في الثالث عشر من آب/أغسطس 2015م، زار محمد جواد ظريف (وزير خارجية إيران) باكستان، والتقى بسرتاج عزيز (مستشار الأمن الوطني للشئون الخارجية)، ونواز شريف (رئيس وزراء باكستان)، والجنرال رحيل شريف في مقر قيادة الجيش. وهذه الاجتماعات بين الطرفين (باكستان وإيران) لم تقتصر فقط على كسب التأييد للاتفاق النووي الأخير بين إيران ومجموعة 5+1 (وهي: الصين، وفرنسا، وروسيا، وبريطانيا، والولايات المتحدة، بالإضافة إلى ألمانيا)، ولكن أيضا لمناقشة مسألتين رئيسيتين هما: الطاقة، والأمن.
لقد كانت مناقشات قضية الطاقة مهيمنة على الزيارة، فقد قال عزيز متحدثًا في مؤتمر صحفي مشترك: "اتفقنا على أن زيادة وتيرة التعاون في مجال الطاقة تعتبر إحدى أولويات الشراكة متبادلة المنفعة بين بلدينا". وبعد الاجتماع أكّد نواز شريف وظريف على "ضرورة زيادة التعاون بين البلدين في قطاعات النفط والغاز والطاقة والنقل وغيرها. وأكبر عائق أمام تعزيز التعاون بين إيران وباكستان قد أزيل، من خلال رفع العقوبات، ولذلك فإن العمل على خط أنابيب بين إيران وباكستان يمكن أن يمضي قدمًا بسرعة أكبر". لقد كان واضحًا أن التركيز الرئيسي في الزيارة هو على مناقشة أفضل السبل لإحياء خط أنابيب الغاز المتوقف بين إيران وباكستان، إضافة إلى إجراء مناقشات حول محادثات السلام في أفغانستان، وكان نقاش الملف اليمني جانبيًا.
لقد أكملت إيران المشروع من جانبها في عام 2013م، ولكن تم تعليق العمل على المشروع من قبل الجانب الباكستاني بسبب العقوبات الأمريكية والأوروبية على طهران بسبب برنامجها النووي المثير للجدل. ومع التوصل إلى اتفاق إيران النووي مع دول 5+1، أصبحت إيران حريصة على المضي قدمًا في إكمال خط الأنابيب، وتوريد الغاز إلى باكستان والصين وربما الهند. وقد كانت الهند في الأصل جزءاً من المشروع، ولكنها انسحبت تحت ضغط الولايات المتحدة، والآن قد تعيد النظر في موقفها، حيث إن خط أنابيب الغاز الذي يجمع (تركمانستان، وأفغانستان، وباكستان، والهند) باهظ الكلفة بالمقارنة مع الخط الواصل بين إيران وباكستان. وعلاوة على ذلك، فقد حصل هذا الخط على دفعة قوية في نيسان/أبريل من عام 2015م، عندما وافقت الصين على تقديم تمويل للجانب الباكستاني من خط الأنابيب، فخط أنابيب نقل الغاز سيورد لباكستان الغاز، وهو ما تعتبر باكستان في أشد الحاجة إليه، حيث تعاني من نقصٍ حادٍ في الكهرباء.
إن الدافع الرئيسي للصين في دعمها لخط الغاز ليس فقط شراء الغاز لتلبية الاحتياجات المتزايدة من الطاقة، ولكن أيضا لتطوير المنطقة الغربية من الصين من خلال ما يُعرف باسم مشروع طريق الحرير الجديد. وثمة عنصر حاسم في هذا المشروع وهو الممر الاقتصادي بين الصين وباكستان، والذي يكلف 46 مليار دولار، وهو ممر سيربط منطقة كاشغر في شينجيانغ بميناء جوادر المطل على بحر العرب عبر طرق سريعة (الطريق السريع الأسطوري كاراكورام بشكل أساسي)، وسكك حديدية، ومجمعات صناعية، وشبكات ألياف بصرية، وفي نهاية المطاف عبر خط الأنابيب. وهذا الخط لن يكون أقل أهمية من الخط الواصل بين (تركمانستان، وأفغانستان، وباكستان، والهند)، فعلى سبيل المثال، في تموز/يوليو 2015مأنهت شركة (SunOasis) الصينية بناء أكبر محطة للطاقة الشمسية في باكستان، بكلفة 215 مليار دولار، خلال ثلاثة أشهر فقط. كل هذا يعني أن الهند قد تجد في خط إيران - باكستان بديلًا أهم من خط (تركمانستان، وأفغانستان، وباكستان، والهند) أو حتى خط الغاز الواصل بين إيران وسلطنة عمان والهند.
والعائق الرئيسي أمام تدشين خط الأنابيب الواصل بين باكستان وإيران وخط (تركمانستان، وأفغانستان، وباكستان، والهند) هو عدم وجود الاستقرار في أفغانستان التي مزقتها الحروب وبلوشستان، وهذا الظرف هو لمصلحة أمريكا وورقة رابحة لها، وفي الوقت نفسه تواجهها معضلة، فحتى تواجه الهند التوسع السريع للصين إلى آسيا الوسطى بقوة، فإنها بحاجة للدعم بمزيد من الطاقة حتى يسهل الوصول إلى الأسواق في آسيا الوسطى، وبالتالي، فإن صنّاع السياسة في واشنطن لديهم قناعة بضرورة تحقيق الاستقرار في أفغانستان، ووضع حدٍّ للتمرد في باكستان، ويبدو أن أمريكا حريصة في الوقت الراهن على دعم إيران وباكستان والهند في هذا المسعى.
لا يمل حكام إيران وباكستان من السعي لإرضاء الغرب، وهم في تنافس مع بعضهم البعض لتقوية أعداء الإسلام وإضعاف الأمة الإسلامية، من خلال توفير إمدادات الغاز للهند والصين والدول التي تضطهد المسلمين بشكل روتيني في أماكن مثل كشمير وشينجيانغ، ومن خلال إعطاء أمريكا اليد الاستراتيجية العليا للهيمنة على المنطقة من خلال تقوية الهند باعتبارها حصنًا ضد التوسع الصيني.
لو كانت الخلافة الإسلامية الراشدة على منهاج النبوة قائمة لقامت بقطع إمدادات الطاقة عن الهند والصين لضمان التحرير الكامل لمئات الملايين من المسلمين في كشمير والهند والصين. والأهم من ذلك، فإنه من خلال منع القوى الاستعمارية من الوصول إلى موارد الطاقة الغنية في إيران وباكستان وآسيا الوسطى، فإن دولة الخلافة على منهاج النبوة يمكنها السيطرة على أوراسيا، فتصبح الدولة الأولى الرائدة في العالم.
بقلم: عبد المجيد بهاتي - باكستان
رأيك في الموضوع