بعد توقيع الاتفاق النووي بين إيران والقوى العظمى نقلت القيادة الإيرانية جُل ثقلها السياسي والأمني باتجاه الصراع في سوريا والعراق ولبنان واليمن والكويت والبحرين، ومن أحدث الأمثلة على بروز ذلك الثقل وجود مخالب إيرانية جديدة تعبث باستقرار وأمن هذه الدول بشكل لا يخفى على أحد؛ ففي سوريا تُباشر إيران بنفسها المفاوضات حول مصير مدينة الزبداني منحيةً جانباً حكومة الطاغية بشار، وفي العراق تقوم بتوفير الملاذ الآمن لرئيس الوزراء السابق نوري المالكي بعد افتضاح أمره فيما يتعلق بملف الفساد، وبعد انكشاف أوامره بانسحاب الجيش العراقي أمام تقدم ميليشيات تنظيم الدولة في الموصل والرمادي، وفي لبنان تتمادى إيران في التدخل المباشر من خلال سفيرها ودبلوماسييها، أو من خلال حزبها اللبناني حزب الله في كل شؤون الحكم فيه، بحيث تحولت الدولة اللبنانية إلى ما يُشبه الرهينة التي لا تقطع أمراً إلا بعد أخذ موافقة إيران عليه، وفي اليمن فقد وضعت إيران كل ثقلها لمنع هزيمة الحوثيين هزيمة ماحقة أمام ميليشات المقاومة الشعبية، ومحاولة إعادة تموضع قواتهم في مناطق نفوذهم التقليدية في شمال اليمن، وفي الكويت والبحرين حيث توجد فيهما أقليات شيعية تعمل إيران على تحريك خلايا نائمة تابعة لها تقوم بالعبث بأمنهما وإثارة الفوضى فيهما.
تقوم إيران بذلك كله بغطاء أمريكي كامل، فقد سبق وأن وجّه الرئيس الأمريكي باراك أوباما عدة مرات رسائل إلى السعودية ودول الخليج كان آخرها قوله إنّ: "على السعودية وإيران البدء في الاعتراف بأن العداء بينهما مجرد أوهام زائفة كأي شيء آخر، وأن ما يمثله داعش أو انهيار سوريا أو اليمن أو غيرهما، هو أكثر خطرا مما تشعران به من عداء متبادل".
وأضاف أوباما في مقابلة إعلامية له مع شبكة CNN الأحد الماضي: "إن الاتفاق النووي الإيراني، يمكن أن يؤدي إلى زيادة التعاون بين دول يسود الشعور بالعداء بينها"، كذلك ما ظهر من دفاع مستميت لوزير الخارجية الأمريكي جون كيري أمام الكونغرس الأمريكي عن إيران والاتفاق النووي معها، وقوله إنّ نقض الاتفاق يعني سقوط الدولار الأمريكي بوصفه العملة العالمية الأولى.
إنّ هذا الدفاع الأمريكي المستميت عن إيران يُفهم منه أنّ الدولة الإيرانية، أصبحت شريكاً سياسياً لدول المنطقة في حل أهم قضاياها، وأنّه من دون إيران لا يوجد حل، لذلك نشطت الوساطات والتحركات، وكثرت المبادرات والمشاريع التي تأخذ إيران بعين اعتبارها.
وحتى السلطة الفلسطينية فإنّها بعد الاتفاق النووي تُهيئ نفسها لإرسال عباس زكي أو جبريل الرجوب أو غيرهما من رجال السلطة البارزين إلى طهران للتحضير لزيارة رئيس السلطة محمود عباس إلى طهران، وهذا ما يؤهل إيران في المستقبل للعب دور الوسيط بين حركتي فتح وحماس، والانخراط أكثر في الشؤون الفلسطينية، وهو ما يترتب عليه وجود علاقات بشكل أو بآخر مع الكيان اليهودي.
ولم يعُد خافياً على أحد أنّ الدور الإيراني في المنطقة يتماهى تماماً مع السياسة الأمريكية، فعلى سبيل المثال تُركز إيران في سوريا على الدفاع عن منطقة العاصمة دمشق والساحل وما بينهما من تواصل جغرافي ديموغرافي يؤدي فيما يؤدي إليه في المستقبل إلى إخراج دويلة في منطقة يغلب عليها العنصر الطائفي النصيري والشيعي، وهذا ما أشارت إليه حركة أحرار الشام التي تُفاوض الإيرانيين حول مدينة الزبداني، والتي قالت بأنّ إيران قد اقترحت عليها إخراج المقاتلين والمدنيين على حدٍ سواء من مدينة الزبداني وليس إخراج المقاتلين فقط، وهو ما يعني تهجير القاطنين من المدنيين من أبناء المدينة.. فما تفعله إيران في سوريا يتماشى مع ما تخطط له أمريكا في المنطقة من مشاريع للتقسيم فيها.
وهكذا نجد أنّ الدور الإيراني في المنطقة عموماً يصب في مصلحة أمريكا من حيث تمزيقها إلى دويلات جديدة، وفرض النفوذ الأمريكي المباشر عليها.
لكن لا إيران ولا أمريكا ستنجح في تغيير الناحية الديموغرافية في المنطقة بإذن الله، لأنّ رابطة الإسلام هي الأقوى من بين كل الروابط، ولأنّ المشروع الإسلامي الصادق مشروع دولة الخلافة في بلاد الشام بشكل خاص هو مشروع لا يتقدم عليه أي مشروع آخر، وستفشل بالتالي إيران كما ستفشل أمريكا في فرض أجندتهما الاستعمارية على بلاد الثورات العربية.
رأيك في الموضوع