قام الرئيس الفرنسي في 15/06/2015 بزيارة قصيرة إلى الجزائر، وهي زيارته الثانية إلى هذا البلد في أقل من ثلاث سنوات، وتجمع وسائل الإعلام على أن أهداف الزيارة تمحورت حول نقطتين: الأمن (مكافحة الإرهاب)، والشراكة الاقتصادية.
أما الأمن فقد أعلن هولاند تفسيره له حين قال "إن الأمن هو مكافحة الإرهاب"، وأثنى على التنسيق الأمني الجزائري الفرنسي حيث تحدث عن عزمه على تعزيز "الكفاح المشترك" بين البلدين ضد "هذا العدو الرهيب الذي لا يرحم والذي وجهنا ضربات ضده قبل ساعات" (يقصد الضربة الأمريكية في ليبيا ضد مختار بلمختار). والمقصود بمكافحة الإرهاب طبعاً هو محاربة الإسلام وتطلع المسلمين إلى الحكم بالإسلام والانعتاق من ربقة الاستعمار، وفي هذا الجانب فإن فرنسا لا تخفي أنها تعول كثيراً على الجزائر لدعم جهودها ضد الحركات الجهادية في بلدان الساحل عموماً وفي مالي خصوصاً.
وأما الشراكة الاقتصادية، فإن فرنسا التي لا تزال تعاني من أزمتها الاقتصادية تعول مرة أخرى على الجزائر الغنية بالنفط لإخراجها من أزمتها، وعلى الرغم من تنامي الأزمة التي تعاني منها الجزائر نفسها نتيجة انخفاض أسعار النفط، فإن هذا لم يخفف من الأطماع الفرنسية. فقد صرح هولاند أن "فرنسا هي الشريك الاقتصادي الأول للجزائر وستعمل على الحفاظ على هذه المرتبة، بل وتعميق وجودها خصوصاً مع إطلاق استثمارات شركات كبيرة مثل رونو، سانوفي، ألستوم، وقريباً بوجو". وكانت الإحصاءات قد أفادت بأن فرنسا فقدت مرتبتها الأولى سنة 2013 لصالح الصين لتستعيدها سنة 2014 بحجم مبادلات وصل إلى 10,5 مليار يورو.
وكعادة من سبقه من الرؤساء الفرنسيين، فقد تجنب هولاند اتخاذ قرار صريح باعتراف فرنسا بجرائمها ومجازرها خلال الفترة الاستعمارية، والاعتذار لأهل الجزائر، فقد قام بزيارة رمزية للنصب التذكاري لشهداء الثورة الجزائرية ضد المستعمر الفرنسي ثم صرح: "لن ننسى التاريخ ولكننا نوجه أنظارنا نحو المستقبل".
وقد أثار هولاند الانتباه حين استفاض في وصف الحالة الصحية المستقرة للرئيس الجزائري بوتفليقة حيث صرح: "لقد أعطاني الرئيس بوتفليقة انطباعاً بقدرة ذهنية عالية، ومن النادر أن تجد رئيساً لديه هذه النباهة والقدرة على الحكم"، وأضاف: "أنا لست طبيباً ولكن ما أستطيع أن أقوله لكم هو أن مستوى النقاش الذي أجريناه لمدة ساعتين تقريبا كان مركزاً وجد عالٍ"، وقال: "على المستوى الجسدي، أؤكد أنه لا يمكن أن يتحرك بسهولة، ولكنه أظهر أن لديه كل الإمكانات، للمشاركة بحكمته لحل أزمات العالم، دون الحديث عما يمكن القيام به من أجل الجزائر".
إن المراقب البسيط يدرك أن فرنسا لا تزال تنظر إلى الجزائر باعتباره مستعمرة تابعة، فهي لا ترى فيه إلا ما يحقق مصالحها: محاربة الإسلام بأيدي المسلمين وأموالهم تحت مسمى الحرب على الإرهاب، ونهب الخيرات تحت مسمى الشراكة الاقتصادية، والكل يعلم أن الاستثمارات الفرنسية في الجزائر تهدف إلى استغلال اليد العاملة الرخيصة والاستفادة من الامتيازات المالية التي تهبها الحكومة الجزائرية دون أن يستفيد أهل الجزائر من أي خبرة تقنية، ثم لتكون النتيجة في الآخر تهريب الأرباح نحو الخارج.
أضف إلى هذا أن فرنسا تدرك الأطماع الأمريكية في الجزائر خصوصاً في ميدان النفط والطاقات المتجددة، لذلك فهي تحاول كبحها والإبقاء على مواضع أقدامها، وما المبالغة في الثناء على صحة بوتفليقة إلا محاولة لتثبيت النظام القائم إلى أن ينضج البديل الذي يضمن مصالحها، وقد تداولت بعض المواقع أن من بين أهداف زيارة هولاند التحضير لما بعد بوتفليقة.
إن الجزائر، بلاد المليون ونصف المليون شهيد، بلاد الخيرات السطحية والباطنية، تستحق أفضل من هؤلاء الحكام الذين رضوا أن يكونوا خدماً عند المستعمر السابق، خدماً عند من قتل أبناءهم ونهب خيراتهم على مدى أكثر من قرن، ويا ليت هذا المستعمر قد ارتوى بما نهب، بل ها نحن نراه لا يزال يعمل، بمساعدة حكامنا، لكي يبقى الناهب الوحيد دون منافس.
إن كرسي الحكم والأموال المقنطرة والمناصب و ... لا تزيد في العمر لحظة ولا تدفع قضاء ولا تعيد الشباب لمن فقده، وأخطر من هذا لا تشفع لصاحبها يوم القيامة، بل تكون وبالاً عليه إن هو أساء استعمالها ولم يوظفها فيما يرضي الله ورسوله. لكن السير وفق شرع الله يرفع الضنك في الدنيا ويفتح بركات السماء والأرض ويجلب العزة، ثم يفضي بصاحبه إلى جنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين.
فماذا تختارون يا حكام الجزائر، رعاية خنازير هولاند، أم جنة الخلد؟ الأمر بأيديكم.
رأيك في الموضوع