المتابع لأحوال أمة لا إله إلا الله، أمة المليار ونصف المليار من البشر والذين يشكلون خمس سكان كوكب الأرض يصاب بالذهول والحزن لما وصلت إليه أحوالهم، فلا تكاد ترى مصيبة أو دماراً أو قتلاً إلا في ديارهم وفي أفرادهم، بدءا من مشارق الأرض في الصين ومسلمي الإيغور مروراً بميانمار والفلبين والهند والباكستان وبنغلادش وأفغانستان وأوزبيكستان... وحتى العراق وسوريا وفلسطين... يا إلهي؛ لم تبق دولة من دول ما يسمى بالعالم الإسلامي لا يعاني فيها المسلمون بشكل أو بآخر من مصيبة أو ضنك في العيش أو دمار أو قتل وتفجير أو ملاحقات وسجون أو ...
وبالرجوع للتاريخ القريب قبل قرن أو قرنين من الزمان لم تكن أحوال الأمة هكذا! فما الذي حدث؟ وما الذي تغير؟
المسلمون بأفرادهم هم المسلمون والبشر هم البشر ولكن الدول ليست هي الدول التي كانت والأنظمة والعلاقات ليست هي التي كانت، فقد كانت بلادهم وحدة سياسية وجغرافية واحدة يحكمها حاكم واحد ويطبَّق عليها قانون ودستور واحد حتى دانت لها وخضعت دول العالم الأخرى، ثم تغير مجرى التاريخ لضعف ذاتي طرأ عليها وتآمر خارجي وخيانة من بعض أهلها، فهُدمت دولتهم ومزقت وفتّتت بلادهم وقسمت إلى مزق سموها دويلات، وسلمت القيادة في بلادهم لصنائع الغرب التي صنعها على عينه وسهر عليها حتى أصبحت تنفذ على الأمة الإسلامية رغبات بل وحتى أحلام الغرب الكافر.
قال رئيس الأركان الأمريكي المنتهية ولايته الجنرال ريموند أودييرنو في آخر مؤتمر صحفي له في البنتاغون الأربعاء 12 آب/أغسطس 2015، إن تحقيق المصالحة بين مكونات الشعب العراقي لا ينفك يزداد صعوبة، معتبرا أن تقسيم العراق ربما قد يكون الحل الوحيد لتسوية النزاع.
فهذا رئيس الأركان الأمريكي والذي يمثل وزارة الدفاع الأمريكية إحدى الجهات التي تؤثر في سياسة أمريكا وبقوة يصرح بضرورة تقسيم المقسم، فهذه الكيانات السياسية القائمة الآن في بلادنا نتاج هدم دولة الإسلام دولة الخلافة والتي قسمت باتفاق بين بريطانيا وفرنسا والدول الاستعمارية في بداية القرن الماضي؛ وها هي أمريكا وارثة الاستعمار القديم وبعد مائة عام على تقسيم بلاد المسلمين تسعى جاهدة لتقسيمها ثانية وعلى أسس مختلفة عن الماضي قائمة على الاختلاف القومي والعرقي والمذهبي لمكونات تلك المناطق، فالعراق مثلا يقسم لثلاث دويلات بين "السنة والشيعة والأكراد" وربما ستلحق بها دول أخرى بعد تهيئة الظروف المناسبة لذلك، وأشعلت نار الفتنة بين مكونات هذه الكيانات فسالت الدماء وحملوا السلاح يتقاتلون فيما بينهم إرضاء لأمريكا والغرب الكافر.
ولا شك أن هذا المخطط الخبيث لأمريكا والغرب الكافر يخدم مصالحها ويحقق أهدافها ويلتقي مع غايات وأهداف الغرب الكافر والذي يسعى ومنذ هدم الخلافة لإبقاء المسلمين وبلادهم وثرواتهم تحت سيطرته وسلطته، إلا أن المصيبة والفاجعة فيمن يسعون لتحقيق هذه الأهداف الغربية من بني جلدتنا ويسيرون مع أمريكا لتحقيق أهدافها ومصالحها، مخالفين بذلك أمر الله سبحانه وتعالى، بدل أن يعملوا ويسعوا لتحقيق وحدة الأمة وإعادة المقسم إلى أصله كما كان وكما أمر الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز حيث يقول: ﴿وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ [سورة آل عمران: 103]
وفسرها ابن عاشور رحمه الله: (.. والكلام تمثيل لهيئة اجتماعهم والتفاتهم على دين الله ووصاياه وعهوده بهيئة استمساك جماعة بحبل ألقي إليهم منقذ لهم من غرق أو سقوط،... إذ ليس المقصود الأمر باعتصام كل مسلم في حال انفراده اعتصاما بهذا الدين، بل المقصود الأمر باعتصام الأمة كلها).
ويقول سبحانه وتعالى: ﴿كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله..﴾
وفي الحديث الصحيح عند مسلم قَالَ رَسُولُ اللَّهِ e: «إِنَّ اللَّهَ يَرْضَى لَكُمْ ثَلاَثًا وَيَكْرَهُ لَكُمْ ثَلاَثًا: فَيَرْضَى لَكُمْ أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَأَنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُوا، وَيَكْرَهُ لَكُمْ قِيلَ وَقَالَ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ، وَإِضَاعَةَ الْمَالِ».
وكانت طريقة تطبيق الأحكام الشرعية بالدولة أو بالكيان السياسي الذي كان ينظم علاقات الأفراد بعضهم ببعض فيحدد اللباس والأزياء المسموحة في الدولة أو الممنوعة وأنواع الطعام والشراب المسموح أو غير ذلك وعلاقات الدولة والمسلمين بغيرهم من الدول، وكانت الأحكام الشرعية وحدها فقط المطبقة في كل مناحي الحياة.
إن إقامة دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة هي الطريقة الوحيدة لتوحيد الأمة الإسلامية وبها تستأنف حياتها الإسلامية التي توقفت مع تفتت وتقسيم دولة الخلافة إلى تلك الكيانات الهزيلة التي صنعها الغرب الكافر على عين بصيرة، والتي لا يزال يقاتل من أجل الحفاظ عليها، والعمل لإقامة دولة الخلافة هو من أهم الفروض التي فَرَضَها رب العالمين، إن الأوضاع في بلاد المسلمين اليوم مناسبة ولا شك لقيامها وتوحيدها في كيان سياسي واحد وتوحيد الأمة في هذا الكيان، والذي سيواجه الغرب ويطرد نفوذه؛ إذ سيكون فيه إمكانات اقتصادية كافية جداً شكلت سبباً رئيساً لتكالب دول الغرب علينا، وفيه أمة حية لديها استعداد لإقامة الخلافة على منهاج النبوة، فهي تقدم تضحيات ضخمة في قضايا أقل بكثير من قضية الأمة الكبرى ومشروعها العظيم مشروع الخلافة الراشدة، فكيف لو قامت هذه الخلافة الراشدة؟ وفيها حزب مبدئي قد هيَّأ نفسه لإقامتها، ولديه دستور جاهز للتطبيق، وعنده كوادر تتمتع بوعي سياسي قلَّ نظيره، وعلم شرعي منضبط بالدليل الشرعي.
رأيك في الموضوع