على خلفية العمليات الهمجية والتدمير الذي تقوم به الآلة الحربية لكيان يهود، والتي سقط من خلالها عشرات الآلاف من الشهداء والجرحى من أهلنا في غزة، كان لا بد للتخفيف من وطأة الاحتجاجات والغضب العارم للجماهير الأردنية التي تطالب بالقتال والجهاد بتحريك القوات المسلحة لنصرة أهل غزة عمليا وإلغاء كل العلاقات والمعاهدات مع كيان يهود، فعلى هذه الخلفية شهدت الأرض المحتلة، إقامة المستشفيات الميدانية الأردنية وما رافقها من تداعيات وما شابها من أعمال وأجواء (بطولية!) مكشوفة لا تنطلي على وعي الأمة من أنها تغطية ساذجة ومحاولة كاذبة للتخفيف من غضب الناس على النظام، ولما لهذه المستشفيات من دلالات خفية وأهداف تآمريه على أهل فلسطين والأردن.
فقد جاء على لسان مدير الإعلام العسكري الأردني بأن المستشفيات الميدانية العسكرية الأردنية عندما تستجيب للأزمات سواء في الداخل أو الخارج، لا تكون استجابتها لحظية وإنما تعمل ضمن استراتيجية. وبأن الهدف العام هو دعم صمود أهلنا في الأراضي الفلسطينية. وهنا لا بد من الإشارة إلى العلاقة السياسية العضوية بين النظام في الأردن وكيان يهود، وتوفير الحماية للحدود مع كيان يهود بتسخير حرس الحدود الأردني لهذه المهمة، فهي علاقة استراتيجية مصيرية لكلا الكيانين، هذه العلاقة تقوم على أن تهديد أحد النظامين يعني بالضرورة تهديداً للآخر، لهذا يتضامنان معا تجاه الضغوط السياسية والأمنية التي تهدد أياً منهما سواء أكانت محلية أو إقليمية أو دولية.
وقال مدير الإعلام العسكري الأردني، إنه ووفقا للاستراتيجية نهتم بكل الجغرافيا الفلسطينية، ولدينا في الوقت الحالي 5 مستشفيات في الأراضي الفلسطينية؛ محطتان علاجيتان الأولى في رام الله والثانية في جنين، والمستشفى الميداني الأردني "غزة/1" في عام 2009 وحتى الآن وصولا إلى "غزة/76"، والذي تم تعزيزه يوم أمس بالمستشفى الميداني الخاص/2، جنوب خان يونس، والأسبوع الماضي تم إرسال مستشفى ميداني إلى نابلس، وتحدث عن "أسباب إدارية" لاختيار موقع المستشفى الميداني داخل نابلس بالتنسيق مع السلطة الفلسطينية.
وبعيدا عن التعليقات الرسمية والإعلامية لا بد من الإشارة لحقيقة ودلالات هذه المستشفيات الميدانية التي رشحت في الفترة الماضية وخصوصا بعيد عمليات طوفان الأقصى:
- إن اقتصار الأنظمة العربية على العلاج ومداواة الجرحى من أهل غزة، هو بمثابة ضوء أخضر لكيان يهود المجرم للاستمرار بالقتل والإبادة الجماعية، ووفقا لمدير المستشفيات في قطاع غزة، فإنه "من المتوقع وصول مستشفيين ميدانيين من الإمارات وقطر وستتم إقامتهما في جنوب القطاع"، ظنا من هذه الأنظمة أن ذلك سيخفف من وطأة غضب الأمة عليها في ظل تعاونها مع كيان يهود، وتخاذلها عن نصرة أهل غزة.
- قالت وكالة الأناضول الإخبارية "إن الجيش (الإسرائيلي) قال إن "إنزال" الأردن مساعدات طبية في غزة تم بالتنسيق معه، وذلك بعد ساعات من إعلان الملك عبد الله الثاني إنزال مساعدات طبية ودوائية عاجلة جوا للمستشفى الميداني الأردني في القطاع مرتين خلال أسبوع، وهذا يدل على أمرين: أحدهما التنسيق الأمني المتين بين النظام الأردني وكيان يهود بالسماح لهذه العملية ما يخدم النظام شعبياً، وكما يبرر هذا التعاون جدوى وجود اتفاقيات سلام بين دول عربية و(إسرائيل) وهي غير قادرة على إدخال المواد الإنسانية، فـ(إسرائيل) تعتبر العلاقة واتفاق السلام مع الأردن مصلحة استراتيجية كبرى، وتدرك أيضاً أن توتر العلاقة مع عمان سيصب في مصلحة خصومها".
- إرسال المستشفى الميداني الأردني الخاص/2 إلى جنوب قطاع غزة أي جنوب خان يونس بإشراف الأمير حسين عبر معبر رفح وبالتعاون مع مصر التي لا تنفك عن إغلاق هذا المعبر بوجه المساعدات إلا بموافقة كيان يهود، ما يشير إلى خطوة استباقية أردنية لما يترقب من كيان يهود باستمرار عدوانه الوحشي للقضاء على المقاومة وتفريغ شمال غزة من سكانه وتمهيدا للحل السياسي الذي يعمل ويمهد له حكام العرب.
- أعلن الأردن قبل أسبوع إرسال مستشفى ميداني إلى مدينة نابلس في الضفة الغربية المحتلة لتقديم الخدمات الطبية والعلاجية للمرضى والمصابين، إلى محافظات شمال الضفة الغربية كلها، وعن أسباب اختيار إقامة المستشفى في غرب مدينة نابلس، في حين إنّ ثمّة مواقع أخرى في محافظة نابلس في حاجة ماسة إليه أكثر من الموقع الحالي، أشار القائم بأعمال محافظة نابلس غسان دغلس لـ"العربي الجديد"، إلى أنّهم قدّموا مقترحات لمواقع عدّة لكنّ الجهات الأمنية الأردنية هي التي اختارت الموقع "لاعتبارات أمنية ولوجستية".
- كشفت مصادر "العربي الجديد" أنّ فكرة المستشفى في نابلس طُرحت في اللقاء الذي جمع ملك الأردن بالرئيس الفلسطيني محمود عباس ووزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن في العاصمة الأردنية عمّان، منتصف تشرين الأول/أكتوبر الماضي. ودلالاته أن النظام في الأردن يشترك مع كيان يهود وبإذعان أمريكي، في خطوات استباقية للتآمر على تصفية قضية فلسطين، من ناحية أمنية تجسسية على المقاتلين والمجاهدين، واستقبالا لما هو متوقع من جرحى ومصابين نتيجة لهجمات متوقعة للمستوطنين المسلحين، وسط دعوات من مسؤولين يهود متطرّفين إلى تهجير سكانها إلى الأردن ليكون وطناً بديلاً ولتوسيع التواصل بين المستوطنات لتحسين ظروف حل الدولتين الخياني، الذي ينادي به بايدن ومصر والأردن.
- إن تخوف النظام في الأردن من تهجير سكان الضفة إلى الأردن كما جاء على لسان الملك ووزير خارجيته ودفعهما إلى الإعلان قبل أيام أنّ إقدام (إسرائيل) على تهجير سكان الضفة إلى الأردن هو "إعلان حرب"، هو تضليل لا يؤخذ على محمل الجد، ولو كان حقيقياً لاتخذ حياله الإجراء الجاد الذي يحول بينه وبين حدوثه، ولا يستعد له بإقامة المستشفيات في مدن الضفة بل بتحريك الجيش للقتال عملياً واستباقيا لما يخطط له العدو المحتل في الضفة والقطاع، ولو كان لدى النظام الأردني ذرة من كرامة ونخوة لأعلن الحرب على يهود بعد قصفه للمستشفى الميداني الأردني في غزة وسقوط سبعة جرحى من مرتباته.
وبناء على ما تقدم فإن الحكم الشرعي هو وجوب القتال ونصرة المسلمين في مثل أحداث غزة ولا يتوقف على العلاج وخدمة المصابين والجرحى، على فرض صدق هذه الأعمال، قال تعالى: ﴿وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ﴾، فطاعة الله هي خير من طاعة حكام المسلمين الذين يوالون أعداء الله ورسوله ﷺ ويركنون إلى الذين ظلموا من كفار الغرب وما يسمى بالمجتمع الدولي.
إن العلاج والمداواة والتمريض في الحروب جعل الإسلام دورها للنساء اللواتي حصر مشاركتهن في الحروب في تقديم الدعم اللوجستي، فكن يداوين الجرحى، ويحضرن الطعام، وقمن بذلك على أفضل وجه، بينما بذل الرجال وصحابة رسول الله ﷺ الغالي والنفيس واستبسلوا في القيام بدورهم وهو قتال الأعداء، الذين باتوا معروفين لدى الأمة وهم يهود الجبناء، الذين جعل حكامنا منهم قوة وهمية انهارت في ساعات قليلة أمام فئة قليلة من المجاهدين المخلصين.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ * وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْساً لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ﴾
بقلم: الأستاذ خالد الحكيم
رأيك في الموضوع