عندما أبرم الحكام المعاهدات مع يهود لجأوا إلى علماء ليبرروا اتفاقياتهم الخيانية في وادي عربة وكامب ديفيد بتلفيق الأدلة الشرعية والعقلية، وها نحن نرى الصورة تتكرر مع قادة الجماعات المقاتلة التي أخذت تهادن الطاغية وتنسحب من المدن وتسلمها للجلادين، ثم جاءت بالذي هو أمرّ، عندما استجابت لدعوة المشاركة في مفاوضات الخيانة والتآمر على ثورة الشام التي أفشلت قرابة خمس سنوات من الحرب البرية والجوية التي لم تترك سلاحا مهلكا إلا واستخدمته، كما أفشلت كل المبادرات السياسية، مبررة فعلها الشنيع بتلفيق الأدلة العقلية والشرعية سيرا على نهج من سبقهم من الحكام الخونة وعلمائهم المرتزقة، علما بأنها كانت قد هاجمت اتفاقيات الحكام سابقا.
وللوقوف على حكم الهدنة لا بد من السير في المسألة على النحو التالي:
* دراسة جميع ما ورد في المهادنات التي أبرمها رسول الله r في الحديبية وغيرها.
* استحضار أدلة الجهاد لتعارضها مع الهدنة لإزالة التعارض بين الأدلة.
* دراسة واقع المفاوضات حاليا وما تضمنته من شروط، حتى لا ينزل الحكم على غير ما جاء له.
* دراسة أهلية المتعاقدين وهل يحق لهم إبرام المعاهدات أم لا؟
على ضوء ما سبق وبعد استعراض الأدلة الشرعية والمهادنات التي عقدها رسول الله rيتبين لنا ما يلي:
* إن الجهاد فرض وهو ماض لا يعطله بارّ ولا فاجر.
* إن الهدنة هي ترك لفرض الجهاد وهو جائز ولكنه مقيد بمصلحة يقتضيها الجهاد ونشر الإسلام، ولا يجوز أن تكون معطلة للجهاد، فيجب تحديد مدة الهدنة وهذا شرط من شروط صحتها.
* وجود مصلحة يقتضيها الجهاد ونشر الدعوة، وفي عدم وجود المصلحة لا تجوز الهدنة، قال تعالى: ﴿فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ﴾.
ومن أمثلة المصالح الشرعية:
* التفرغ لقتال آخرين لعدم قدرة المسلمين على خوض القتال على كل الجبهات.
* استكمال الاستعدادات للمعركة القادمة.
* تفكيك معسكر الأعداء بعرض مال على بعض المتحالفين للانسحاب من المعركة كما كان في معركة الخندق.
تنقض الهدنة في الأحوال التالية:
* سلم المسلمين واحد وحربهم واحدة، فلا تكون هدنة في غزة وقتل في القدس ورام الله، أو هدنة في الزبداني وقتل في حماة، فينقض عهدهم باعتدائهم على المسلمين أو على ذمي من رعايا الدولة.
* إذا أخلوا بأحد شروط المعاهدة.
* إذا انتهت مدة الهدنة.
* إذا ظهرت بادرة تنبئ بخيانتهم، يبلَّغون بإلغاء الهدنة ولا ينتظر تحقق الخيانة منهم، قال تعالى: ﴿وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاء إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الخَائِنِينَ﴾، وقال: ﴿فَمَا اسْتَقَامُواْ لَكُمْ فَاسْتَقِيمُواْ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ﴾، وقال: ﴿وَإِن نَّكَثُواْ أَيْمَانَهُم مِّن بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُواْ فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُواْ أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ﴾.
* إن عقد المعاهدة يفرض الالتزام بما جاء فيها من شروط، وهي من الأحكام التي أنيطت بسلطان المسلمين، ولا يكون ذلك للجماعات، فهي ليست صاحبة سلطان، ولا تملك إلزام الناس ولا من خالفها في الاجتهاد من الكتائب الأخرى، وإن حاولت إلزام الآخرين دخلت في صراع محرم مع المسلمين، فتكون نقلت حربها مع العدو إلى حرب مع المسلمين.
* إن تعميم القول بجواز إبرام المعاهدات من غير دراسة للهدنة وما جاء فيها من شروط والنظر في أصحابها وأحوالهم فيه تلبيس على المسلمين.
* وبالعودة إلى مفاوضات الرياض وغيرها التي يجري تبريرها وتلفيق الأدلة لها نجد كبيرة من الكبائر وجريمة في حق الإسلام وأهله ومؤامرة عظيمة على ثورة الشام منها:
١- التأكيد على مدنية الدولة وهذا ليس تعطيلا للجهاد فحسب بل هو دعوة للكفر.
٢- المحافظة على مؤسسات الدولة وأجهزتها الأمنية، وإعفاء المجرمين من جرائمهم وتمكينهم من رقاب الناس فتبقى الدولة العميقة بجلاديها وشرورها.
٣- محاربة الإرهاب دون تحديد لمصطلح الإرهاب وهذا يعني أن براميل الطاغية المتفجرة وأسلحته الكيماوية وصواريخ روسيا وقنابلها العنقودية الفتاكة وجرائم إيران ومليشياتها ليست إرهابا وإنما الإرهاب هو كل من يقف في وجه المشروع الأمريكي.
٤- إخراج المقاتلين الأجانب وهذا يعني حربا بالوكالة مع الكتائب الأخرى فتسفك دماء المسلمين لتنفيذ ما التزمت به.
٥- أن تكون المرحلة المؤقتة والانتخابات القادمة تحت إشراف هيئة الأمم فتكون البلاد تحت الوصاية الأمريكية فتصوغ الدستور وتضع عملاءها في الحكم فتضمن بذلك القضاء على مشروع الإسلام وتحاربه على أرض الشام وفي كل مكان.
هذا غيض من فيض شرور المفاوضات التي يجري تجويزها بالتدليس على المسلمين.
يتركون ما أوجب الله عليهم من وحدة الصف ومقاتلة أعدائهم، وهم بوحدتهم قادرون على إسقاط النظام وإنهاء معاناة المسلمين ويذهبون إلى ما حرم الله من تنازلات في دين الله.
* إن المفاوضات لا تكون تنازلا من طرف واحد، فماذا لدى الدعاة إلى الله والمجاهدين في سبيله ليتنازلوا عنه؟
لا يتعلل أحد بأنه ذهب إلى المفاوضات وهو لا يعلم من سيفاوض وعلى ماذا سيفاوض، ولا يتعلل بأنه لا يعلم بأن العالم كله سيحاربه ويتآمر عليه، فإنه مما يعلم من الدين بالضرورة عداوة الكفر كله لمشروع الإسلام وأن العرب والعجم سترميه عن قوس واحدة.
فإن كانوا يجهلون فعليهم أن يتنحوا ويعطوا القوس باريها، فالجاهل لا يقود الناس ويوردها موارد الهلاك، وإن كانوا يعلمون فهم جزء من المؤامرة والخيانة يجب على الناس نبذهم..
بقلم: سعيد رضوان أبو عواد - الأردن
رأيك في الموضوع