منذ مدة يكرر وزير العدل المغربي عبد اللطيف وهبي والأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة تصريحاته المستفزة للمسلمين، يشرح فيها ما يعمل عليه بجد في وزارته في إطار القانون الجنائي الجديد المقترح، للدفع بما يسمى الحريات الشخصية وتقنينها وحمايتها، وتغيير مدونة الأحوال الشخصية التي تنظم أمور الزواج والطلاق، بل وصل الأمر به أن تجرأ على الطعن في أعراض النساء واللمز بأن معظم أهل المغرب أبناء سفاح! والمقصود بالطبع من التغيير الذي يدعو إليه هو حصرا حرية الفسق مثل الزنا المسمى (العلاقات الرضائية) وحرية الإجهاض، وإلغاء تجريم الإفطار العلني في رمضان. ومن يتابع مقاطع الفيديو المنتشرة له على الإنترنت يلمس بوضوح نبرة التحدي الظاهرة في كلامه واستعداده كما يقول للدخول في معارك واستعداده لتحمل الانتقاد بل والسباب في سبيل تنزيل الأفكار التي يؤمن بها ويدعو لها.
إن استمرار هذا الوزير في منصبه رغم تصريحاته المستفزة والصادمة، ورغم الضجة التي أثارتها مسابقة المحاماة التي أشرفت عليها وزارته وما شابها من فساد كبير، كل هذا يشير بوضوح إلى أن ما يقوله ليس من بنات أفكاره ولا اجتهاداً خالصاً منه، بل إنها سياسة رسمية اختير لها هذا الوزير كي يكون ناطقاً باسمها وبالون اختبار لقياس ردات فعل الناس ومدى استعدادهم لتقبل التغييرات المقترحة.
إن كل مُطّلع على واقع الناس يعلم أن الإسلام متجذر في أعماق أعماقهم، ولا يزال هذا الأمر يظهر بوضوح في كل الدراسات التي تقوم بها مؤسسات الدولة، ولذلك فإن الحكام يعلمون علم اليقين أن مشاعر الناس لا تزال إسلامية رغم كل المسخ الفكري الذي يمارسونه عليهم منذ عقود سواء في التعليم أو الإعلام أو الفضاء العام أو غيره من الميادين.
لكنهم هم وأسيادهم في الغرب من ورائهم لا ييأسون ولا يتوقفون عن مخططاتهم الشيطانية لإفساد الناس بالخديعة أحياناً، وبقوة القانون أحياناً أخرى. لكنهم يعلمون أن القانون وحده لا يكفي لتغيير أفكار الناس ومشاعرهم، لذلك فهم يحاولون الترويج لأفكارهم المسمومة بتغليفها بشعارات براقة خادعة كالحرية أو حقوق المرأة أو حقوق الطفل ﴿لَيّاً بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي الدِّينِ﴾.
إن آخر همّ المسلمين في المغرب الذين يعانون من الفقر والبطالة والغلاء والتفاوت المجتمعي الفاحش، أن يُرفع الحظر عن الزنا، أو عن الإفطار العلني في رمضان، بل إنهم يرون أنه إن تم ذلك، لا سمح الله، فإنه نذير شؤم عليهم ومجلبة لغضب الرب، والكل يردد أن ما نعانيه اليوم من جفاف وقرب نفاد مخزون مياه الشرب هو عقاب رباني على شيوع المعاصي، فكيف إذا تم تقنين هذه المنكرات وأصبح مرتكبها يتمتع بحصانة قانونية؟!
لقد كان الأولى بحكام المغرب، لو كانوا يهتمون فعلاً بمصالح الناس ويؤرقهم طيب عيشهم، أن يقاوموا الفساد، ويعيدوا الملكية العامة لأصحابها، ويقطعوا أيدي الاستعمار عن العبث بخيرات البلاد ونهبها، ويقطعوا الامتيازات التي تتمتع بها نخبة قليلة من المتنفذين، فيما يتضور الناس جوعاً وبرداً، لكنهم بدل ذلك يختارون أن يجعلوا معركتهم مع ما تبقى من أحكام الله، فيحاولون انتزاعها من صدور الناس وعقولهم. لكن هيهات هيهات!
إن الأصل أن نطالب حكام المغرب بتطبيق شرع الله، فهو المنجى الوحيد، والمخرج الأوحد من كل هذه الأزمات التي نتخبط فيها، لكن يغلب على ظننا أن هذه الدعوة لن تجد آذانا مصغية، فهلا كففتم أيديكم على الأقل، في ظل علمانيتكم، عن خيرات الناس وأرجعتم إليهم شيئاً من أموالهم؟ ألستم تصدعون رؤوسنا بالمثال الغربي، فهلا طبقتم شيئاً مما فيه من توفير المال العام وعدم الخوض فيه وحسن رعاية شعوبهم؟
لكننا نعلم أيضا أن هذه الدعوة لن تجد صدى لديكم، ولذلك فالمُعوَّل على القوى الحية في المجتمع، على الفقهاء والعلماء، على الشرفاء والغيورين، على أهل الصلاح والتقوى، على أهل العزة والنخوة والمروءة والشهامة، أيرضيكم أن يتصدى لأمور العامة التافهون ولكع بن لكع، أيرضيكم ما وصل إليه الحال؟ لا والله، ما من امرئ في صدره ذرة من نخوة إسلام يرضى بهذا، فماذا تنتظرون إذاً بعد أن نهب مالكم واستبيحت خيراتكم، وها هي أعراضكم اليوم وأعراض نسائكم وبناتكم على المحك؟!
تصدّوا للأمر، ولا تعطوه فرصة للنجاح، وضُمّوا أيديكم إلى أيدي المخلصين الذين يعملون ليس في المغرب فحسب، ولكن من المغرب غرباً إلى ماليزيا شرقاً، يصلون ليلهم بنهارهم، يعملون بجدٍّ لإقامة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة، وإنا على يقين أنْ قد أظلنا زمانها، فلعل الله أن يكتب لنا ولكم في هذا الخير نصيباً. ﴿وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُوْلَئِكَ هُوَ يَبُورُ﴾.
رأيك في الموضوع