراغبين في المساعدة على حفظ الأمن في النواحي التي تم (تحريرها) من قبضة تنظيم الدولة. أكد ذلك، حسن السبعاوي عضو اللجنة الأمنية بمجلس المحافظة: "أن أكثر من 3 آلاف متطوع من المناطق المحررة تم انضمامهم إلى صفوف الشرطة المحلية لحد الآن"، موضحا: أن "هذه الأعداد تمثل وجبة أولى من المتطوعين حيث تخطط الحكومة لفتح باب التطوع للمزيد من الأفراد ليتراوح عدد عناصر الشرطة بين 12- 30 ألف عنصر لضمان قدرتها على أداء واجباتها الأمنية بالشكل الصحيح". (الموقع السابق).
ولا يخفى على المراقب بطء سير المعارك بالمقارنة مع بداية العمليات العسكرية، وأسباب ذلك - بحسب سيدو التاتاني عضو مجلس المحافظة - حيث قال: "إن تأخر تحرير الموصل ليس دليلا على قوة التنظيم، بل هو نتيجة حرص الجيش على سلامة البنية التحتية، وحفظ أرواح المدنيين، ما يعيق سرعة حسم المعركة".
بعد ما أنجز - لحد الآن - لا يبدو حسم المعركة ممكنا، ولم تشارف على الانتهاء..! ذلك، أن الجزء الأصعب - أعني الجانب الأيمن - لم يتم تحريره، بل الاجتماعات قائمة الآن بين القيادات العسكرية والميدانية، فقد صرح الفريق الركن الأسدي: "أن اجتماعات عالية المستوى ستعقد خلال الأيام المقبلة تنضم إليه كل القيادات والتشكيلات العسكرية بجميع صنوفها، وسيحضرها مستشارون أمريكيون لبحث خطة أكثر فاعلية من سواها في الهجوم على "التنظيم، لتحديد موعد بدء العمليات". وأفادت مصادر أمنية عن البدء بتركيب الجسور العائمة على نهر دجلة خلال الأيام القليلة المقبلة تمهيدا لنقل المعارك إلى الجانب الأيمن. (الزمان والصباح الجديد). والصعوبات التي تكتنف عمليات التحرير في الجانب الأيمن، تحدث عنها باتريك مارتن وهو محلل مهتم بشؤون العراق ويعمل لصالح معهد دراسات الحرب: "إن القادم أعظم، وعلى قوات التحالف وقوات الأمن العراقية أن تتوقع معركة شرسة في غرب الموصل، بسبب الكثافة العمرانية، والأحياء القديمة وضيق الشوارع، ما يجعل تطهيرها صعبا جدا". (جريدة الزمان).
ولا يزال التنبؤ بما ستؤول إليه أوضاع الموصل بعد طرد التنظيم أمرا ضبابيا يصعب معه القطع بخيار ما دون سواه، لتشابك الرؤى للأحزاب السياسية، وتناقض مصالحها، وتنوع ولاءاتها، ما يزيد الأمر تعقيدا. ومن أهل الموصل من لا يرى سلطانا لأحد غير شرع الله تعالى، ومنهم العروبي الذي يأبى سيطرة إيران وأذرعها، وفيهم اللاهث وراء المناصب بصرف النظر عن أثمانها، وفيهم المتعصب للعرق والعشيرة... وهكذا. أضف إلى ذلك، مشروع التقسيم والفدرلة الذي جاءت به أمريكا الغازية لتمحو بلدا موحدا اسمه العراق. فلعل الله يأخذ بيد العاملين على مشروع الخلافة الحقة على منهاج النبوة ويكلل مساعيهم بالتوفيق والنصر فيعم الخير ويضمحل الباطل، ويرينا ما تقر به أعين المؤمنين، وتخزى به رؤوس المجرمين المعتدين وما ذلك على الله بعزيز.
بقلم: عبد الرحمن الواثق – العراق
رأيك في الموضوع