بعد عقود التهميش التي مرت بها الكنانة ومع بزوغ فجر الثورات التي فاجأت الغرب وأفقدته الكثير من عملائه وأدواته، بل وحتى خططه المستقبلية فأصبحت حركاته كلها ارتجالية لا تخرج عن كونها ردات فعل لحراك الشعوب الثائرة، ومع إدراك الغرب لحرج موقفه ولضعفه وضعف عملائه أمام الأمة سارع في محاولات حثيثة لاحتواء الثورات وسرقتها، وتم له ما أراد في كثير من بلادنا وخاصة مصر الكنانة، لعدم وجود قيادة واعية مخلصة تحمل مشروعا صحيحا قادرا على إنهاض مصر والأمة مما هي فيه، إلا أن ما أحدثته الثورات من تغيير كان له أثر كبير في إنضاج الكنانة ويقظتها وإدراكها للكثير من حقوقها، بمعنى أدق وضعت هذه الثورات الكنانة على بداية الطريق وإن غاب هذا عن أهل الكنانة أنفسهم وإن لم يدركوا أنهم يسيرون نحوه مرغمين، تجبرهم حاجتهم إلى استعادة حقوقهم المغتصبة وكرامتهم المسلوبة والتي لا عودة لأي منها إلا بمشروع صحيح ينبع من عقيدة أهل الكنانة الإسلامية يحمله رجال مخلصون قادرون على تطبيقه من أول يوم، وهو بلا شك خلافة على منهاج النبوة وحملته، هم شباب حزب التحرير الذين لم يبدلوا ولم يتبدلوا منذ أول يوم للثورات نصحا وتوعية لأهل الكنانة والأمة ولإخوانهم من أبناء الحركات الإسلامية محذرينهم من مغبة الركون إلى الغرب وعملائه والثقة فيهم وفي وعودهم البراقة المعسولة التي لم تخرج عن كونها سراباً بقيعة يحسبه الظمآن ماء.
كل ما مر بالكنانة إلى الآن وإن كان فيه نجاح لما خطط له الغرب بشكل نوعي إلا أن الغرب لم يتعامل مع عقيدة أهل الكنانة ولم يضعها في اعتباره، وكان كمن يتعامل مع الأمور بشكل حسابي بحت وبنفس مفاهيمه وخياراته القديمة التي دأب على وضعها أمام الشعوب المعارضة والحكومة وهو يحرك الطرفين كالدمى بين أصابعه دون أن يحسب حسابا لتلك الشعوب وأنها قد تململت وتمردت على سلطانه وسلطان عملائه ولم يعد لعودتها راكعة أمامهم من سبيل مهما حاول بسياسات التركيع والترغيب والترهيب والقتل وسفك الدماء، وما أهل الشام وثورتهم التي قاربت عامها الخامس منكم ببعيد.
للكنانة أهمية منقطعة النظير؛ فلو انعتقت مصر من التبعية لخرجت على إثرها كل بلاد الإسلام جملة واحدة، والغرب يدرك ذلك جيدا ويدرك أن خروجه من مصر يعني فقدانه لثروات الشرق كله بل وفقدانه لوجوده أصلا، فعمل بكل طاقته حتى يفشل كل حراك لأهل الكنانة وحتى يباعد بينهم وبين دينهم، وعمد بالسلطة في مصر إلى جوقة العسكر والمطبلين والفاسدين الذين لا يجتمع معهم إلا من هم على شاكلتهم. ولعلنا جميعا سمعنا تسريبات العسكر وحديثهم عن أموال الخليج ثم قضايا الفساد التي لا تنتهي والتي أزكمت الأنوف رائحتها والتي حدت بالرئيس المصري إلى إقالة حكومة محلب أحد شركائه في جرائمه بعد إقالة سابقة لوزير داخليته، في محاولات لا تنقطع لتحميل الشخوص فساد النظام الرأسمالي العفن الذي يتمسك به الأذناب بعد أن أثبت فشله وعواره، ثم تشكيل حكومة جديدة بشخوص جدد ينفذون النظام الفاسد نفسه ويقبعون في الأجواء الفاسدة نفسها وتحكمهم السياسات نفسها التي تذكرنا بقول رسول الله e «سَيَأْتِي عَلَى النَّاسِ سَنَوَاتٌ خُدَّاعَاتٌ يُصَدَّقُ فِيهَا الْكَاذِبُ وَيُكَذَّبُ فِيهَا الصَّادِقُ، وَيُؤْتَمَنُ فِيهَا الْخَائِنُ، وَيُخَوَّنُ فِيهَا الأَمِينُ، وَيَنْطِقُ فِيهَا الرُّوَيْبِضَةُ». قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الرُّوَيْبِضَةُ، قَالَ: «الرَّجُلُ التَّافِهُ يَنْطِقُ فِي أَمْرِ الْعَامَةِ».
فهل يصلح العطار ما أفسد الدهر؟! وهل تُجمل التغييرات وجه النظام الكالح؟! وهل تخدع الترقيعات أهل الكنانة الذين ضجوا من حكم عسكر أمريكا؟!
إن أهل الكنانة لم تعد تنطلي عليهم ألاعيب سحرة فرعون ولو فعلوا ما فعلوا؛ فقد رأوا بأم أعينهم آلة القتل والقمع لا تستعمل إلا ضدهم ولا تصون حقوقهم، والقوانين لا تسن إلا لتكبيلهم ولتمكين القتلة من رقابهم دون عقاب ولا محاسبة، ناهيك عن الامتيازات التي تمنح للجيش والشرطة والقضاء دون سائر أهل الكنانة لشراء ولائهم، فلم يعد أمام أهل الكنانة خيار ولم يبق النظام أمامهم خيارات مطروحة للعيش عيشا كريما، إلا خيارا واحدا فقط لم يضعه النظام ولا الغرب في حساباتهم، بل عملوا دوما على إبعاده عن العقول ومحاولة طمسه والتعتيم على كل ما يفضي إليه، وهو استئناف الحياة الإسلامية بإقامة الخلافة على منهاج النبوة، الأمر الذي قلب الغرب على مرسي رغم ما أعطاهم من ضمانات وتطمينات لغلق تلك المساحة من "الحرية" التي مكنت من نشر وتداول أفكار وجوب تحكيم الإسلام من خلال الخلافة وفي قلب القاهرة، وما شوهد من تفاعل الناس معها وقبولهم بها وما استطاع الإخوان الوصول إلى ما وصلوا إليه إلا لظن الناس أنهم سيأتونهم بها.
والآن... ما الذي ينتظره أهل الكنانة؟! هل ينتظرون ما ستسفر عنه الانتخابات البرلمانية؟! وهل يرجون منها خيرا؟!!
إن أهل الكنانة وبعد أن ذاقوا ما ذاقوا ومع إدراكهم للعبة الانتخابات وما فيها من مصالح وأنها لا يرجى من ورائها خير ولا يراد بها إلا شرا، ومع بقاء آلة القمع والتجهيل تعمل وبقوة في أهل الكنانة، فسيبقى أهل الكنانة في حالة السخط وحالة الثورة التي لن تخمد أبدا، وإن هدأ لهيبها أحيانا لكنها ستبقى دوما مشتعلة يؤجج لهيبها المخلصون من أبناء الأمة، إلى أن يتحول وعي أبناء الكنانة إلى السبيل الصحيح لنهضتهم وتحقيق غاياتهم وعودة حقوقهم وكرامتهم، وتسليم قيادتهم لحزب التحرير الرائد الذي لا يكذب أهله والمؤهل لقيادة الأمة والحامل الوحيد لمشروع متكامل لدولة الإسلام التي تقر العدل والقسط، حينها فقط نقول إن الثورة اكتملت وحان قطف ثمارها، ونعم تلك الثمار خلافة على منهاج النبوة.
بقلم: حامد عبد الغفور
عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية مصر
رأيك في الموضوع