نعم، إن إقامة الخلافة الراشدةِ على منهاجِ النبوةِ هي من أهم الواجبات!
قال العز بن عبد السلام رحمه الله رحمة واسعة "من نزل بأرض تفشى فيها الزنى فحدث الناس عن حرمة الربا فقد خان ".
فكيف كيف لا تكون إقامة الخلافة من أهم الواجبات، وقد نزلت بالأرض كلها طوام الأحكام الوضعية، وأقصيت عنها كل الأحكام الشرعية، وهدمت دولة الحق، واشرأبت دولة الباطل، فرتع الظالمون، وأفسد المفسدون، وارتقى الظلم مرتقا صعبا، وغُيِّبَ الحق، وغيض الخير، وعم الشر، ولا سبيل إلى تغيير ذلك كله إلا بالخلافة؟!
فكيف كيف لا تكون إقامة الخلافة من أهم الواجبات، وقد تكالبت أمم الأرض على الأمة الإسلامية، من كل حدب وصوب، فأعملوا سيوفهم، وراجمات حقدهم، وحمم نيرانهم في جسد الأمة، ونصبوا على الأمة شرارها حكاما، وفجارها وزراء، وأكابر مجرميها جباة وقضاة ومخابرات، فكتموا الأنفاس، ونهبوا الخيرات، ولا سبيل إلى رفع ذلك إلا بالخلافة؟!
فكيف كيف لا تكون إقامة الخلافة من أهم الواجبات، ولم يبقوا لخيار الناس إلا فتات الموائد، وضنك العيش، وحاربوا الأمة في طريقة عيشها، وعقائدها، ورموها بقذائف باطلهم ليخمدوا الحق في صدورها، ولا سبيل إلى مواجهة ذلك إلا بالخلافة؟!
وكيف كيف لا تكون إقامة الخلافة من أهم الواجبات، وقد أضحت خيرات الأمة نهبا لأعدائها، فلا تسل عن النفط المنهوب ولا المال المسلوب، ولا الحق المغصوب؟! كيف ودماء الأطفال أضحت وقودا لانتقام أعدائها منها، فهدمت المساجد، وسيمت البيوت خسفا، وفلذات الأكباد قتلا وحرقا، وشردت العائلات في أصقاع الأرض يستجدون لقمة ومأوى، وهم خير أمة أخرجت للناس، ولا سبيل إلى رفع الظلم عنهم إلا بالخلافة؟!
ثم كيف كيف لا تكون إقامة الخلافة من أهم الواجبات، وقد أضحت جيوش الأمة بأمر حكامها مسلطة على رقابها، سلما لأعدائها حربا على أوليائها، فاغتصبت المقدسات، واغتصبت العفيفات، وانتشرت الرذيلة لا تجد من يجرؤ على الإنكار، واضمحلت الفضيلة، ولا سبيل إلى دفع ذلك إلا بالخلافة؟!
أوَلا يكون الكلام عن محاربة هذا كله بغير جعل قضية إقامة سلطان الله في الأرض قضية المسلمين المصيرية الأولى والسكوت عن تبيان هذه الحقيقة خيانةً للإسلام؟!
أوَلا يكون الكلام عن غير تطبيق أحكام الله في الأرض، والسكوت عن تطبيق غير الإسلام خيانةً لله الذي لم يرتضِ حكما معه؟! فأي عمل تحت عنوان تغيير الواقع لا يصب في استبدال خبث حكم عتاة المجرمين بحكم الله، وإنما يركز أوضاع الكفر في بلاد المسلمين هو خيانةٌ لله وخيانةٌ لرسوله الذي وصل الليل بالنهار عملا وكفاحا وصدعا بالحق وقابل الأذى والعذاب والمؤامرات، وقاتل وصارع الباطل ما عاش حتى استتبت دولة الحق في الأرض أركانا، وأقيم العدل ومحي الظلم، وهو القائل «إنما الإمام جُنَّةٌ (أي درع واقية للمسلمين) يقاتل من ورائه ويتقى به»، فكيف وقد كسرت هذه الدرع، ألا يكون العمل على إعادتها وجاء ووقاء لصدور الأمة هو من أهم الواجبات؟!
أوَلا يكون الكلام عن غير تطبيق أحكام الله في الأرض والسكوت عن تطبيق تشريع البشر خيانةً لقرآنه الذي لم ينزل إلا ليوضع موضع التطبيق، نزل ليحل الحلال ويحرم الحرام، نزل ليكون شرعة ومنهاجا، طريقة عيش وحكما في كل خصومة، نزل ليقيم الميزان القسط بين الناس فلا ظلم مع تحكيمه، نزل حقا قذفه الله على الباطل قذفا فأزهقه، أفلا يكون العمل على قذف الباطل به ليدمغه فإذا هو زاهق، فيحكم القرآن ويزهق الباطل من أهم الواجبات؟!
إنّ ما نشاهده من حروب ضد العالم الإسلامي يأخذ بعضها برقاب بعض، إنما هي حرب عالمية ثالثة، لكنها حربٌ ضِدَّ أمَّةٍ وليست حرباً بين أمم، حربٌ ضد إرادة أمة، حربُ إبادةٍ ضد العالم الإسلامي.
فهل من سبب جَرَّأَ روسيا الحقد رأس الضلالة والإرهاب، والعالم الغربي الجشع الكافر الذي ما زال يعيش بعقلية القرون الوسطى الظلامية على العالم الإسلامي بهذا الشكل الفج القذر، وبكل أشكال الإبادة الممنهجة إلا لعلم الغرب بغياب الحامي والدرع الواقية للأمة الإسلامية؛ الخلافة؟ وإلا بسبب تفرُّقها شذر مذر، وتحوُّل حكامها إلى رعاة لمصالح الغرب الكافر، مقابل ثمن بخس كراسي مهترئة، وذلك نتيجة حتمية لغياب الإمام أو الخليفة؟!
وما من يوم يمر عليهم بعد هدم خلافتهم، إلا وهو قاتِمُ الأعماق أسودُ النَّواحي، مظلمٌ شديدُ الحُلْكَةِ، مُخَضَّبٌ بدماء المسلمين، وأعراضهم، ونهب خيراتهم، وتسلط رعاعهم، وطواغيتهم عليهم، واستباحة بيضتهم، وتسلط عدوهم، لا تسمع فيه إلا صراخ اليتامى، ونَوْح الثكالى، وقهر المقهورين، وأنين المظلومين، وقرقرة بطون الجائعين، فهل أوصل خير أمة أخرجت للناس إلى هذا المكان المنكود بين الناس إلا بُعدها عن تطبيق شرع ربها؟ ﴿وَمَنْأَعْرَضَعَن ذِكْرِيفَإِنَّلَهُمَعِيشَةًضَنكًا﴾!...
لقد أعمل أعداء الأمة في جسدها، وأعملت الأمة في إعراضها عن شرع ربها في جسدها الأمراض والبلايا، فانتشر السرطان فيها انتشار النار في الهشيم، فأي كلام في أعراض المرض دون معالجة أصل الداء جريمة في حق المريض، لا تزيد السرطان إلا استفحالا، وأي عمل لا يصب في معالجة أصل البلاء، لا تقرب الأمة من حل مصائبها شبرا بل تباعدها عنه أميالا!
إن إقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة في هذا العصر هو من أهم الواجبات، كيف لا وقد جعله صحابة رسول الله e كذلك وقد قارنوه بدفن أحب الخلق إلى الله تعالى، وقارنوه بإمضاء بعث أسامة، فلم يجدوا أهم من المبادرة بإقامة الخليفة، فجعلوه من أهم الواجبات.
كيف لا تكون الخلافة هي من أهم الواجبات وهي الإمامة الكبرى، وهي أصلٌ استقرت عليه قواعد الملة، وهي رئاسة تامة، وزعامة عامة، وخلافة للنبوة لحراسة الدين وإقامته، وسياسة الدنيا بتطبيق الشريعة، وسياسة الرعية ورعاية شئونها، والقيام على مصالحها، وإظهار شرائع الدين، وإقامة حدوده، والائتمار بأوامره والانتهاء عن نواهيه، وتبني والتزام أحكامه، وإقامة المعروف وإظهاره وكف المنكر وطمس آثاره، وحفظ الحوزة، وبسط الأمن، والدفاع عن الدولة في مواجهة الأعداء الخارجيين، ومن ذلك يتفرع إقامة الصناعات الثقيلة، ومراكز الأبحاث، وإقامة الصناعات التي تتعلق بأعيان الملكية العامة كمصانع استخراج المعادن وتنقيتها وصهرها، وكمصانع استخراج النفط وتنقيته.
والخلافة تقوم بإقامة الحق، والقضاء بالعدل، ورفع الظلم، والقضاء في الخصومات، وإقامة الميزان بالقسط، وحمل الدعوة، وإقامة مؤسسات الدولة، وأجهزتها، ودواوينها، وأسواقها، وتعيين المعاونين والولاة والموظفين من ذوي القوة والكفاية والأمانة، وتطبيق أنظمة الإسلام في الحكم والسياسة الداخلية والسياسة الخارجية، والقضاء والإدارة، والاقتصاد، والتعليم والاجتماع، والإعلام والعقوبات، وإدارة مصالحها في شئون العمل والطرق والتطبيب والتعليم والزراعة وما إلى ذلك، وإحاطة الرأي بسياج الشورى، والقيام على تهيئة العمل لكل فرد من أفراد الرعية، إن كان قادراً عليه، وضمان الحاجات الأساسية له، من مأكل ومسكن وملبس، والعمل لتوفير الأقل منها ضرورة، الزواج وما يركب لقضاء مصالحه البعيدة وضمانة الحقين الطبيعيين التطبيب والتعليم وتمكينه من تحقيق الرفاهية له ومن يعوله.
فاشتغلوا بإقامة بالواجب الذي يُعتبر من أهم الواجبات أيها المسلمون، أقيموا الفرض الحافظ للفروض، تفوزوا.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَخُونُوا لـلَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾
رأيك في الموضوع