في 11/8/2015 بثت قناة العربية مقابلة مع الجنرال مايكل هايدن الرئيس السابق لوكالة الاستخبارات الأمريكية (سي أي إيه) أدلى فيها بعدة مواقف تفضح واقع السياسة الأمريكية وتفصح عما في أذهان أصحاب القرار الأمريكي، ومن ذلك:
نعى النظام السياسي الذي فرضه الاستعمار الأوروبي على المنطقة بعد هدم الخلافة. ومع أنه أكد أن أمريكا والاتحاد السوفياتي، إبان الحرب الباردة بينهما، لم تسمحا بتعديل هذه الحدود، إلا أن الحدود التي فرضتها أوروبا كبتت، بحسب زعمه، خلافات بين مكونات هذه الكيانات المصطنعة لمدة 100 عام، ثم لم ينس أن يَظهر بمظهر المشفق الناصح بالتحذير من مغبة محاولة نفخ الحياة في تلك الأوضاع، ودعا بدلا من ذلك إلى إعادة صياغة الكيانات على أسس سليمة. وحين سئل عن حدود الخريطة الجديدة التي يقترحها أجاب أنه لا يعرف ولكنه يرفض أن يقوم طرف خارجي بمحاولة رسمها، وإنما يُترك ذلك لأهل المنطقة ليصوغوها بأنفسهم. يكاد المشاهد يرفع صيحات التكبير حين يذهل بالبساطة المتكلفة والبراءة شبه الظاهرة لهذا الثعلب وهو يحاول الظهور وكأنه من الأبطال الداعين إلى التحرر من الهيمنة الاستعمارية الغربية... لولا أن الحقائق الدامغة تكشف زيف دعواه. والقواعد الأمريكية المنتشرة في طول البلاد وعرضها برا وبحرا وجوا، وحماية أمريكا للنظم المجرمة التي تحارب الله ورسوله من مصر إلى تونس إلى سوريا والعراق، والغطاء الأمريكي للتمدد الإيراني في العواصم الأربع، وبطش عملائها في باكستان بأهل البلاد بينما قتلة السي أي إيه يصولون ويجولون في البلاد، فضلا عن فتح المجال الجوي أمام طائرات (الدرون) لتقوم بمئات عمليات الاغتيال تحت سمع وبصر الأنظمة المحلية، فكل هذا لا يشير إليه الخواجا هايدن فاعل الخير، وإنما يشير، بشيء من الحسرة، إلى التضحيات الجسام التي تقدمها القوات الأمريكية في العراق التي، بحسب زعمه، هي القوة الوحيدة التي تقاتل من أجل صيانة وحدة العراق، بينما كل القوى الأخرى تجهد لتفتيته!!!
وفي موضوع العراق يكشف هايدن أنه كان ضد اقتراح السيناتور جو بايدن (قبل أن يصبح نائبا لأوباما عام 2008) بتفتيت العراق إلى ثلاثة كيانات، فهايدن كان يرى أن هذا التقسيم ضد رغبات العراقيين، أما الآن فقد تغيرت الظروف وتغيرت رغبات العراقيين وعليه؛ فإذا رغبوا في تفتيت العراق فما على البيت الأبيض إلا أن يخضع لرغباتهم الشعبية الديمقراطية، مع أن القوات الأمريكية لا تزال تقاتل في سبيل وحدة العراق... أليس هذا هو الوجه الحضاري المستنير للاستعمار الأمريكي؟! فما بالكم يا قوم تتهجمون على العم سام ورسالته الحضارية؟!
ونسي هذا الأفاك هايدن أو تناسى أن أمة الإسلام تجمعها العقيدة الإسلامية التي هي في شغاف قلوب المسلمين من عرب وكرد وعجم، وأن محاولة الروس على أكثر من قرن لمحوها ارتدّت عليهم وبالاً في تركستان والقوقاز والقرم، كما أن سياسات الأنظمة العلمانية المسماة بالوطنية التي فرضها الاستعمار الغربي قد سقطت أمام وحدة العقيدة والشريعة الإسلامية، وأن المسلمين يتوجهون في صلاتهم إلى قبلة واحدة، ويصومون في شهر واحد، ويحجون إلى بيت الله، وأنه ما إن انطلقت صيحة "الشعب يريد إسقاط النظام" من ساحات تونس وجوامعها حتى ترددت أصداؤها في بلاد المسلمين كلها، بل حتى إن حركة "احتلوا وول ستريت" استوحت الشعار نفسه حين نزل المسحوقون بنار الرأسمالية البغيضة إلى شوارع نيويورك، وتزامن ذلك مع نزول المتظاهرين في 200 مدينة عالمية تكتوي بنار الرأسمالية المتوحشة للمطالبة بالعدالة الغائبة في غابات "الصراع الدارويني القائم على عقيدة البقاء للأصلح" وما على الفقراء إلا الموت بين الحفر!
ولكننا ندرك جيدا أن الصيحات المطالبة بإعادة الخلافة على منهاج النبوة التي هدرت بها الجموع من قلب عواصم الأنظمة العلمانية في تونس ولبنان وتركيا وصولا إلى إندونيسيا وماليزيا وتركستان هي التي دقت نواقيس الخطر في عواصم الاستعمار الغربية، وأولها واشنطن صاحبة تمثال الحرية المزيف (المرفوع في نيويورك) التي أغمضت عينيها وأصمت أذنيها عن مجازر نيرون العصر عميلها بشار في دمشق، الذي نصرته ليس فقط بعصاباتها وشبيحتها بل أمدته بأفتك الأسلحة عبر عملائها وأدواتها، ولم تبال باستخدام الكيماوي ولا البراميل المتفجرة (تمكن المرصد السوري لحقوق الإنسان من توثيق 10263 غارة نفذتها طائرات النظام الحربية وبرميلاً ألقته طائرات النظام المروحية على عدة مناطق في قرى وبلدات ومدن سورية، خلال 5 أشهر، منذ فجر الـ 20/10/2014، وحتى فجر الـ 20/3/2015) وبرر هايدن السكوت عن بقاء بشار بأنه أهون الشرور (في مقابل انتصار تنظيم الدولة)!
وهنا بيت القصيد في الرسالة التي أراد هايدن توصيلها: أن الشرق الأوسط الجديد سيتم إعادة صياغته وفق المواصفات والمعايير الأمريكية والتي تفرض تدمير المنطقة على رؤوس أهلها كما يحصل في العراق والشام، حتى تتم إعادة صياغة عقول المسلمين الذين أصبحوا الآن مطالبين بالتصدي ليس لتنظيم الدولة بل لأحكام الإسلام وشريعته التي تفرض إقامة النظام السياسي الذي يطبق أحكام الشرع في الداخل ويحمل الدعوة الإسلامية إلى الخارج. ومن هنا جاءت النصيحة المشفقة من هايدن، مع اعتذاره أنه، وهو المسيحي الأوروبي، كما قال، ليس بوسعه تقديم الحل الأمثل وإنما هذه مهمة المسلمين في المنطقة، ولمح إلى أن أوروبا خاضت حرب الثلاثين عاما قبل أن تتخلص من عقدة الفكر الديني المتطرف، وإذا كان هذا هو عنق الزجاجة الذي ستمر به المنطقة للتخلص من الفكر الأصولي المتشدد فعلى أهلها تحمل آلام مخاض الفوضى القادمة، المتجسدة بالصراعات المتعددة: سني - شيعي، عربي - كردي، عربي - إيراني، وتبقى أمريكا "المحسِنَة" ساهرة لتقديم خدماتها حتى لا تخرج الأمور عن السكة الاستعمارية الجديدة التي لا تختلف كثيرا عن السكة السابقة إلا بتغير المستعمِر من الوجه الأوروبي (صاحب رسالة "عبء الرجل الأبيض" - أي عبء تمدين الشعوب المتخلفة) إلى الأمريكي (صاحب رسالة "القدر المحتوم" - أي الذي يحتم على الكاوبوي تمدين الشعوب الهمجية).
أما وقد أسفر سفير الاستعمار عن وجهه الكالح وفضح مخططات سادته في البيت الأسود، فقد آن الآوان لأمتنا أن تخلع من ربقتها كل حاكم طاغية مجرم عميل للغرب، وتتكاتف السواعد المتوضئة للعمل سوية لهدم هذه الكيانات التي فرضها الاستعمار الغربي، وإقامة الخلافة الراشدة على منهاح النبوة التي بشر بها عبد الله ورسوله e فتنعم الأمة بمرضاة ربها والعيش بكرامتها وتتبوأ المكانة التي كلفها الله بها وتعود كما كانت ﴿خير أمة أخرجت للناس﴾.
رأيك في الموضوع