قام (إدوارد سنودن السوري) قبل سنتين بفضح نظام الأسد من خلال تسريب 53295 صورة لأكثر من 6000 سجين ميت تحمل أنحاء أجسادهم المدمرة آثار التعذيب والتجويع. مثل إدوارد سنودن الأمريكي الذي فضح جرائم التنصت والتجسس للأجهزة الأمريكية، فإن قيصر، وهو اسم مستعار لحماية شخصيته الحقيقية،كان عاملاً فنيًا بسيطًا، لم يقبل أن يبقى صامتًا عن انتهاكات النظام السوري لحقوق الإنسان. ومع ذلك، فإن تسريبات قيصر تختلف عن تسريبات سنودن في أنها لم يكن لها تأثير على الأنظمة الديمقراطية. في الواقع، فإن المجتمع الدولي أدار وجههبعيدا عن جرائم بشار ضد الإنسانية، ووجهه نحو عرض "مسرح الدمى" الذي قدم فيه تنظيم الدولة فيديوهات أعدت بعناية لإعدامات بأساليب غريبة تمت في مناطق أثرية عالمية لصرف الانتباه عن جرائم بشار. وفوق ذلك، فإن بشار الأسد صرح في كانون الثاني/يناير 2015 بالقول "يمكن أن تجلب صورا من أي شخص وتزعم أن هذا تعذيب. هذه أدلة لا يمكن التحقق منها، ولهذا فإنها كلها ادعاءات من دون برهان"، وبمثل هذه الكلمات حافظت أنظمة العالم الديمقراطية على مؤامرة الصمت تجاه ما يقوم به بشار من أجل مساعدته على سحق عدوهم المشترك الذي يتألف من الجماعات المخلصة التي تقاتل من أجل التخلص من نظام بشار وتحرير الشام من الهيمنة الغربية.
وفي يوم 16/12/2015 أصدرت منظمة حقوقية مشهورة وهي، هيومن رايتس ووتش، تقريرا جديدا بعنوان "لو تكلم الميت، الوفيات الجماعية والتعذيب في المعتقلات السورية"، عرض نتائج تحقيق مكثف ودقيق على مدى ستة أشهر تثبت صحة الصور التي سربها قيصر.
يقدم التقرير وثائق مؤكدة تثبت جرائم بشعة ضد الإنسانية ارتكبها نظام بشار ضد أهل سوريا. كان قيصر مصور الطب الشرعي للأجهزة الأمنية الحكومية، وكان عمله التسجيل بالصور، بعناية وبشكل ممنهج، وفاة المعتقلين في اثنين من المستشفيات العسكرية التابعة لبشار في دمشق لمدة 27 شهرًا منذ أيار/مايو 2011 وحتى هروبه خارج البلاد في آب/أغسطس 2013.
يبرهن تقرير هيومن رايتس ووتش على صحة الصور بتأكيدها من خلال "عشرات المقابلات مع سجناء سابقين ومنشقين كانوا يعملون في المستشفيات العسكرية السورية أو أجهزة المخابرات، ومع خبراء في الطب الشرعي وعائلات المفقودين". كانت هناك ثلاث فئات من الصور، والتي سجلت أيضًا وفيات لأفراد تابعين لأجهزة أمن بشار.
ويؤكد التقرير موقع التقاط هذه الصور، ويظهر كيف أن الولايات المتحدة كانت مطلعةً بالكامل على الأمر: "صور الجثث التي تستنتج هيومن رايتس ووتش أن أصحابها توفوا في المعتقلات - التقطت داخل ما يبدو أنها حجرات في مشارح، أو في فناء قال قيصر إنه مرآب سيارات في أحد المستشفيات العسكرية. أخبر قيصر كلا من فريق المحامين الدوليين الذي يحقق في الصور والكونغرس الأمريكي، أن الصور التقطت داخل المستشفيات العسكرية السورية. وقال أمام الكونغرس: "ما ترونه هنا مرآب مستشفى عسكري. اعتدنا أن نستغل المشرحة، لكنهم كانوا يحضرون مزيدا من الجثث، لذا قررنا استعمال المرآب بشكل دائم". باستخدام صور الأقمار الصناعية وتقنيات تحديد الموقع الجغرافي، فضلا عن أدلة قدمها منشق من المشفى 601 العسكري، تأكدت هيومن رايتس ووتش أن صور الفناء التقطت في فناء المشفى 601 العسكري في المزة في دمشق.
"ولفهم ما تشير إليه أرقام التعريف على الصور، راجعت هيومن رايتس ووتش شهادة قيصر أمام الكونجرس الأمريكي، والتقارير التي أعدها فريق محامين دوليين قابلوا قيصر على مدار 3 أيام، وتضمنت وصفًا مفصلاً لنظام الترقيم. كما قابلوا منشقين اثنين من الفروع الأمنية في دمشق، ومجندًا سابقًا في المشفى 601 العسكري وممرضاً سابقاً في مشفى تشرين العسكري. أفاد منشقون سابقون أنهم رأوا أرقامًا مكتوبة على جثث المعتقلين أو على بطاقات ملصقة بها قبل أن ينقل الحراس الجثث من الفروع الأمنية. أخيرًا راجعت هيومن رايتس ووتش وثائق مسربة تتضمن أوامر بتصوير الجثث ونقلها. بعض هذه الوثائق من مجموعة قيصر، وبعضها حصلت عليه هيومن رايتس ووتش مباشرةً من منشقين بناءً على المعلومات التي جمعت".
الجدول التالي يوضح مراكز الاعتقال حيث أخذت الجثث للتصوير:
الفرع الأمني | عدد ضحايا قيصر معرفا برقم الفرع |
215 (المخابرات العسكرية) | 3532 |
227 (المخابرات العسكرية) | 2043 |
المخابرات الجوية (تعرّف بحرف ج) | 352 |
216 "دوريات" (المخابرات العسكرية) | 293 |
235 "فلسطين" (المخابرات العسكرية) | 127 |
ويبين التقرير بأن هؤلاء هم فقط جزء ممن توفوا داخل السجن، حيث يقول التقرير "من المهم الإشارة إلى أن صور قيصر لا تمثل سجلا شاملا للوفيات في المعتقلات في منطقة دمشق في الفترة الزمنية التي التقطت أو جمعت فيها هذه الصور. فرغم أن العديد من مراكز الاعتقال أرسلت موتاها إلى مشفى تشرين والمشفى 601 العسكريَين، قال منشق عن أجهزة أمن الدولة السورية عمل حارسا في فرع أمن الدولة في الخطيب لـ هيومن رايتس ووتش إن من ماتوا في مركز الاعتقال الذي عمل به نقلوا إلى مشفى حرستا العسكري شمال شرق دمشق، وليس إلى مشفى تشرين أو المشفى 601 العسكري، حيث التقط قيصر الصور. علاوة على ذلك، الصور ليست عينة عشوائية، لكن تمثل الصور التي توصل إليها قيصر واحتفظ بنسخ منها، حين شعر أنه يستطيع أن يفعل ذلك، بقدر من الأمان النسبي. لذا، فإن عدد الجثث في مراكز الاعتقال، كما ظهر في صور قيصر، لا يمثل إلا جزءا من عدد من توفوا في مراكز الاعتقال في دمشق، أو حتى في هذه المنشآت بعينها، خلال فترة الـ 27 شهرا التي التقطت فيها الشرطة العسكرية والطب الشرعي هذه الصور".
سعى تقرير هيومن رايتس ووتش أيضًا إلى التعرف على الضحايا وإجراء مقابلات مع عائلاتهم. لقد كان ذلك صعبًا لأن تلك العائلات كانت تحت خطر شبيحة بشار وكانوا يخافون من الانتقام، وكذلك كانت الجثث مشوهةً جدًا جراء التعذيب والتجويع بحيث ظهرت بشكل مختلف عما تتذكره عائلاتهم. ومع ذلك، فإن 27 جثة، بما فيها واحدة تعود إلى طفل في الرابعة عشرة من العمر، جريمته الوحيدة هي أن هاتفه الجوال احتوى على أغنية تسخر من بشار، قد عرفت هويتهم وقد تمت مقابلة عائلاتهم وأصدقائهم ومعتقلين آخرين رأوهم أحياء أو أمواتاً في الحجز، وقد سجلت شهاداتهم في التقرير.
بغض النظر عن دقة التقرير الكبيرة وحقيقة ما احتواه، والمتوفر بثلاث لغات بما فيها العربية، إلا أنه بحد ذاته جزءٌ من مؤامرة كبرى للهيمنة الغربية باسم الديمقراطية التي تسعى للسيطرة على مصير البلاد التي رسمها سايكس-بيكو قبل قرن من الزمن لإحباط إعادة توحد العرب ليكونوا نواة للخلافة القادمة.
لقد تم تجاهل صور قيصر من قبل أنظمة الغرب الديمقراطية التي ألقت خطابات تشيع الخوف من التهديد العظيم لتنظيم الدولة لصرف الانتباه عن بشار إلى حين يتم الإعلان عن بديل مُرضٍ. ليس من قبيل الصدفة أن يتزامن هذا التقرير مع قرارات مؤتمر الرياض التي أحرزت تقدمًا للغرب باتجاه ائتلاف بديل من العملاء الذين يمكن أن يحلوا محل بشار.
نسأل الله سبحانه أن يدمر قوى الذين يتآمرون على الإسلام والمسلمين وأن يمنح الصبر والنصر للمخلصين.
رأيك في الموضوع